اخر الاخبار

كوميديتي في الملكوت



جمال حسن
________&


بعد رحلة غريبة صعدت من خلالها السماء، وجدت نفسي بجانب بوابة الجحيم. 
لم تكن هناك عربات او خيول مجنحة، ولا حتى صواريخ فضائية. جلست في قمرة زرقاء وجدتها في سقف العمارة حيث اعيش منذ سنوات، بالقرب من حي الاصبحي بصنعاء، تحديدا ما بين شارع المقالح وشارع الخمسين. دفعت درفة القمرة شبه الاسطوانية بمربعيها الزجاجيين، وجلست على المقعد الجلدي بلون الحنا المائل للاحمر، والشبيه بمقاعد الطائرات النفاثة، ثم ثبت حزام الامان المتصالب على صدري. لم يكن هناك اشياء لافتة، عدا مقبض ينزل من سقف القمرة اعلى رأسي سحبته، فجأة اغلق الباب تلقائيا، عدا طرقة انغلاقه، لم تحدث اصوات. ذهلت وربما فقدت وعيي لبعض الوقت، ثمة وميض متلألأ بقى على زجاجتي الدرفة. ووجدت نفسي امام بوابة فخمة.
اين انا، سألت نفسي، بدا رجل مهيب وطويل يرتدي عباءة حمراء بزخارف ذهبية، وهو يقول مرحبا بك في الشق الايسر من الملكوت، عند مدخل الجحيم.
تملكني الذعر. 
كان هو الحارس مالك، وازال صوته صمت الذعر: متى ستصلي يا جمال.
انا: في الحياة الاخرى.
الحارس مالك: في الجحيم.
انا: اذا في مكيف.
مالك (شخر غاضبا): هناك ستصليك سقر.
انا (مندهشا): لماذا.
مالك: لماذا؟! (وزمجر ساخطا) هذا لانك لم تصل ابدا الا في اوقات اضطررت لها.
انا(بتلقائية المستعجب): بالله عليك.
تنبهت تلك اللحظة ان ملاك الجحيم لم يكن لديه يدان او قدمين، او كان سيضربني حتى يشقني نصفين، ذلك ما اوحى به غضبه.
كان جسده يسبح في الهواء على مسافة قريبة من الارض التي يغطيها طرف ثوبه المغلف بالعباءة. 
زفر دخان من منخريه واذانه واحمرت عيناه السوداوان، حتى جعلته يبدو قبيحا. انذاك تصاعد وقع حوافر خيل، التفت وظهر فارس يمسك درعه، ومقبض سيفه، راس رمح، وقوس وسهام ثابتة خلف راسه محزومة الى ظهره. اعتقدت انه سوف يتوقف ليؤذن له بالدخول.
كان فارس بشعر اشقر طويل يتلوى عند كتفيه، عيناه زرقاوان عليه رداء محارب رمادي. كانت بوابة الجحيم مفتوحة، لكن الفارس لم يتوقف او يبطئ فرسه الابيض ذو الفروة الذهبية، بل استمر ليعبر البوابة، دون ان ينظر لي او يكلف نفسه بالنظر الى مالك حارس الجحيم، والذي انتبه فجأة وقال اهلا اخيل.
لكن الفارس الاغريقي شديد التكبر لم يعلق، فجأة سمعت اصوات تصفيق في الداخل.
ولاحظت على مالك ذو اللحية السوداء والانف كرأس حربة، بعض الارتباك.
قال؛ هؤلاء الذين اختلق نصفهم البشر يصبحون اشد اعتداد وعدوانية.
انا: هذا يعني ان الالياذة قالت اشياء حقيقية.
التفت نحوي ومازالت الحيرة تشكل وجهه لتجعله شديد الالفة، بل اقرب لان يكون مثيرا للشفقة (جرحه ذلك التصرف الارعن لبطل حرب طروادة) لكن ما ان رآني حتى انقلب الى غضب. وتساءلت ان كان التنمر جزء من طبيعة الوجود، وليست منحصرة بنا البشريين وانماط الحياة البرية من القوي الى الاضعف.
"ليس مسموحا لك ان تتحدث،" قال ثم اومئ بطرف كمه "اذهب لانه من غير المسموح لامثالك الوجود هنا."
شعرت بالفرح وظهر رجل يتبعه اثنان رافعا رمحيهما بصورة مائلة وكان الشخص شديد الاهمية اصلع يمسك بذراعه المائلة على جنبه خوذة رومانية وهز راسه متحدثا بلغة بدت لاتينية، عرفت ايقاعها فقط. ادركت انه يوليوس قيصر من هيئة تمثاله، وسمعت اصوات طبول وتساقطت اوراق الغار، كما لو ترحب به.
