اخر الاخبار

(النصف إنسان) في بني غازي مديرية الشماليين.. تعز



عوض الحمادي*
____________________




لم تكن قصة الجثث التي تخرج من مقبرة الكُديرةِ هي القصة الغريبة الوحيدة التي أثارت الذعر في قرية بني غازي. فقد كانت هناك قصص وحوادث أخرى اشتهرت في القرية, وطار سيطها إلى القرى المجاورة, حتى صار يُطلق على قرية بني غازي (قرية الرعب والغرائب).

من القصص الغريبة بل المرعبة التي شهدتها بني غازي, قصة الشخص ذي العين الواحدة (النصف إنسان) الذي ظهر في (وادي المَدَد) الوادي الممتد بين قريتي بني غازي والصَّيْرَة.

بدأت هذه القصة بالرواج, حين زعمَ بعضُ الأهالي بأنهم شاهدوا شخصا له عين واحدة ويد واحدة وقدم واحدة, يظهر بين فترة وأخرى ليعترض بعض الأشخاص الذين يمرون من (وادي المَدَد).

ولكن لم يعرف أحدٌ في القرية متى كان الظهور الأول له. الشيء الذي يتذكرونه أنهم سمعوا قصصا يُقالُ بأنها حدثت في فترة التسعينات من القرن العشرين, أحداث تلك القصص مشابهة, إلى حدٍّ كبير, لما حدث في القرية في السنوات الخمس الأخيرة. 

فالظهور الموثق للشخص (نصف الإنسان) يعود إلى ما قبل خمسة أعوام. كان ذلك بالقرب من مشروع المياه في (وادي المَدَد). روى تلك الحادثة ثلاثة رجال كانوا يقومون بزيارة تفقدية للبئر الواقع في الوادي. فقد زعموا بأنهم شاهدوا رجلا يسند ظهره إلى مبنى البئر, وحين اقتربوا منه, وبدأت ملامحه تتميز لهم بدأ يقفز برجله الواحدة بخفة وسرعة واختفى خلف أشجار الصبار البعيدة.

شعروا بالذعر حينها, ولم يصلوا إلى البئر, بل عادوا لإخبار أهالي القرية بما شاهدوه, وطلبوا من الأهالي أن يرافقوهم إلى البئر, ووصفوا الشخص الذي شاهدوه بأنه نصف إنسان, له يدٌ وحدة وقدمٌ واحدة.

تحرك بعض أهالي القرية برفقة الرجال الثلاثة إلى (وادي المَدَد), كان الوقت ظهرا, وشمس تموز الحارة تجلد الظهور بأشعتها. 

حين وصلوا إلى الوادي, كان المكان هادئا, والوضع طبيعيًا, فالنساء في الحقول المجاورة يعملنَ بجدٍّ ونشاط, وبعضهن يسقن الأغنام أمامهن ويحملن على رؤوسهن بعض العلف في طريق عودتهن إلى البيوت. حين وصلوا إلى البئر, فتحوا باب المبنى الذي توجد فيه مضخة المياه, فوجدوا الوضعَ طبيعيًا.

عندها تحدث أحدهم بأن ما شاهده الرجال الثلاثة قد يكونُ خيالا وتوجسا في نفوسهم, وبأن الحادثة التي وقعت في البئر قبل أيام قد تركت أثرها في أذهان الكثيرين, فعاشوا في توجس دائم. وعلَّلَ أخرون, بأن ما شاهدوه قد يكون لصاً كان مختبئا قرب البئر وحين راءهم خاف منهم وهرب من أمامهم.

عاد الأهالي إلى القرية, وكان الراجح عندهم بأن تأثير الحادثة التي وقعت قبل أيام ما زالت تعشعش في مخيلة الكثيرين, وليسوا ملومين في ذلك, فقد كانت الحادثة فظيعة ومرعبة.

فقبل أيام, حين كان أحد شباب القرية يسلك طريق المَدَد عائدا من مدينة التربة, كما روى القصة للأهالي, وبعد تجاوزه للدار السوداء المتهدمة (دار المُلَّا), لمح شخصا من بعيد يُسند ظهره إلى شجرة الصبار (الحَصْم), وحين اقترب منه رأى منظره المرعب, نصف إنسان, له عين واحدة في جبهته, ويد واحدة , وقدم واحدة, شعر حينها برعب شديد, وحين حاول تجاوزه بسرعة سمع صوتا يقول له:
"لا تستعجل .. ستعود إليَّ, سأنتظرك الساعة العاشرة ليلا أمام مشروع المياه, ولا تخبر أحدا".

