اخر الاخبار

قطار التاسعة صباحا



قصة قصيرة/ جمال حيدره 
___________________&

القاهرة- ٥-٣-٢٠١٧م
______________&

أصبح يعتمد على صوت القطار في صحوه الصباحي لقربه من سكة الحديد فعند التاسعة يكون القطار قد دهس آخر لحظات نومه وبمجرد أن يكتمل ضجيج مجنزراته في أذنيه  يكون قد فز  واستيقظ.. يستيقظ من نومه ويهرول نحو النافذة ليرى آخر عربة في القطار قبل أن تختفي في المنحدر.

عدد من القطارات مرت منذ الفجر غير أنه لم يستيقظ ولم يصل إلى مسمعه نفير ذلك القطار الشبيه بأصوات الفيلة؛ فلماذا لا يستجيب لكل ذلك إلا عند الساعة التاسعة تماما ولماذا يقفز من سريره إلى النافذة ليرى مؤخرة القطار قبل أن ينحدر ويختفي..؟

سؤالان يسرح بهما كل صباح وهو يسرح شعره أمام مرآة صغيرة في بيت الراحة..يحاول أن يفهم سر تلك العادة والرابط بينها وبين القطار فلا يرى ثمة رابط أو علاقة.. يحاول أن ينبشَ ذكرياته مع القطارات؛ يعصر ذاكرته عصرا وعيناه مقلوبتان إلى سقف المكان ويظل هكذا محافظا على اتزان رموشه، فالرمشة الواحدة تفصل (انترنت) ذاكرته فيتوقف تحميل صوره مع القطارات.

في ذلك الصباح كان اصراره على أن يفهم السبب غير مسبوق حتى أنه رفض مغادرة البيت وأعطى لنفسه إجازة في يوم دوام ودراسة، هو فقط يريد أن يدرس حالته ويفك شفرات علاقة سمعه وبصره مع القطار ويفهم لماذا يتواعدان عند التاسعة من كل صباح.  

يقترب من الطاولة الكبيرة في قلب الصالة ويلتقط  آخر ثلاث تمرات في علبة بلاستيكية ويتبعهم بكوب قهوة غير جيد التحضير.

الشيشة ما تزال مهندمة منذ الليل وتقف بين باب الصالة والبالكون؛ وكأنها على موعدا غرامي وتنتظره بفارغ صبر؛ هو كان قد جهزها في وقت متأخر من الليل لكي يعبئ رئتيه ما تسير من دخان يساعده على النوم لكن خذلته حينها أعواد الكبريت ولم يجدها في مكانها المخصص بالمطبخ فصرف نظر عن ذلك متحاملا على صديقه الذي يسكن معه ومحملا إياه المسؤولية؛ فصديقه دائما عشوائي ولا يحب أن يكون لكل شيء مكانه المخصص.

اطل برأسه من البلكون ونادى محمد ابن حارس العمارة لكي يسعفه بأعواد كبريت، وأشعل بعد ذلك الفحم إلى أن تجمر وأصبح جاهزا للشيشة؛ ذاكرته متجمرة أيضا من فرط التفكير ومحاولته لفهم العلاقة بين سمعه وبصره وبين قطار التاسعة صباحا. 

يقبل مبسم الشيشة فتتداخل رائحة معجون الأسنان بنكهة اللبان والبطيخ وتنطلق في سماء النشوة على شكل دخان .. يتذكر ويتذكر ويتذكر فيتوغل ويقفز الى ذكريات وصور من دفتر الطفولة، وهو لا يريد ذلك لكنه مجبر أن يمر عليها لعله يجد صورة تجمعه بقطار. 

فتش آلاف الصور ولم يجد سوى صورة واحدة قد تكون ذات علاقة بما يبحث عنه أو يريد أن يفهمه... الصورة في محطة القطار تجمعه بحبيبته وتلك كانت أول رحلة لهما على متن قطار وكانت الساعة التاسعة صباحا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

وكالة أرصفة للأنباءجميع الحقوق محفوظة 2016