اخر الاخبار

هل يدخر لي القدر مفاجأة فأجد ابنتي ما زالت حية.. لا موعد مع الدهشة والفرح..!!


تقرير/ نبيل الشرعبي
ذات ليل صحى على ركام المنزل يتساقط عليه وأطفاله.. بحث بين الانقاض فلم يجد غير طفلين أما الثالث وهو أنثى فلم يجد لها أثر.. ولم يستطع الوصول إلى حيث غطاها الركام..

إنسل بطفليه وزوجته بعيدا عن المنزل.. ترك أسرته في مكان بعيد وحاول العودة للبحث عن ابنته غدير البالغة من العمر 11عاما لكن المسلحين منعوه.
وبعد مرور عدة أشهر لم يستوعب بعد أن ابنته قد تكون لقيت حتف موجع تحت الانقاض.. يتسأل: هل يدخر لي القدر مفاجأة وأعود فأجد ابنتي ما زالت حية..
لكن لا موعد مع الدهشة والفرح.. فقد عثر عليها بين الانقاض اشلاء متناثرة.. يردد: ابنتي لم تحمل سلاح ولم تشارك في قتال.. كان كل ما تحلم به أن تواصل دراستها وتصبح معلمة حبا لمعلمتها.. ينكسر وهو يرتعد وينزف.. يتمتم إ ب ن ت ي.
فيما الطفل(يونس) من أصل يمني وتتخذ أسرته من العاصمة اليمنية~ صنعاء~ مقرا لسكنها .. قد يكون أكثر حظا في معيار التعامل مع الأطفال في اليمن..
لكن في التشريعات والبروتوكولات العالمية, يصنف ذلك انتهاك صارخ للطفولة وحقوقها المسيجة بتشريعات وقوانين يجمع عليها العالم, والمتسبب في العرف هذا منتهك ويجب أن يخضع للعقوبات..
لكن هذا قد يكون هذا أمر عادي في هذا البلد الذي تنهشه النزاعات والتي بلغت ذروتها منذ سبتمبر ايلول 2014, حيث سقطت العاصمة اليمنية صنعاء في أيدي الحوثيين واتباع صالح, ليتصاعد معها موجات العنف والتنكيل واشعال الحروب على امتداد الجغرافيا اليمنية.
الطفل(يونس) والذي قد يكون أكثر حظا في التوقيت الراهن لكون سكن أسرته حاليا في العاصمة صنعاء, والتي لا تعد ضمن المناطق الواقعة على خطوط النزاعات المسلحة.
لماذا قد يكون أكثر حظا... ! سؤال يبعث على الحيرة والذهول معا.. كيف ذلك وهو يبدو كما في الصورة يمارس عمل, في حين برتوكولات حماية وتشريعات حماية الأطفال تجرم السماح لهم بالعمل تحت أي مبرر..!
ببساطة الإجابة الطفل(يونس) يدرس في الصف الرابع الابتدائي في احدى مدارس العاصمة اليمنية.. يذهب بالصباح الى المدرسة وبعد الضهر يحمل كتبه والميزان الذي يبدو أمامه ويعتبره مشروعه الكبير ومصدر رزقة ورزق أسرته متجها الى احد المراكز الطبية في منطقة الصافية ويفترش منتصف الدرج يذاكر دروسه, ويكسب النقود من الميزان وينفقها على تلبية شحيح من حاجياته وشحيح أكثر من حاجيات أسرته.
عدم وقوع العاصمة اليمنية صنعاء على خطوط النزاع المسلح جعل الطفل(يونس) يمارس حياته بشكل اعتيادي.. في حين أكثر من 3ملايين طفل يمني يقعون على خطوط النزاع المسلح لا يمكنهم حتى مجرد الإطلالة برؤوسهم من بقايا المنازل وأكوام الدمار التي خلفتها الحرب.
على جغرافيا ايضا يمنية تبعد عن العاصمة صنعاء بحوالي 270كيلو متر.. محافظة تعز التي تشهد حربا طاحنة يقودها اتباع صالح والحوثيين.. الوضع مغاير كليا.. فاروق وهو أب لبضعة أبناء أكبرهم لا يتجاوز عمره 11عاما..
ذات ليل صحى على ركام المنزل يتساقط عليه وأطفاله.. بحث بين الانقاض فلم يجد غير طفلين أما الثالث وهو أنثى فلم يجد لها أثر.. ولم يستطع الوصول إلى حيث غطاها الركام..
إنسل فاروق بطفليه وزوجته بعيدا عن المنزل.. ترك أسرته في مكان بعيد وحاول العودة للبحث عن ابنته غدير البالغة من العمر 11عاما لكن المسلحين منعوه.
