اخر الاخبار

معلمو اليمن في عيدهم العالمي.. بين نيران البنادق وغول الجوع



وكالة أرصفة للأنباء- تقرير: وليد عبد الواسع

في اليمن يمر اليوم العالمي للمعلم كبقية المناسبات، بلا قيمة ولا أثر إيجابي قد يحفز أداءهم ويعزز كفاءتهم أو يرفع مستواهم المعيشي البائس الذي زادت الحرب من قسوته..

تقول المعلمة عائدة: "باتت القذائف والصواريخ ذكرى غير مفزعة مقارنة بغول الجوع الذي ينهش أجسادنا وكرامتنا على مدار الساعة".

وجديد هذا العام أنه تزامن مع إعلان المعلمين إضرابهم احتجاجاً على عدم صرف مرتباتهم، بعد أن وصلت أوضاعهم المعيشية صعبة للغاية.

وتضيف المعلمة التي مات زوجها في 2011 تاركاً لها ابنتين وولداً أكبرهم في سن العاشرة: "غير أن فقدان الزوج صار أمراً هيناً أمام فقدان راتبي وراتب زوجي التقاعدي".

وتزامنت المناسبة، التي تصادف الخامس من أكتوبر، مع بدء العام الدراسي الجديد، وما يزال المعلمون اليمنيون يعانون من ضغوط وتأثيرات عدة، أبرزها توقف صرف مرتبات 70% منهم منذ نحو عام، دفعت كثيرين إلى ترك مهنة التعليم ومزاولة بعض الأعمال الأخرى لتقيهم وأسرهم شظف العيش والعوز.

وفي ظل الأوضاع المعيشية الصعبة التي يواجهها المعلمون في اليمن جراء انقطاع مرتبتهم وجد الكثير منهم مجبرين للاتجاه نحو إيجاد بدائل أخرى عن مصدر دخلهم المتوقف وهو الراتب الذي كانوا يتقاضوه من الدولة.

المجاعة تطاردهم
ومثلما كان الفقر ولا يزال، سبباً في تسرب التلاميذ فقد أدى توقف رواتب الموظفين الحكوميين ومنهم الأساتذة إلى تراجع نسبة الالتحاق في التعليم وهجر معلمين مهنهم والبحث عن أعمال أخرى.


ويهدد توقف الرواتب لنحو 166 ألف معلم منذ 12 شهرا بعدم انتظام العام الدراسي الجديد الذي بدأ يوم 25 سبتمبر/أيلول المنفرط.

ويقول المعلمون إنهم لا يستطيعون توفير تكاليف المواصلات إلى المدارس، وإن كثيرين اتجهوا إلى أعمال أخرى لتوفير لقمة العيش.

معلمون وموظفون كثر اضطرتهم المجاعة إلى البحث عن أعمال مؤقتة أو دائمة. وسبق لأساتذة في جامعة صنعاء أن أعلنوا عبر موقع "فايسبوك" أنهم اضطروا للعمل في مهن مثل صناعة الطوب وبيع القات.

وفي الوقت الذي استطاع فيه البعض عن إيجاد فرصة في التدريس بمدرسة أهلية، البعض الآخر يعمل إما سائقا لسيارة أجرة، أو عاملا في مطعم، أو بائعا متجولا، وغيرها من المهن الأخرى التي سعى لمزاولتها معلمون كثر.

وقبل توقف رواتبهم، كان المعلمون يتقاضون رواتب زهيدة، حيث لا يتجاوز راتب المعلم الحاصل على الشهادة الجامعية 80 ألف ريال في الشهر (220 دولاراً)، لا تكاد تكفي لمواجهة أعباء المعيشة وارتفاع الأسعار.

ولم تصرف رواتب أكثر من 800 ألف موظف حكومي يعملون في المحافظات الشمالية، بينهم 167 ألف معلم ومعلمة، منذ سنة.