ركض الشاب إلى القرية, وبدأ يتكلم بما رأى, وبما قاله ذلك الشخص. لكن هذه الحكاية لم يصدقها أحد في القرية, إلا عجوز كانت تحكي قصة مشابهة تحصل معها منذ أعوام, حسب روايتها, فقد كانت تحكي بأنها في كل زيارة لها لأرضها في وادي المَدَد, كانت تشاهد شخصا له ملامح نصف إنسان, أبيض اللون, ذو عين واحدة في جبهته, وأنف بارزة وفم واسع ذو شفاهٍ غليظة, وله قدم واحدة ويد واحدة, كان يسند ظهره إلى شجرة الصبار وينظر إليها, ولم تراه جالسًا أبدا, وكانت حين تَهِمُّ بالعودة إلى بيتها يقترب منها ويساعدها برفع العلف إلى رأسها.

كانت تظن, بأن الله سخره لها, ليساعدها في رفع العلف, ولكن قصتها هذه لم يصدقها أحد, ووصفوا المرأة العجوز بأنها مصابة بالخرف والجنون.

أُصيب الشابُ بإحباطٍ شديد حين لم يجد من يصدقه, فخرج من بيته واختفى عن الأنظار, ولم يعثر عليه أحد.

فتشوا عنه في كل مكان يمكن أن يذهب إليه فلم يجدوه, حتى أصابهم اليأس ونسوه, ونسوا القصة التي كان يرددها. وذات نهار من شهر أيار, حين كان بعض الرجال يقومون بزيارة تفقدية إلى البئر في (وادي المَدَد), حاولوا فتح باب المبنى الذي يوجد فيه البئر, فشعروا بقوة عجيبة تدفع الباب من الداخل وتمنعهم من فتح الباب, وبعد محاولات منهم وجهد شديد, فُتح الباب بقوة وشعروا بريح شديدة ذات رائحة كريهة تصطدم بوجوههم فسقطوا على الأرض, وسمعوا كأن شيئا في الداخل يقع على الأرض. وحين استرقوا النظر إلى الداخل رأوا شخصا معلقا بحبل في سقف المبنى فهالهم المنظر وتركوا كل شيء وركضوا إلى القرية خائفين.

حين عادوا إلى أمام البئر, برفقة أهالي القرية, كان الباب مفتوحا, ووجدوا شخصا معلقا على سقف المبنى, كان منظرا فظيعا, عينان شاخصتان مُرعبتان, وفم مفتوح ولسان تتدلى منه. وعرفوا بأن الشخص هو الشاب الذي اختفى من القرية منذ أيام.

ظلت القرية في حيرة وخوف, وبقي الناس يتساءلون, كيف حصل ذلك؟ ومن الفاعل؟, وكيف وصل الشاب إلى داخل البئر رغم إغلاقه المحكم؟.

***                         ***

تلك القصة الغامضة والغريبة, جعلت الناس يعيشون في رعب وخوف, وبدأوا يبحثون عن ملابساتها, وكيف حدثت؟ ومن المتسبب بها؟. وتناقل الناس حكاية الشاب التي رواها يوم اختفائه. ورغم تعاطفهم مع الشاب إلا أنهم لم يُصدِّقُوا قصته التي ذكرها عن الشخص ذي العين الواحدة. بل زعموا بأن الجنَّ قد سكنوا البئر منذ زمن, بسبب إهماله من قِبل الأهالي, ولا يستبعدون أن يكون من قام بالجريمة جنِّيٌ أو شيطان.

غير أن الأحداث التي تكررت في القرية, جعلت الناس يبدأون بتصديق قصة (النصف إنسان). وبذأت القصة تأخذ زخمها من التداول والتحليل وإضافة الكثير من التفاصيل. وبدأ الكثير من الناس يزعمون بأنهم رأوا هذا الكائن الغريب. فزعم البعض بأنهم رأوا شخصا له ملامح نصف إنسان بالقرب من (بئر القُدَيْح), وزعمَ آخرون بأنهم رأوه أمام خزان المياه في جبل صبران. لكن الأغلب كانوا يؤكدون بأنهم شاهدوه في (وادي المَدَد) يسند ظهره إلى البئر. 