وتحركت اسارير مالك وهو يجيبه بفرح بنفس لغته. ربما حسدته لانه يعرف الكثير من اللغات. لكن المسكين يقابل كثيرين يعاملوه بغطرسة اخيل. وربما يزيد البعض بسخريته. 
عاد نحوي مستعيدا زمجرته، كما لو يقول؛ اما زلت هنا. كنت حائرا، بما يحدث. واردت سؤاله هل انا حقا عند باب الجحيم، ثم رأيت العمدان الذهبية للبوابة الضخمة، والزخارف بمزيج من الباروك والفن البابلي، تماثيل نساء عاريات في العقود ثم رأس البوابة المثلث على طريقة معابد اثينا. تعجبت من تلك الابهة لبوابة الجحيم المطعمة بالاحجار الكريمة، الماس والياقوت، الزبرجد واللؤلؤ واليشب. تساءلت كيف ستكون اذن ابواب الجنة.
عدت ادراجي وبدا لي منظر حشود، وكان يتقدم ناس. مر بجانبي عربي متشامخ، كان بلحية مرتبة وعباءة سوداء وانف مقوس بدرجة انيقة. اشار لي بحركة خفيفة من رأسه، سلمت عليه.
"من انت" صحت.
"لا تسأل هنا احدا عن اسمه،" قال دون ان يلتفت، بينما يسير فرسه ببطء، "لا بد انك سمعت الكثير عني كنت اكسي الكعبة عام، وتكسيها قريش عام، مع هذا يأخذوني الى الجحيم."
يالهذا، ليس فقط اصحاب الجنة يعود لهم شبابهم، بل اصحاب النار ايضا.
مر رجل اعمى يعزف صبي بجانبه على قيثارة، بينما يقول العجوز اشعارا. الشعراء عاثري الحظ حتى هنا بائسون، ربما في الجنة يكون حظهم افضل. الست هوميروس، سالته. توقف لكنه قال بلغته مرددا اسمه، ويضرب بعصاه على الارض، ثم استمر يردد الشعر على صوت القيثارة محركا يده في الهواء.
وعندما بلغت الحشد، كانت مجموعة تشقه تتقدمها وصيفات بينما يحمل ستة عبيد مقعد ذهبي تجلس عليه بهيئة اسطورية امرأة شديدة الجمال تضع تاجا على راسها وترتدي الحلي، وزي يوناني من الحرير بلون القشدة، مرصع بزمردة عند الصدر، واسفله يواقيت واحجار كريمة.
لكني شعرت بالانقباض حين لاحظت ثعبان يتلوى على ذراعها.
"هل تكون تلك، ملكة مصر كيلوباترا؟" سألت الذي بجانبي دون الالتفات اليه. 
"هنا لا تهتم بامر احد، كما لن يهتم شخص لامرك." رد بصوت اجش. ولاحظت ان له وجه ارنبي، يرتدي ثوب حريري بخطوط عريضة سوداء وذهبية، عاش بعد كيلوباترا بازيد من الف عام، وكان صائغ وجواهرجي في عهد احمد بن طولون.
ثم اضاف: اذهب هناك لوحة هائلة شفافة يظهر عليها الادوار. في الواقع كانت لوحة افتراضية على الهواء.
وعندما دخلت كيلوباترا ابواب الجحيم، صدحت اصوات موسيقى نحاسية.
اخبرته انني اريد دخول الجحيم مثل المعري ودانتي، ولا يبدو انه سمع عنهما. لكنه قال انني احتاج لاذن. كنا نسير وسط الحشود دون ان يهتم بنا احد منهم.
لكني رأيت فجأة محاربين مغوليين وهما يمسكان سلاحيهما القصيرين، ويتحدثان بضغط على الحروف ويتلفتان هنا وهناك.
اخبرني ذو الوجه الارنبي؛ انهما ينتظران مجيء جنكيز خان، حيث يستطيعان معه الدخول، لقد كانا محاربان في جيوشه واحتلا معه جزء كبير من العالم.
بدأت اشعر انني وسط كوميديا، ثم عدت اتساءل ما ان كنت احلم، وهذا امر جيد لانني لم احلم منذ سنوات. لكن كل شيء كان شديد الوضوح. هل حقيقي ما اعيشه؟ يبدو اني وسط كوميديا حقيقية، لا مثيل لها في مخيلة أو واقع..
من حائط الكاتب بالفيس بوك

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

وكالة أرصفة للأنباءجميع الحقوق محفوظة 2016