يمن بلا معلمين
ويرى أحمد البحيري- رئيس مركز الدراسات والإعلام التربوي (غير حكومي مقره تعز) أن التحديات التي تواجه التعليم اليوم كثيرة ومتداخلة، وأبرزها توقف صرف رواتب 70% من المعلمين منذ نحو عام، ما يهدد العملية التعليمية في 13 محافظة يمنية بالانهيار.


وأضاف البحيري أن عدم صرف الرواتب يجعل 4  ملايين ونصف مليون طالب وطالبة مهددين بالحرمان من التعليم.

ولفت رئيس المركز إلى أن الاستمرار في وضع كهذا في ظل تعنت أطراف الصراع (الحكومة الشرعية من جهة، وتحالف الحوثي ـ صالح من جهة أخرى) بعدم الاستجابة بدفع رواتب المعلمين، ينبئ بكارثة تعليمية تهدد اليمن والمنطقة والعالم.

وفي العاصمة صنعاء، أعلنت النقابة العامة للمهن التعليمية والتربوية (مستقلة)، في بيان لها منتصف سبتمبر، الإضراب العام عن العمل والتدريس خلال العام الدراسي الجديد، ما لم يتم تأمين تسليم رواتب التربويين دون انقطاع.

وتحدّثت النقابة عن "المعاناة والآلام التي يتجرعها المعلمون وأسرهم، والتي وصلت حداً لا يطاق، وأصبح شبح المجاعة الحقيقية يهددهم جراء توقف صرف رواتبهم طوال فترة تجاوزت عشرة أشهر".

لافتة إلى أن استمرار توقف صرف مرتبات التربويين يضع النقابة أمام وضع صعب يستحيل فيه مواصلة العمل بدون تسليم مرتبات التربويين.

وقالت النقابة إنها تضم في عضويتها نحو 250 ألف تربوي وتربوية يعملون في قطاعات التربية والتعليم في الجمهورية اليمنية.

مهددات ومخاوف
نقابة المهن التعليمية والتربوية لا زالت متمسكة بموقفها الرافض للعمل ما لم تتم الاستجابة لمطالبها، وتقول إنها دعت المعلمين حتى في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة إلى تنفيذ إضراب شامل.
 
ووسط هذا الحراك الحقوقي، تظهر أصوات أخرى تحذر من إيقاف العملية التعليمية مع الاستمرار في مطالبة الجهات المختصة بصرف مستحقات المعلمين، حرصاً على استمراريتها.


وتُتهم جماعة الحوثي بأنها حرمت موظّفي الدولة ومنهم المعلّمون من رواتبهم فِي غُضُون قرابة العام، فيما تموّل ما يسمّى بـ "المجهود الحربي" من الإيرادات العامة للدولة وأرصدة الوزارات والمؤسّسات والصناديق الحكومية.

ومنذ نقل البنك المركزي من العاصمة صنعاء إلى العاصمة المؤقتة للحكومة الشرعية عدن، لم يتقاضى 166 ألف و443 معلما ومعلمة في 13 محافظة خاضعة لسيطرة الحوثيين رواتبهم، خلافا للمناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وخلال شهر يناير الماضي، قامت الحكومة الشرعية بإرسال راتب شهر يناير فقط للمعلمين في العاصمة صنعاء، فيما تقوم بصرف رواتب المعلمين بالمناطق الخاضعة لسيطرتها.

وطالبت الحكومة الشرعية الأمم المتحدة بإلزام الحوثيين تسليم إيرادات المحافظات الخاضعة لسيطرتهم إلى البنك المركزي في عدن حتى يتسنى لها دفع مرتبات الموظفين في عموم المحافظات، لكن الحوثيين رفضوا ذلك، وأصروا على توريد الإيرادت إلى بنك صنعاء.

وفي الرابع والعشرين من سبتمبر، أعلن رئيس الحكومية اليمنية أحمد بن دغر، تسليم مبلغ 5 مليارات و500 مليون ريال يمني لشركة صرافة محلية، لصرف رواتب الموظفين الحكوميين، ومن ضمنهم المعلمون، لشهر واحد.

