اخر الاخبار

"نزوح حالمة""6"




قصة..... ناجي ناجي
________________&

أقبل الشتاء، فتحرر الناس من موجة الحر، ونعموا بالجو المعتدل كأفضل فصول السنة، عكر صفوه في نفسية نبيهة  إختفاء ناصر و فاروق، لم تعد تراهما في الشارع، أثار في نفسيتها القلق، فسألت خالتها عنهما، أجابت: بأنها لا تعلم شيئاً عن ناصر، أما فاروق فإنه في أمن الدولة، إنه من اليسار المتطرف، كما يقولون.
وطلبت منها عدم مناقشة الأمر مع أحد، اكتفت بذلك، لكن مقابلتها بعد أيام بناصر صدفة في شارع الهلال وهي عائدة من المدرسة، انقشعت غمة جثمت فوق صدرها طوال الفترة السابقة، فرحت لرؤيته، كادت أن تطير، شيئاً ما يشدها إلى هذا الفتى الأسمر أكثر من غيره من معاريفها السابقين( فاروق ومثني)، بادرته بالسؤال عن غيبته، قال إنه كان في وعكة صحية، شعرت أنها بالغت بإنفعالتها، وأظهرت ما ينبغي ألا يظهر من مشاعر، حتى وإن كانت مشاعر بريئة، فتراجعت إلى حصنها، فيما راح يحاول استعادتها إلى ما كانت فيه، فسألته عن فاروق، أحست أن السؤال أربكه كأنه لم يتوقع منها أن تسأله، عقد ما بين حاجبيه وزم شفتيه قائلا بهمس لا يريد أن يسمعه أحد: يقول الأمن بأنه من اليسار المتطرف.
قالت بعدم التصديق:  غير معقول..
قاطعها: عليك التسليم بصحة ما يقوله الأمن، باعتباره الجهة المخولة للحفاظ على البلاد ونظامها الفتي.
صمتت، وعيناها إلى الأرض، قالت كمن يحدث نفسه: كل مدينة يمنية، لها مرضها الخاص بها دون غيرها، ولها التعبير الخاص عن مرضها.
        ***
جاء الصيف منذراً بقرب الامتحانات فانهمكت مع نوال  في الدروس  رغم اختناق جو أماسيه، فلم تغادر المنزل إلى حديقة الجندي المجهول، أو إلى الشاطئ، مرجئة ذلك إلى ما بعد الاختبارات وفي نفس الفترة، جاء خالها في مهمة سريعة، ولم تتجرأ أن تناقش معه أمر فاروق، وفي الشارع، أثناء عودتها من المدرسة، قابلت مثنى صدفة، سألته عن فاروق، بدء في وهلته الأولى أنه لا يعرف شخصاً بهذا الاسم، أكيد إنه لم ينساه لكنه يتناساه أو يحاول أن لا يأتي على ذكره، كأنه إبليس، وحتى إبليس، فإننا لا ننساه، ونذكر اسمه مقرونا باللعنة، لكن الفتاة أصرت على تذكيره به، أجاب: أيوه.. أيوه.. ألم تعرفي؟؟.. إتضح إنه من اليسار المتطرف.
قالت: التهم في صنعاء  شوعي، يساري، قومي، وهنا.. رجعي ويساري طفولي، ويساري..
قاطعها قائلا: طبعاً لكل نظام أعدائه، والعبرة في طبيعة النظام وأهدافه.
وقال إنه لن يعود إلى الشمال، لقد كلف بمهام في عدن، وعاد الخال إلى الشمال وحيدا، هذه المرة جرت الاختبارات فتجاوزتها بنجاح وانتقلت إلى الصف الأول ثانوي، وانتقلت نوال إلى الصف الثالث الإعدادي.
إختفاء الخال
كانت الأسرة تتهيأ للخروج إلى حديقة الجندي المجهول قبل مغيب الشمس، طرق الباب، ذهبت نوال لفتح الباب بتكاسل بالغ وحين فتحت الباب صرخت مهللة بقدوم والدها، فهبت نبيهة فيما تهادت عائدة، بوجه مشرق كالشمس وحمرة خد كالشفق، وصدر تتسارع فية ظربات قلب يكاد أن يسبق خطاها، لكنها أسرته في صدرها وأبطئت في خطاها داخل غرفتها، ولم تغادرها، تاركة للغائب فرصة الهجوم عليها، وتإجلت النزهة إلى يوم آخر .
في الصباح، كالعادة، أفاقت، جهزت الإفطار والشاى، وذهبت إلى عملها، في الضحى آفاق طاهر أخذ إفطاره وذهب إلى القيادة، وقبل الظهيرة، أفاقت الفتاتان وأخذتا إفطارهما وجلستا في المنزل إتقاء الأجواء الملتهبة من أشعة الشمس الحارقة.
عادت عائدة ولم يعد طاهر، إنتظرن إلى ما بعد الظهر، ولم يعد طاهر، أقبل المساء وما بعد المساء ولم يعد طاهر، عند منتصف الليل، جاء رسول منه، إنه محتجز في أمن الدولة، وبعد يومين، عرفت الأسرة أن مثنى ايضا محتجز هناك، وبعدها، تهامس المتهامسون بأن طاهر ومثنى من اليسار الطفولي

              ***
في جوف الفتاة قلق، وفي رأسها أسئلة تدور، وهي مضطرة إلى كبتها، وعدم طرح مخاوفها وسألتها على خالتها، خاصة أن إختفاء الخال لا زال في أسبوعه الأول، أحست الفتاة أن الواقعة قد زلزلت كيان الخالة وعصرتها عصرا وهي لائذة بالصمت، تفر الدمعة من عيناها فتسارع إلى مداراتها، ومسحها، راسمة على شفتيها المرتعشة بابتسامة صفراء، تخفي خلفها المرارة والآسى وأفقدها بريقها، أما نوال فقد سارت على طريقة والدتها، والحديث معها لن يطرد مخاوفها ولن يشفى قلقها، وأحست بأنها صارت في المجهول، فأسلمت نفسها للرحى تطحنها كيفما أتفق....
يتبع الحلقة السابعة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

وكالة أرصفة للأنباءجميع الحقوق محفوظة 2016