ولكن هذه القصص, في نظر الكثيرين, لا تعدوا أن تكون من تأليف بعض الناس لإثارة الأهالي, ونشر الرعب بينهم, فزعموا أنهم يرونه في كل مكان في القرية صباحا ومساء. 

كانت قصصهم تلك للاستهلاك اليومي في مجالس القات, ولإثراء النقاشات حول النصف إنسان المزعوم. ومع ذلك, فقد تركت تلك القصص أثرها بين الناس, فكانوا يستمعون باهتمام شديد لكل شخص يزعم أنه رأى ذلك المخلوق الغريب.

وبين ذلك الكم الهائل من القصص المُختلقة, كانت القصة الأكيدة والموثقة, هي تلك التي شهد تفاصيلها الكثير من أهالي القرية. وقعت تلك الحادثة بعد أشهر من قصة الشاب الذي وُجد مقتولا ومعلقا في سقف مبنى البئر في (وادي المَدَد).

في تلك الأيام, روى أحد الشباب بأنه حين كان عائدا من مدينة التربة, وبعد تجاوزه لـ (دار المُلَّا) رأى شخصا يُسند ظهره إلى شجرة صبار, وحين اقترب منه, وبدأ يُميز ملامحه, تبين له أنه الشخص الذي يتكلم عنه أهالي القرية, فقد كان ذو عين واحدة ويد واحدة لها مخالب تشبه مخالب الكلاب, وقدم واحدة. كان شكله مقززا ومُنَفِّرًا فأثار في نفسه الرعب والخوف, ولم يدرِ ماذا يفعل؟ هل يركض, أم يستمر بالسير مع زيادة في السرعة؟ أم يعود للخلف ويركض؟, ولكنه حسم أمرهُ بأن يمشي في نفس الاتجاه مع زيادة في السرعة. كان الوقت ظهرًا, والشمس حارقة, والريح ترمي ببعض الغبار على عينيه.

قال الشاب لأهالي القرية حين وصل إليها: " وحين هممت بتجاوزه, سمعتُ صوتا يقول لي: لا تستعجل .. ستعود إليَّ, سأنتظرك أمام مشروع المياه الساعة العاشرة ليلا, ولا تخبر أحدا". حينها التفتُ إليه, كان يفتح فمه البشع بابتسامة غامضة, عندها ركضتُ من أمامه وأنا أرتجف من الخوف.

تناقل أهالي القرية حكاية الشاب بسرعة فائقة, وانتشرت القصة في كل مكان, ورأى الأهالي بأنها الفرصة المناسبة لمعرفة القصة وحقيقتها, وكذلك لمعرفة حقيقة الشخص ذي العين الواحدة. ربما الفضول البشري, والطبيعة التطفلية عند أهالي القرية هو الذي جعلهم يتخذون قرارا حاسما بأن يتجهز شباب القرية بعصيهم وبنادقهم ويرافقوا الشاب إلى أمام البئر في (وادي المَدَد) عند الساعة العاشرة مساء. وكانوا يؤكدون, بأنهم بعملهم هذا سيحسمون هذه القصة التي ظلت ترعب القرية لأيام وليال طويلة, والتي استغلها البعض لإخافة الناس وسرقتهم. 

في ذلك المساء, كانوا متأهبين ومتحمسين لمعرفة الحقيقة, فإن كان ذو العين الواحدة موجودًا, فهي فرصتهم للقضاء عليه, وإن كان كذبة وخرافة, فهي أيضا فرصة لإنهاء الجدل ووضع حدٍّ لتلك الحكايات المرعبة التي يتداولها الناس.

عند الساعة التاسعة مساء, كانت القرية على أهبة الاستعداد للمعركة الفاصلة بينهم وبين النصف إنسان المزعوم.

صعدت النساء إلى سطوح المنازل, وحمل الشباب فوانيسهم وكشافات الضوء وهبطوا إلى الوادي, وتوزعوا في أماكنَ متفرقة. منهم من يحمل العصي ومنهم من يحمل البنادق ومنهم من يحمل الفوانيس وكشافات الضوء.

كان الشاب الذي روى القصة يقف بين مجموعة من الشباب بالقرب من مشروع المياه, وكانت الساعة تقترب من العاشرة, وكان الليل هادئا رغم ظلمته إلا من أضواء الفوانيس وما يصل إليهم من أضواء النجوم البعيدة.

