اخر الاخبار

عدن: دعوة للرفض الإجتماعي



هشام محمد 
_______&


تبتكر الديكتاتوريات والأنظمة الشمولية برامجها الخاصة وآلياتها المناسبة التي تضع فيها كل ثقتها لترسيخ سلطاتها، واستئصال الآخر المناهض لها بكل الوسائل المتاحة. هذه الوسائل تكاد تتركز في وسيلتين رئيسيتين لديها، تتمثلان في القمع السياسي والهيمنة الثقافية، وهما وسيلتان توارثتهما الديكتاتوريات، وتكرّر الإعتماد عليهما في كافة البلدان التي وقعت فريسة للتغول السياسي، وبدرجات متفاوتة من العنف، تبعاً للوعي الإجتماعي الذي يحدد درجة العنف وأساليبه، ويفرض بقوة وعيه ورفضه لمنطق الهيمنة. وفي اللحظة التي يتخاذل فيها ذلك الوعي عن المقاومة، ويقف موقف المتفرج، يكون حينها قد سلّم إحدى أهم وسائله وأدواته، التي تشكل ترابطه كمجتمع، أمام ذلك التغول، الذي يصبح تبني شعاراته وسياساته ظاهرة عامة لدى المتحمسين ومن يقعون ضحية التضليل، لا سيما مع الضخ الإعلامي الهائل من جانب واحد، بعد إقصاء كل المنابر المناهضة له، وهي واحدة من أدوات الهيمنة الثقافية.

إن وسائل المجتمع تتمثل في المقاومة والرفض الإجتماعي لذلك التغول، من خلال ثقافته وأدواتها السلمية، المتمثلة في استخدام الفضاء العام بقوة، وطرق التعبير المختلفة كالتجمهر، والاحتجاج، والنقاش العام... إلخ، وهي وسائل قادرة على خلخلة وفضح زيف الإدعاءت التي تروجها الأنظمة والحركات الشمولية والديكتاتوريات، والحركات الأيديولوجية المتشددة، التي عادة ما تحاول دغدغة مشاعر الرأي العام، واستقطابه بأيديولوجيتها، سواء القومية أو الدينية، والانطلاق منها لتعزيز ثقته بها، والعودة به إلى الماضي، الماضي الذي ينظر الجميع إليه بعاطفة وتقديس، بصفته تاريخ الأمجاد والإرث الحضاري.

ولذلك، فإن أفضل مواجهة للتطرف في المدن ذات التنوع الثقافي تتمثل في الرفض الإجتماعي. وصناع ومهندسو هذا الرفض هم المثقفون الإجتماعيون الأكثر وعياً وارتباطاً بالشارع، من خلال صناعة الوعي المدني المسبق الذي يجعل الجسد الإجتماعي يلفظ كل فكر دخيل.
في مدينة عدن التي اشتهرت بصفتها مدينة ذات تنوع ثقافي، وعرقي، وديني، يعلو الآن صوت الخطاب المتطرف، دينياً ومناطقياً، على الصوت المدني، صوت العدالة والمساواة، بفضل سطوة السلاح وفعله الرهيب تجاه المدنيين، في ظل غياب دور الأمن العام والأجهزة الأمنية للدولة، بل وصل الأمر إلى أن ترتدي جماعات متطرفة صفة أمنية وزياً رسمياً، وتمارس فكرها المتطرف ضد المجتمع قسراً.

وما يحتاجه المجتمع في مثل هذه الحالة هو اللجوء إلى وسائل الرفض الإجتماعي المدني، أولاً لنزع شرعية تلك الميليشيات التي تدعي حماية عقيدة المجتمع أو هويته وتقدم نفسها للمجتمع بتلك الصفة، وثانياً من أجل العزل الإجتماعي للفكر المتطرف الدخيل. فالفعاليات المجتمعية العامة المسلحة بالوعي، والصوت العالي للمجتمع، وممارسة الإحتجاج، وعزل المتطرفين أو منعهم من اعتلاء المنابر وتصدر الفعاليات، هي أنجح الوسائل، بل هي الوسيلة الوحيدة المتاحة لدى أهل مدينة عدن.

ولعل حارة المغدور أمجد هي الحارة المؤهلة لبدء مثل هكذا رفض للتطرف، باعتبارها المكان المجروح الأكثر مشاهدة للوجع. وفي الوقت الذي يبدأ فيه هذا التحرك في حارة ما، ستكون بقية الحارات مهيأة للتحرك والاستجابة، ويتبقى الرهان على التكتل والتكاتف الإجتماعي في المدينة، والذي يجب أن يقف ضد ممارسات الجماعات المسلحة، واستغلال العاطفة الدينية للعامة من الناس، وكذلك المنابر الدينية في مساجد المدينة، والتي أصبحت تنشر الفكر التكفيري والعداء المناطقي، وتنفد أحكام الإعدام بحق شباب عدن بتهمة الإلحاد التي تلصقها بكل من يمارس نشاطاً مدنياً، من شأنه نشر الوعي تجاه العصبيات الدينية التي تروجها، والذي بلا شك سيكون عائقاً لها.

إن الحالة الصحية للمجتمع هي التي يُفترض بها أن تقود عملية المقاومة والرفض الثقافي، غير أنه من المخجل سكوت كثير من القيادات المجتمعية المؤثرة عن تلك الممارسات، مما يجعل الشباب هدفاً سهلاً لرصاص التكفير والتخوين.

المصدر موقع العربي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

وكالة أرصفة للأنباءجميع الحقوق محفوظة 2016