اخر الاخبار

ليلى


جمال حسن*
__________&


كانت ليلى تجلس معظم الوقت في المنزل، عدا تلك الجولات الصغيرة بصحبة ابيها. وهي لا تعرف كيف تعبر عن مشاعرها بشكل دقيق، ليس فقط لأنها طفلة، كانت هناك بعض المفردات التي انقرضت مثل؛ ملل. فمشرعي المدينة غريبي الاطوار اعلنوا منذ زمن حرباً على اللغة؛ طمسوا مفردات كثيرة. قسروا مواطنيهم على نسيانها بالعنف والتهديد، قاموا بمحوها من الكتب والمعاجم، هذا إن كانت هناك معاجم، أو فيما تبقى من الكتب المكرسة للغباء، وكانت الصحف تقتصر على الرخيص من الكلام، الاذاعات وقنوات التلفاز تروج لفكرة وحيدة.
بالنسبة لاولئك المشرعين؛ لعبت الكلمات دوراً في تحوير الواقع، ربما اثارت الفكرة اعجاب البعض تدفعهم غايات سامية؛ خلق عالم من السعادة والفضيلة. غير انه عالماً اقتصر على اللغة؛ تجريد خطابي.
ولأن هناك مفردات ذات اثر سلبي، رأوا اجتثاثها، بينما كانت رموزاً لمشاعر تحدث. انقرضت كلمات كثيرة بعد عقود من عدم الاستخدام.
من وجهة نظرهم، كان الملل وهماًـ ليس فقط تكذيباً لتشريعات السعادة، بل سيلوث فضيلة الرضا الأعلى سمواً، وربما تدفع اسوأ الافكار المحمومة بالشهوات والرذائل. اعتقدوا انهم سيجنبون شعبهم ذلك الوهم، عبر ازالة مفرداته؛ كل مرادفاته مثل ضجر، حتى ذات التعبير العامي: قرف، ضبح.
بحسب شرائعهم، على الناس ان يكونوا سعداء في مدينة الفضيلة، ولا يمكن ذلك دون الاحساس بالرضا. حتى إن جاع الشعب، ليس هناك من يموت جوعاً، بل القدر يرمي شباكه. وفي بلاغات قلما تكون شعرية، يتجرع الشعب العذاب بسبب ذنوبه. وكان على المدينة ان تبقى سعيدة رغم انفها.
مقطع من رواية "الوحش الظريف"
سأحاول نشرها هذا العام أو القادم إن توفقت.
* من حائطه بالفيس بوك

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

وكالة أرصفة للأنباءجميع الحقوق محفوظة 2016