عند تمام العاشرة, شعر الشباب بحركة خفيفة وسريعة مرت من أمامهم, ثم سمعوا صوتا تبعه صدىً مخيف" قلت لك أن تأتي لوحدك ولا تخبر أحدا". بعدها بدأت شجرة السدر القريبة من البئر تتحرك بقوة, وبدأت الريح تشتد فانطفأت بعض الفوانيس, وعمَّ الرعبُ المكانَ, وبدأ الناس يركضون في اتجاهات مختلفة. وقام البعض بإطلاق الرصاص في الجو, فتعالت أصوات النساء من أسطح المنازل حين سمعن أصوات الرصاص. ثم  هدأت الريح تدريجيًا, وبدأ الناس يعودون إلى أمام البئر. 

زعم البعض بأنهم رأوا شخصا يقفز بسرعة من أمامهم بقدم واحدة ويختفي في الظلام. وزعم آخرون بأنهم شاهدوا طائرا كبيرا يمرُّ بسرعةٍ فوق رؤوسهم فأثار تلك الريح القوي. عندها ارتفعت أصوات الناس, وبدأ كل شخص يشرح لرفيقه ما رأى.

في تلك الأثناء, كان الشباب الذي أحاطوا بالشاب المستهدف من الكائن الغريب, يحاولون إنهاضه من الأرض, ليتبين لهم بأن الدماء تسيل من عنقه, وعلموا لاحقا بأن حنجرته قد انتزعت من مكانها, ولم يجدوا لها أثرا.

***             ***              ***

كانت تلك الليلة مأساوية وحزينة بشكل لا يُوصف, فقد سقط أمام أهالي القرية الشابُ الذي استنجد بهم, واحتمى من النصف إنسان المخيف. عندها تبين للأهالي بأنهم عاجزون عن حماية القرية, بل عاجزون عن حماية أنفسهم.

ظلت هذه القصةُ حديثَ رعبٍ في القرية, وظل هذا الشخص ذو الملامح الغريبة لغزا يحير القرية والقرى المجاورة. وزعموا بأنه شيطانٌ جاء ليفسد حياة الناس في القرية برفقة معاونيه من الجن, وعللوا ذلك باشتداد الريح يوم الحادثة, وخفة حركتهم. 

بعد الحادثة, كان القرار أن يجتمع الحكماء والعقلاء ورجال الدين من أهالي القرية ومن القرى المجاورة لتدارس هذه المشكلة ومعالجتها, ووضعِ حدٍّ للتكهنات التي تعصف بالناس, وأيضا لإنهاء الرعب الذي يحيط بالقرية والقرى المجاورة. 
لم يستطع حكماء القرية ولا عقلاؤها تفسير ما يحدث, فتصدر رجال الدين المشهد, وسارعوا إلى إبداء رأيهم بالأحداث, وزعموا بأن هذا الشخص (النصف إنسان) موجود في الواقع وحقيقة لا مِراءَ فيها, فقد قرأوا في كتب الآثار والتراث, بأن في أخر الزمان وقبل ظهور المسيخ الدجال سيظهر في أماكن متفرقة من العالم أشخاصٌ لهم صفات نصف إنسان, وبأن ظهورهم في الأرض من العلامات الكبرى لظهور الأعور الدجال.

وقد تصدَّر المشهدَ أحدُ رجال الدين, الذي كان يقرأ لهم من كتاب أوراقه من الجلد, كانت الأحرفُ بالعربية, ولكن الكلمات ليست عربية, كان يقرأ منه ويطمئن الناس بأن ظهور هذه المخلوقات نعمة من الله قبل ظهور الدجال حتى لا ينصدم الناس فجأة بالدجال, وكان يدعوهم إلى العودة إلى الله قبل فوات الأوان.

كان العقلاء يستمعون بصمت, ولم يستطيعوا نقض كلام رجل الدين أو معارضته, لأنهم لا يملكون تفسيرا واضحا لما يحدث في القرية, فانتشر كلامه بين الناس, ولكنه لم يخفف عنهم بل زادهم فزعا ورعبا.

***                ***

غرقت القرية في حزن شديد لعدة أيام بعد حادثة الشاب الذي اُنتزعت حنجرته وهو بقربهم, وتم التنبيه على أهالي القرية والقرى المجاورة بعدم المرور من (وادي المَدَد) حتى يتم معرفة تفاصيل ما يحدث في الوادي.