وبحسب تقرير صادر عن مركز الدراسات والإعلام التربوي فإن نحو 70% من المعلمين اليمنيين والأكاديميين لم يتسلموا رواتبهم منذ قرابة عام، وهو التحدي الأبرز الذي يعيق آلاف المدارس والجامعات عن بداية عامها الدراسي الحالي.

وبلغ متوسط مرتبات المعلمين المتوقفة خلال العشرة الأشهر الماضية 102 مليار ريال، وهو ما يمثل تأثيراً سلبيا ليس فقط على التعليم، بل على الوضع المعيشي والاقتصادي بشكل عام.

واقع محفوف بالمخاطر
وفي ظل عدم وجود أية بوادر صرف مرتبات المعلمين في القريب العاجل، تبدي قيادات تربوية ومعلمين مخاوفهم من عدم مواصلة المعلمين لعملهم.

وحذّر مسؤول في وزارة التربية والتعليم من أن العملية التعليمية مهدّدة بالتوقّف لهذا العام لأسباب عدّة، شارحا أن الرواتب سبب أوّل لوقف العملية التعليمية.

وأكد مدير مكتب التربية والتعليم بأمانة العاصمة/ محمد الفضلي أنه لا يمكن بدء عام دراسي دون صرف المرتبات. واصفا وضع التعليم بالكارثي.

وقال مدير مكتب التربية السابق بتعز/ محمد الجلال إن توقف صرف مرتبات المعلمين معناه انهيار العملية التعليمية ما يعني حرمان ملايين الأطفال من التعليم. مضيفا: "الفرص المتاحة أمام إدارة التربية لبدء عام دراسي شحيحة إذا ما استمر الوضع على ما هو عليه".

واعتبرت سمية حيدر، باحثة تربوية- محافظة الحديدة- أن الأمر الطبيعي جداً في حال لم يتم صرف مرتبات المعلمين، هو عجز المعلم عن الاستمرار في العطاء العلمي والتربوي، كونه رب أسرة، ولديه من الالتزامات ماتجعله غير قادر فعليا على العطاء.

سمية حيدر أبدت تخوفها ليس من حرمان المعلم من راتبه، وإنما من حرمانه أيضا حقه في المطالبة بحقوقه والإضراب عن العمل، رغم صدور بيانات وتعاميم نقابية تدعو إلى الإضراب.

وتوقعت سمية حيدر أن يتم مواجهة مطالب المعلمين التصعيدية، بالتهديد بمصادرة وظائفهم. لافتة إلى أن هناك مؤشرات ومشاهد تؤكد لجوء سلطة الأمر الواقع بذلك.

ومن بين 180 معلماً ومعلمة استطلعهم مركز الإعلام التربوي بمحافظات تعز والحديدة وصنعاء قال 92% منهم إنهم لن يعودوا إلى المدرسة هذا العام مالم يتم تسليم رواتبهم.

وقال رئيس الدائرة القانونية للنقابة الوطنية للتعليم العام، محسن الدار: إن تأخر صرف المرتبات عن موعد استحقاقها نهاية كل شهر فضلا عن توقفها يؤثر بشكل مباشر على التعليم. مبديا تخوفه من استمرار توقف مرتبات المعلمين ما قد يؤدي إلى توقف شامل للتعليم.

وأصدرت نقابة المعلمين اليمنيين بتعز عدة بيانات ونظمت وقفات تصعيدية للمطالبة برواتب المعلمين، ودعت الحكومة في أكثر من مرة إلى عدم المماطلة والتمنع عن صرف مرتبات المعلمين ومراعاة الوضع الذي يعيشه أبناء تعز جراء الحرب والحصار. 
 


