اخر الاخبار

موظفو تعز.. بؤس يتفاقم مع حلول رمضان



وكالة أرصفة للأنباء- تقرير/ القدسي محمد
يأتي رمضان هذا العام وموظفو محافظة تعز، وسط اليمن، يعانون، إضافة إلى الحصار والقتل والدمار، انقطاع مرتباتهم، والتي تمثل العمود الفقري للاستمرار في حياتهم.

فالمدرس محمد القرشي، الذي بات يعيش على قروض ومساعدات أقاربه منذ انقطاع مرتبه، لم يعد أمامه حل لأسرته في مواجهة متطلبات شهر رمضان سوى الالتجاء لمنزل والده، وزوجته لمنزل أسرتها..

بتنهيدة يأس يقول: " هاهو شهر رمضان، وحتى لا نموت من الجوع سوف نفترق وأسرتي، أنا سوف أذهب إلى بيت أبي وزوجتي إلى بيت أبوها".

لا تبدو الأجواء المعتادة في استقبال شهر رمضان الفضيل حاضرة على الدكتور/ محمد الشميري، الذي يلخص واقع الحال، بقوله: "نحن اليوم نبحث عن القوت الأساسي لأطفالنا"، ويصمت..

ويعيش سكان مدينة تعز ظروفاً مأساوية بعد أكثر من عامين من الحرب، في حين فاقم تأخر المرتبات من معاناة الناس هناك، لتستمر معاناة الموظفين أكثر في هكذا ظروف صعبة يعيشونها، في ظل الحرب وانقطاع المرتبات، دون أن يلتفت لهم أحد.

تشرد مؤجل
"تعز المدنية الحالمة بوضعها الاستثنائي كل شي فيها يجعل منها مدينة للموت".. هكذا يقول محمد أحمد غانم، أثناء حديثه لـ"وكالة أرصفة للأنباء"، بينما يفترش رصيف مدينة التربية..


بوجه عابس يقف غانم، ممسكا بإحدى يديه كيس لوحات بيضاء كمطالبه المرسومة بتراكمات الوجع، وفي اليد الأخرى ورقة مناشدة صغيرة أفقية لا تتسع لوصف مدى سوء حالته فقط مكتوب عليها "تعز ترفض التميز في صرف المرتبات".

محمد أب لبنت مهددة بالحرمان من مواصلة تعليمها لعدم قدرة الأب على دفع تكاليف دراستها في إحدى المدارس الخاصة.

وكانت منظمة اليونيسف، قالت أن استمرار الصراع وعدم قدرة السلطات على دفع أجور المعلمين والتربويين في مختلف محافظات اليمن يهدد بحرمان مزيد من الأطفال من التعليم، علاوة على وجود قرابة مليوني طفل في سن التعليم خارج المدارس معظمهم كانوا خارج التعليم قبل هذا الصراع الجاري.

يقول محمد: "منذ ثمانية أشهر ونحن في انتظار صرف مرتباتنا، لكن للأسف لا يمكن أن نقتات من وعود الصرف، رغم كثرتها، ولم نعد نملك غير الصبر الإجباري الذي نحافظ به على قليل التفاؤل المصطنع في البيت والمدرسة بانتظار صرف حقوقنا".

يضيف: "ضاق بنا الحال وانقطعت بنا سبل العيش، خرجنا إلى الشارع هروبا من مالك البيت الذي يطالب بالإيجار وصاحب البقالة وبائع الخضروات بالحارة إلى هذا الرصيف مطالبين بحقوقنا"..

يصمت، محاولا ترتيب الكلمات لعل شكوته تكون واضحة هذا المرة، يعود صوته الشاحب بتنهيدة يأس: " هاهو شهر رمضان، وحتى لا نموت من الجوع سوف نفترق وأسرتي، أنا سوف أذهب إلى بيت أبي وزوجتي إلى بيت أبوها".

يجمعهم الوجع
يعيش التربوي محمد القرشي على قروض ومساعدات من أقاربه، منذ انقطاع مرتبه، ويتساءل"إلى متى سوف يستمرون في مساعدته..؟ في ظل هذا الصراع الدائر الذي يقذف بشريحة كبيرة من أبناء المحافظة إلى رصيف الجوع والتسول.


محمد موظف من بين عشرات الآلاف من موظفي محافظة تعز، وسط اليمن، الذين انقطعت مرتباتهم، بسبب الصراع الذي تشهده تعز، فهل يدرك القائمون على هذا الصراع حجم معاناة هؤلاء والعودة إلى طاولة الحوار وتحكيم العقل؟!.

تتشابه قصص كل موظفي الدولة بمدينة تعز، الذين يجمعهم الوجع ذاته، ولكن مع اختلاف درجاته، وهو يشتد يوما بعد آخر مع كل يوم يمر عليهم دون أن يكون هناك ريالا واحدا في منزلهم.

احتجاجات تقابلها وعود كاذبة
العديد من الوقفات الاحتجاجية والمسيرات السلمية التي نظمها موظفو الدولة لمطالبة حكومة الشرعية بصرف مرتباتهم وإغاثة المدينة بطرق سليمة وحضارية طيلة الفترة الماضية دونما قطع شارع أو الاعتداء على أي مؤسسة حكومية.