 ولكن رجل الدين طمأنهم, 
وزعم بأن لديه أدعية سيقرؤها في الوادي, وسيرحل الشخص (النصف إنسان) منه, وإن لم يرحل, فلن يؤذي أحدا بعد اليوم. وبدأ الأهالي يغدقون عليه بالهدايا ويكرمونه, ويتمنون له التوفيق, فكان يقضي نهاره من الصباح إلى المساء في (وادي المَدَد) برفقة كتابه وسجادته, ويعود إلى بيته عند غروب الشمس, ولكن لم تمضِ أيام قليلة عليه حتى اختفى من القرية, وبعد طول بحث عنه, عثروا عليه معلقًا في سقف البئر بصورة مُفزعة, كان شاخص العينين, مفتوحَ الفم ولسانه تتدلى.

ارتعب الناس بصورة شديدة, ولم يستحملوا ما شاهدوه, فبدأوا يتنادون إلى هدم البئر الذي سكنته الجن بسبب الإهمال, حسب زعمهم. كما اشتد تحذيرهم للناس بعدم المرور من (وادي المَدَد), خصوصا أنه وبعد يومين من مقتل رجل الدين روات إحدى الفتيات بأنها شاهدت شخصًا له ملامح نصف إنسان حين كانت عائدة من الكلية, فبعد أن تجاوزت (دار المُلَّا) رأت شخصا يسند ظهره إلى شجرة الصبار, وشعرت بخوف شديد, وحاولت العودة للخلف, لكنها سمعت صوتا يقول لها: "لا تخافي .. أنتِ في أمان, واصلي سيركِ". فاستمرت بالمشي وهي ترتعش من الخوف, وحين اقتربت منه عرفت بأنه الشخص الذي يتكلم عنه الناس, فسقطت على الأرض, ولم تُفِقْ إلا بصب الماء على رأسها من امرأة كانت تمر برفقة ابنتها عائدة من أحد الحقول المجاورة. حينها نهضت الفتاة مذعورة وهي تتلفت يمينا وشمالا, وزعمت بأنها رأت شخصا له ملامح نصف إنسان, له عين واحدة, ويد مخيفة لها مخالب تشبه مخالب الكلاب, وقدم تشبه أقدام الحمير.

بعد تلك الحوادث, ظلت طريقُ وادي المدد مهجورةً لا يمر منها أحد, وبدأ الناس يصدقون قصة الشخص ذو العين الواحدة.

***                ***

في زيارتي الأخيرة للقرية, سمعتُ الكثير من التحذيرات بعدم المرور بالقرب من (دار المُلَّا) باتجاه (وادي المَدَد), وكان التنبيه الأشد الذي يردده الجميع هو: "لا تسيروا منفردين في طريق المدد, فالشخص ذو العين الواحدة سيظهر لكم".

ولكن في نهار مشؤوم من أيام تموز, كان الوقت ظهرا, وكانت الشمس حارقة, حين قررت بنفسي أن أثبت بطلان هذه الخرافة, وبأن هذه القصة لا أصل لها, بل هي في الأغلب من صنع بعض المستغلين في القرية لإخافة الناس, وبث الرعب بينهم.

في ذلك النهار, كنت قد تجاوزت (دار المُلَّا) باتجاه (وادي المَدَد) حين بدأت ألمح شخصا يُسندُ ظهره إلى شجرة الصبار, بدأت أرتجف وأشعر بالخوف, وبدأت أتأكد بأن ما يقوله الناس حقيقة وليس خيالاً, ولكن كان عليَّ أن أواصل المسير لأثبت خرافة تلك القصة, فاستمريت بالمشي وأصوات صفيرٍ وصرير تشتد من بين الأشجار وحين اقتربت من الشخص بدأت ملامحه تتبين لي, له عين واحدة في جبهته وأنف بارزة وفم واسع ومخيف, ويد واحدة لها مخالب تشبه مخالب الكلاب, وقدم واحدة.

حين هممت بتجاوزه قال لي: "لا تستعجل .. ستعودُ إليَّ, سأنتظرك أمام مشروع المياه الساعة العاشرة ليلا, ولا تخبر أحدا".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

وكالة أرصفة للأنباءجميع الحقوق محفوظة 2016