تداعيات وتحذيرات
ويضع انقطاع المرتبات عن آلاف المعلمين في العاصمة اليمنية صنعاء وبقية مناطق الحوثيين، العملية التعليمية على المحك، حيث يعاني 167 ألف معلم ومعلمة في 13 محافظة يمنية يمثلون قرابة 73 % من إجمالي الكادر التعليمي في اليمن من توقف رواتبهم منذ شهر أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي.

هذا التطور، الذي وصفه متابعون بالخطير في بلد كاليمن يعاني أصلاً من تدهور في القطاع التعليمي، دفع كثير من المنظمات إلى رفع الصوت عالياً للتحذير من تداعيات إقفال المدارس على جيل كامل.


مبادرة "التعليم من أجل السلام" في اليمن، أعلنت، أن قرابة 5 ملايين طالب معرضون للتوقف عن الدراسة، بسبب استمرار انقطاع المرتبات وغياب الكتاب المدرسي والمستلزمات المنزلية، وغيرها من العوامل.

وحذرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة "اليونيسيف"، وعبر ممثلتها في اليمن ميرتشل ريلانيو، في وقت سابق من توقف أكثر من 166 ألف معلم ومعلمة في 13 محافظة عن العمل مع بداية العام الدراسي الحالي.

وقالت "يونيسف"، إن توقف رواتب المعلمين يهدد بحرمان 4.5 ملايين طفل في اليمن من الدراسة، ويعرض 13 ألف مدرسة تمثل حوالي 78 % من إجمالي المدارس في اليمن، لخطر الإغلاق.

أما المنظمة العربية للتربية والعلوم أصدرت هي الأخرى بياناً طالبت فيه بسرعة صرف رواتب المعلمين، ودعت الحكومة إلى عدم تسييس حقوق المعلمين. محذرة من توقف التعليم.

واعتبر مركز الدراسات والإعلام التربوي التوقف عن صرف مرتبات المعلمين بأنه سيكون المسمار الأخير في نظام التعليم بعد توقف ميزانيته التشغيلية ومغادرة المانحين الذين تعتمد عليهم الوزارة بشكل كبير في تمويل أنشطتها.

وأوضح الباحث ومدير الإعلام بمركز الدراسات والإعلام التربوي، طاهر الشلفي، أنه في ظل وضع الحرب الذي يشهده البلد يمر قطاع التعليم بمنعطف خطير وتهديد فعلي بتوقف العملية التعليمية تماما، في ظل غياب وتوقف صرف الاعتمادات المالية التشغيلية لكافة جوانب العملية التعليمية.

وقال الشلفي، في تصريحات صحفية، إن "ما يقارب 200 ألف معلم يمثلون 75% من إجمالي المعلمين يعيشون بلا مرتبات منذ ما يقارب العام، مما يشكل تهديدا قويا للعام الدراسي".


السفير البريطاني لدى اليمن/ سايمون شيكليف، في تعليقه على إضراب المعلمين، واستمرار انقطاع مرتبات الموظفين في البلاد لعام كامل، شدد على ضرورة صرف مرتبات الموظفين في اليمن، مؤكدا أن بقاء الموظفين بدون رواتب لعام كامل أمر لا يمكن قبوله.

وقال، في سلسلة تغريدات على حسابة في "تويتر"، أن "إضراب المعلمين يؤثر بشكل سلبي على التعليم في اليمن". داعيا إلى "تسليط الضوء على كيفية تدهور الوضع في اليمن من سيء إلى أسوأ".


وأضاف "عام كامل بدون دفع الرواتب لأي عامل هو أمر غير معقول". مشيرا إلى أن عدم دفع مرتبات الموظفين من قد سبب معاناة حقيقية في اليمن".

وحذر سايمون من استمرار انقطاع مرتبات الموظفين، مشيرا إلى أن ذلك أدى إلى ارتفاع نسبة تجنيد الأطفال في اليمن، بعد المعاناة التي تأثروا بها نتيجة انقطاع المرتبات عن أبائهم. وقال "التعليم لا ينتظر".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

وكالة أرصفة للأنباءجميع الحقوق محفوظة 2016