وبعد مرور عدة أشهر لم يستوعب فاروق بعد أن ابنته قد تكون لقيت حتف موجع تحت الانقاض.. يتسأل: هل يدخر لي القدر مفاجأة وأعود فأجد ابنتي ما زالت حية..
لكن لا موعد مع الدهشة والفرح.. فقد عثر عليها بين الانقاض اشلاء متناثرة.. يردد فاروق ابنتي لم تحمل سلاح ولم تشارك في قتال.. كان كل ما تحلم به أن تواصل دراستها وتصبح معلمة حبا لمعلمتها.. ينكسر فاروق وهو يرتعد وينزف.. يتمتم إ ب ن ت ي.
هذا الفارق بين الطفل... والطفلة غدير.. ويلخص الجزء الأوسع من واقع الطفولة في اليمن وبلا تنميق.. ومشهد ثالث يتكلس في زواياه طفل تراه كأن شيخا في مهب الموت يفتش على قارعة الطرق عن سنين عمره المتناثرة..
في ميدان السبعين بالعاصمة اليمنية صنعاء.. وبتوقيت الزمن يوم26مارس 2016 تبعثر الجمع غالبيتهم بسيارات فارهة وجيوب مكتظة بالنقود.. وبقي هو طفل يقارب عمره الاثنى عشر عاما..
قطع مسافة تقدر بحوالي 60كيلو متر سيرا على الأقدام بايعاز من عاقل حارتهم, بأن من سيحضر السبعين في التوقيت السالف الذكر سيحصل مبلغ ألفين ريال يمني..
جال بنظره في الأفق لم يعد غيره في المكان غير وحشة الفراغ.. أرخى جسده المنهك على الرصيف.. تلفت حوله فأبصر زنبيل.. أنطلق نحوه وجره خلفه ليجمع عبوات المياه المعدنية والمشروبات الغازية لبيعها والاستعانة بما سيحصل عليه لشراء وجبة الغداء..
بحسرة قال ضحكوا عليا.. قالوا سيعطونا من ألفين ريال لو حضرنا.. وخلصوا الاحتفال وتركونا... ثم ماذا بعد..? رفض زيادة نطق أي حرف ومضى يجمع العبوات الفارغة..
طفولة يشربها المدى.. والجوع يهصرها فتهوي كأوراق الخريف على الأرض وتتدحرج الصخور لتحط عليها...
الجوع مؤلم بالنسبة لنا الكبار فكيف بالأطفال.. ما أقسى أن يتلوى أطفالك أمامك جوعا وأنت عاجز عن ايجاد ولو كسرة خبز لتطفي أزيز الجوع المتوغل فيهم..
أم لثمانية أطفال.. وجدت نفسها في عداد النازحين.. تقطر بوحها وجعا يفتت الصماء من الصخور.. تقول كلما حاولت أن أسلم نفسي للنوم, أصحو مرتعدة إما على صوت إحد أطفالي يتضور جوعا, أو فزعا من صيحات الأطفال الذين يتصورون لي في غفوتي البسيطة.. يتصورون لي في أشكال هياكل عظمية لا يقوون على حركة من فتك الجوع بهم..
أمهات وأباء وإخوان بالكاد تصل أعمارهم العشرين سنة يحجمون عن تناول الطعام لفترات تتراوح ما بين 12و 24 و36ساعة وقد تمتد ل48ساعة.. لايجاد فرصة للأطفال للحصول على نزر شحيح من كسر خبز جافة أو قليل من الأرز.
أمهات وأباء أخرون وصل بهم الحال إلى إرغام أطفالهم للبحث في مخلفات القمامة عن بقايا طعام ليعيش منه الأطفال الأصغر سنا وكبار السن..
لا استطيع النوم لأيام.. عبدالقادر حميد الشرعبي.. أب لثلاثة أطفال يقول كلما نظرت إلى أطفالي تنهار قواي.. جارنا باع أحد أطفاله لمقطوع من الذرية مقابل ثمن كيس دقيق..
يا الله.. ويغرق في البكاء.. يكفكف دموعه ويجول بنظره في الأفق.. لا شيء سوى رحمتك يا الله .. يا الله لا توصلنا إلى حال نضطر فيه لقتل أطفالنا خوف عليهم من الجوع.. يا الله ...
صيحات صاعدة من أعماق أطفال يعصرهم الجوع.. ودموع ممزوجة بالرجاء وسرعة زوال العناء والعوز.. السماء مكتظة بالسحاب لكن لا مطر يروي عطش الأرض فتهتز وتخضر الأشجار..
ثمة وعلى خارطة جغرافيا العالم السياسية وطن اسمه اليمن.. لا يرد ذكره في تقارير المنظمات والهيئات الإنسانية إلا بالبلد الأكثر فقرا والأكثر فساد والأقل أمنا والأشد نزاعا و... إلخ..
