اخر الاخبار

كل الألوان.. "لا عودة إلا بلون واحد"


عصام القدسي




من المحزن أن تغلق النافذة التي اختزلت كل الألوان اليمنية ونظرت إلى الشعب بطبقة واحدة دون تميز طوائفهم وانتماءتهم السياسية والحزبية.. فلم تكن منذ انطلاقتها تمثل سوى اليمن، بكل ألوانه و طوائفه، السعيدة، اليد التي امتدت لمصافحة البسطاء، واؤلئك الذين لا ناصر لهم، والنافذة التي من خلالها أرادوا المطالبة بحقهم في الحياة ولو بأقل تقدير، رافعةً الشعب وعياً وثقافة ومعرفة إلى أعلى المراتب.

في ضباب المشهد القاتم ورداءة العمل الاعلامي منذ قيام الوحدة حتى العام 2007م والدائره الضيقة التي كان يرزح فيها  الإعلام، جاءت السعيدة كأول قناة فضائية خاصة، لتكون منبر المواطن لا سواه، أخرجته من غياهب فضائيات الإعلام الرسمي وبث جلسات البرلمان لساعات، ونشرات الأخبار التي لاتخرج عن تلميع من يحكم البلد، بمنأى عن دورها الرقابي وخدمة الشعب، الشعب الذي مثلت له السعيدة ارضية صلبة لإستمرار بقاءه الوجودي، وإيصال ما يمكن إيصاله بالمطالبة بحقه. 

لن نبالغ بالقول بأن رائدة الإعلام اليمني - السعيدة- بعد اندلاع رياح الربيع العربي كانت وحيدة في الساحات ولن نختلف حول رؤية الانشقاق والضربة التي قسمت وسائل الإعلام اليمني بين مؤيد ومعارض، ولن نكذب إن قلنا أنها القناة من بين كل القنوات التي ظلت وفقا لامكانياتها المادية في صف الشعب والوطن.

ما يقارب عشر سنوات في خدمة الشعب والوطن، والتنقيب عن منابع الفساد، والغوص في أحداث اليمن عبر كل المحطات التاريخية والسياسية، وما وصلها إلى ذلك حيادتها وملامستها لهموم المواطن واضماد جراحه، بالاضافة إلى قربها من كل الأطراف مراعيةً لحدود مهنيتها وكل ما يمكن آن يخرجها عن مسار الإعلام الصادق.

الأمر الذي جعلها محل انتقاد بالاداء التي ظهرت به في الآونة الأخيرة، فمن هنا يمكن ان يضع كل منا نفسه أمام تساؤلات، كيف لقناة أن تصمد لمدى عشرين شهراً في العمل الميداني أمام ممارسات القمع والمطاردة وصولاً إلى الإعتقال ومصادرة بعض الأدوات، وإغلاق مكاتبها في محافظات عدة.

منذُ أن اندلعت شرارة الحرب ، وأنقسم الإعلام، وغادرت القنوات من صنعاء وأغلقت الصحف ظلت السعيدة صوت المواطن لنقل أوجاع الحرب، والمآسي، وإنتاج البرامج والمسلسلات في أشد المواقع خطورة ايفاءً لمشاهديها واخراجهم من وقائع الحرب اليومية المؤلمة.

على مستوى هيكلها الوظيفي لم تقم السعيدة بالاختزال الذي لجأت له كل المؤسسات من تسريح للموظفين أو تخفيض المرتبات إلى معدل النصف، بل التزمت بالايفاء مع موظفيها بتسليم مرتباتهم، حتى بعد إغلاق مكاتبها في كل من صنعاء وتعز إلى هذه اللحظة.. فلم يكن الطريق الذي تسير به قناة فضائية محايدة امرا هيناً، مع التعطش الدامي لمسرح الإعلام في اليمن، وتبدل عدسات الكاميرات بفوهات البنادق، لم يغب الإعلام عن مسرح العمليات العسكرية والتحولات السياسية منذ اندلاع شرارة الحرب بل كان حاضراً وبقوة لكن لم يرتقي برسالته إلى المستوى الذي لابد أن يكون عليه، وسار بمنأى عن الحياد معبرا عن قناعات واراء اطرافاً بعينها، ولم يسعى لقضايا الشعب المهزوم وإظهار وحشية الحرب التي يتكبدها منذ عامين، كما سارت السعيدة بتناول القضايا  بعيداً عن اللغط الذي تمضي به معظم وسائل الإعلام اليوم، وظلت لجانب الإنسان متحملةً اعباءه ومناصرة لقضاياه، حتى قطعت الأطراف المتحاربة الطريق أمامها وفصلت الجسر الذي ينقل اليمني اوجاعه  وما خلفته الحرب للعالم الآخر.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

وكالة أرصفة للأنباءجميع الحقوق محفوظة 2016