يتحدث فهد العميري، الناطق الرسمي باسم مسيرة البطون الخاوية بقوله: "خرجنا إلى الشارع للمطالبة بحقوقنا التي التزمت بها حكومة الشرعية أمام المجتمع الدولي، أثناء نقلهم البنك المركزي إلى العاصمة المؤقتة عدن، فالراتب حق، وعلى رئيس مجلس الوزراء القيام بمهامه والوفاء بالالتزامات المترتبة على منصبه".


ويضيف: " لا نعلم لماذا كل هذا التخاذل تجاه تعز وموظفيها؟!.. عشرات الآلاف من موظفي الدولة منذ ثمانية أشهر لم يستلموا مرتباتهم ولك أن تتخيل حجم الكارثة والمعاناة".

ويشير العميري لـ"وكالة أرصفة للأنباء" بأن "حكومة الشرعية اكتفت بالوعود فقط وتوجيهات على أوراق، وأن رئيس الحكومة بن دغر يعيش حالة من التناقض، حيث أعلن في جنيف أنه صرف مرتبات الموظفين في مغالطه للرأي العام الدولي على حساب قوت أطفالنا.

ويعتبر "أن المبرر الأخير الذي تحدث عنه مدير البنك الأهلي بعدن، والذي ربط فيه سبب تأخر صرف مرتبات موظفي تعز بعدم توريد إيرادات المحافظة ما هي إلا هروب من المسؤولية. متسائلاً: "وما ذنب الموظف إذا كان الخلل ناتج عن أداء السلطة المحلية المعينة من قبل حكومة الشرعية".

معاناة وتهجير
هجر الكثير من أبناء تعز بسبب الحرب، إلا أن الوضع هنا يختلف مع هذه الشريحة من موظفي تعز، فالمعاناة تكالبت عليهم، بعد انقطاع مرتباتهم التي تعد مصدر قوت آلاف الأسر.
 
يشير الأستاذ جميل العبسي، نائب رئيس اللجنة الإشرافية لمسيرة البطون الخاوية لـ"وكالة أرصفة للأنباء" إلى العديد من الحالات التي انتهى المطاف ببعضها إما بطرد الموظف من منزله المستأجر من قبل مالك البيت أو السجن بأسلوب ضغط على الموظف ليقبل بالتهجير.
  ويضيف: "تواصلنا مع بعض الجهات والأشخاص من أجل إيجاد حلول لمن تراكمت عليهم الإيجارات بسبب انقطاع الراتب، إلا أن الأمر لن يفضي إلى حل وما تزال المشكلة مستمر".


ويعد جميل العبسي واحد من ضمن أكثر من ثمانية وعشرين ألف معلم وتربوي بالمحافظة يُمثلون 14 مديرية لم يتسلموا مرتباتهم لشهر ديسمبر 2016م حتى الآن، وفق بيانات نقابة المعلمين بمحافظة تعز، ناهيكم عن الشهور السابقة واللاحقة لهذا الشهر.

وهو ما زاد معاناتهم، إلى جانب ما يعانونه من وضع معيشي صعب، في ظل الحرب والحصار المفروضتين على المحافظة مذ أكثر من عامين.

ظروف مأساوية
"ثمانية أشهر والأصوات تتعالى في شارع جمال بتعز، وسط اليمن.. لكن لا جديد سوى المزيد من الأوجاع"، هكذا يصف الأستاذ/ عدنان الأثوري حالة البؤس الساكنة ملامح وجهه..


فمنذ أغسطس/آب 2016، وعدنان، كغيره من موظفي تعز، يعيش وضعاً صعباً بعد انقطاع مرتبه، الأمر الذي فاقم من معاناتهم، وجعل أعباءهم تزيد بشكل كبير، وصار همهم الأكبر هو لقمة العيش.

ويعيش سكان مدينة تعز، وسط اليمن، ظروفاً مأساوية بعد عامين من الحرب، بسبب الحصار المفروض من قبل المتمردين الحوثيين الذين يسيطرون على المنفذين الشرقي والغربي للمدينة، ما أدى إلى نقص شديد في المواد الغذائية والطبية.

وفاقم تأخر الرواتب من معاناة الناس، إذ تواجه المالية العامة عجزاً في تغطية مرتبات موظفي الدولة المقدر عددهم بنحو 1.25 مليون موظف، فيما تقدر المتطلبات الشهرية للمرتبات وفوائد الدين المحلي بنحو 115 مليار ريال (460 مليون دولار)، بينما تغطي الإيرادات العامة الشهرية نحو 30% فقط من تلك المتطلبات.

معاناة منسية
تستمر معاناة الموظفين في محافظة تعز، في هذه الظروف الصعبة التي يعيشونها، دون أن يلتفت لهم أحد.. فواقع حال الدكتور/ الشميري، والمدرس القرشي، والتربوي الأثوري، كغيرهم من موظفي المدينة، الذين يستقبلون شهر رمضان هذا العام، وسط معاناة انقطاع المرتبات والحصار والقتل والدمار.


ورغم لجوء البعض منهم إلى العمل على باصات/ حافلات نقل أجرة أو كباعة متجولين، أو في المطاعم، وغيرها من الأعمال، إلا أن ذلك لم يفِ بالغرض، وبالكاد يسكت أمعاء أطفالهم الخاوية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

وكالة أرصفة للأنباءجميع الحقوق محفوظة 2016