تقول منظمة الصحة العالمية في أحدث تقاريرها حول هذا البلد (اليمن): إن حوالي أكثر من نصف أطفاله مؤكد اصابتهم بالتقزم نتيجة سوء التغذية.
وتضيف: حوالي سبعة ملايين طفل يمني يعانون من فقر غذائي شديد, ولم يعد بمقدور كثير من الأباء شراء مسحوق الحليب لأطفالهم الرضع.
منظمة اليونيسيف تجزم ايضا في احدث تقاريرها عن اليمن: أن الأطفال أكثر عرضة للتأثر المباشر من مخلفات الحرب والقذائف وأدخنة القنابل.
وذكر تقرير للأمم المتحدة بأن اليمن يغرق في مخلفات الحرب.. والأطفال وصغار السن هم الأكثر عرضة للمخاطر..
وصنفت الأمم المتحدة في تقريرا لها صدر حديثا اليمن بأكبر بلد على مستوى العالم تنتشر فيه مخلفات الحرب التي تهدد الحياة عامة ولكن الأطفال الأكثر عرضة للضرر.
وأن يقف الأمر عند هذا الوضع فلا بأس, لكن هناك شواهد تقود إلى فواجع جمة.. اعلانات تتوزع بشكل متفاوت هنا وهناك مضمونها فقدان طفل منذ أشهر وأخر منذ أسابيع وغيره منذ أيام و.... إلخ.. ثم لا أخبار عن عودتهم أو العثور على كثير منهم..
أباء يعيشون قلقا لا وصف له .. أبنائهم القصر الذين اختفوا يظهرون ليتصلون بهم من جبهات الحرب.. وأباء أخرين لم يصحوا إلا على سفر أبنائهم القصر للقتال..
فرق تتوزع على مساحة واسعة من اليمن مهمتها استقطاب واستدراج الأطفال وترحيلهم إلى جبهات الحرب.. في السابق كان قبول تجنيد الأطفال في مؤسسات الجيش والأمن التابعة للدولة كان قبولهم جريمة والجميع اتفق على ذلك.
منذ عام صار الأطفال يمثلون نسبة ليست بالهينة في قوام الجماعات المسلحة وفي جبهات الحرب.. اعداد الاطفال في جبهات الحرب تزداد..
أحاديث تتسرب هنا وهناك قادمة من جبهات الحرب.. أطفال يتعرضون للاستغلال الجنسي وأخرون يجبرون على اقتحام المنازل والمحلات والنهب وغيرهم يوضعون دروع بشرية..
ناشطون في مجال قضايا الطفولة يؤكدون ازدهار الاتجار بالأطفال والأعضاء البشرية لكن حدة القمع والتنكيل الممارس من قبل الحوثيين واتباع صالح تجبرهم على إلتزام الصمت..
تقرير دولي صدر قبل أشهر قليلة أفاد أن حوالي 84ألف طفل يمني استقطبتهم جماعة الحوثي واتباع صالح وتم ارسالهم إلى ساحات القتال..
حالات انتهاك جنسية وسط الأطفال في جبهات القتال في تزايد ويجري تداول أخبارها أواسط أسر وأباء وأمهات بسرية خوفا من التنكيل وتبعات الفضيحة..
فاتورة مكلفة للغاية يدفعها أطفال اليمن الأن.. منظمة أساس للتوعية والتنمية الإنسانية في أشهر سابقة حذرت من الإنهيار النفسي لدى الأطفال.
في مسح ميداني نفذته أساس ~اليمنية~ اكتشفت حصول انهيار نفسي واسع لدى شريحة الأطفال اليمنيين.. ترتب عليه رهاب نفسي وتحول نحو العدوانية والاكتئاب والانطواء والعزلة والتبول ألا إرادي وتراجع في مستويات الفهم..
تفاقم الأوضاع عاظم من حدة العاهة التي نخرت كيان الطفولة في اليمن.. أطفال اليوم هم قادة وعمال الغد فكيف سيكون ذلك الغد وهذه الشريحة من سكان اليمن التي يعول عليها إدارة المستقبل.. كيف سيتحقق ذلك وهذه الشريحة السكانية قد أضحت معاقة نفسيا وذهنيا..
فاتورة مكلفة للغاية ستتحملها اليمن جراء تدمير شريحة الأطفال ستظل اليمن تتحمل تبعاتها لمدة 20 إلى 30 سنة قادمة.. فهل تقوى اليمن على تحمل هكذا فاتورة إضافية وهي الغارقة كليا في وحل الانهيار التام على مختلف الأصعدة..?!..
......
ملاحظة الصورة للمصور الصحفي محمد عيضه...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

وكالة أرصفة للأنباءجميع الحقوق محفوظة 2016