اخر الاخبار

كاتيوشا.. واليتيمة"7"



قصة_ ناجي ناجي
_______________
عاشت الجمهورية

تسقط الجمهورية الملكية..
تسقط الملكية
وصلت زوج العامل دار النصر، كان العامل في إستقبالها عند باب القصر وحوله القائمين على رعاية القصر، كانت مبتسمة مشرقة رغم ما لاقته من هضهضة جسمها من ركوب البغلة لأول مرة، وكذلك حرارة الشمس خلال ثلاث ساعات هى مدة الرحلة، صعدت إلى الأدوار العليا يتقدمها العامل، وكأن السعادة عدوى، فقد وجدت زوجها بصورة لم تعهدها من قبل، راته سعيدا بوجودها ويسمعها كلمات حب لم تسمعها من قبل، كانت المرأة القائمة على خدمة القصر(العمة صفية) قد أعدت الغداء، فاكلت برغبة، مع أن المائدة لم تحتوي على شيئ غير مألوف، كأن للمكان والأجواء المحيطة تأثير كبير، كانت عيناها تتنقل بين المائدة ووجه زوجها، فتجد الطعام لذيذا وتجد زوجها سعيدا فتزداد سعادة وإنشراحا، أما هو فيراها الأن متلالئة كجوهرة، لها بريق كالذهب وصفاء كالعسل فايقن أن للمكان سحر، وبعد الغداء أختارت مجلسها خلف النافذة، راحت تنظر إلى المدينة من مكانها العالي وأمامها الأفق اللا محدود.
دخلت العمة صفية بصحن القلاصات الزجاجية والمعدنية وكوز ماء مُشع، ثم دخل العامل بكلواتين قات، وأخذ مجلسه بجوارها وتبادلا نظرات كثيرة وكلمات قليلة، ثم طبع على وجنتها قبلة وعاد إلى الديوان، وتفرغت مستمتعة بمنظر المدينة، وقبل آذان المغرب، كاد الديوان أن يفرغ من الوجهاء، صعد العامل وعاد إلى مجلسه السابق بجوار خديجة، كانت العمة صفية قد أوقدت النوارة، ولم يمر وقت كثير حتى دخلت بصحن العشاء وبأخرى كتلي القهوة وكوز الماء والقلاصات.
                *****
في اليوم الثاني، قَدِمتْ  بعض نساء القرية المجاورة للتعرف والترحاب بالقادمة، ظلت خديجة تتنقل من نافذة إلى أخرى مشدوة برؤية المدينة، ولم يبدو منها أي إهتمام بالزائرات، بعضهن فسرنا موقفها، إنشغالها بالمنظر الجديد فعذرنها، بعضهن أقسمن ألا يعدن للزيارة، وبعدها بأيام جاءتها زائرات سرعان ما ذهبن وهن غاضبات فقد راينها غير مرحبة وغير مضيافة ومتعجرفة ولا يليق معرفتها أو السؤال عنها، مر شهر  وهي في سعادة غامرة وفرحة بالغة، لكن دوام الحال من المحال، بدأت تمل من منظر المدينة من علو مكانها، بدت المدينة خرائب وأطلال، والأفق الامحدود بدء مسدودا وفارغا من أي معنى، وعادت حياتها كما كانت كدر ونرفزة، لا تطيق أحدا، حتى العامل لم تعد تتحمل رؤيته، ولا كلامه ولا حتى وجوده، والحقيقة تضاعف كدرها على ما كانت في تعز، عادت لطبعها وطبيعتها القديمة، بدت بوجه شاحب ونفس غاضب، وبدأ العامل يذهب إلى تعز، زيارات متكررة، يغيب فيها باليومين والثلاث، يقضي ليلته الأولى عند الخبازة خفية من والدته، وفي اليوم الثاني يذهب إلى والدته، تكرر ذهابه مع زيادة تكدره حتى قرر إعاده خديجة إلى تعز.
          *****
بعد تناول وجبة العشاء، يجلس غالب حسن مستمتعا برؤية الأسرة حوله، إلى جواره تجلس زوجته، وفي الجهة المقابلة يجلس زكريا وفاطمة، راح زكريا ينظر ألى أفراد أسرته، إلى والديه العجوزين، وإلى فاطمة الصغيرة، ماذا لوحدث شيئ للوالد.. كيف ستكمل فاطمة حياتها.. الواجب يستدعي ألا يهتم بالمنحة الدراسية.. وعليه واجب البقاء تحسبا للاسوأ، وقرر البقاء والبحث عن الوظيفة، قرر ذلك في نفسه، وعاد مشاركا الأسرة أحاديثها المؤنسة، فغالبا ما تكون تلك السويعات هى لإعادة ترتيب الإبتسامة والرضا وجعلها الأولوية لإتمام الحياة السعيدة، وغالبا ما تنتهي بنقاش سياسي بين زكريا وفاطمة، نقاش يسعد غالب، دون أن يدرك ولا يريد أن يدرك شيئا مما يقال، فكل ما يقال، لا يعني له شيئ، هو يعرف أن جمهورية قد قامت، وأن ملكية قد سقطت، وإن صراعا قائما بين أنصار الجمهورية وبين أنصار الملكية، وأن إبنه قد يُقتل في أي مواجهة، وفي أي لحظة، كل ذلك يعلمه  ويدركه.
في تلك اللحظة ذهب غالب يفكر في قادم الأيام، ينظر إلى فاطمة(16 سنة)، لم يعد في العمر متسعا، ولم يعد في الجسم قوةً.. أمام زكريا سنوات، ليكون قادرا على الوقوف إلى جوار فاطمة، فكان كلما نظر إليها تشتعل في نفسه الحرقة فيطفئها التسليم بقضاء الله وقدره، ثم  يفز من مكانه، ويتبعه الأخرون لتجهيز عجينة الحلاوة المقصقص. 
      *****
بإنتهاء العام الدراسي، ذهب زكريا للبحث عن الوظيفة، رغم معارضة إبراهيم وبقية زملائه، إلا أنه صمم على ترك المنحة والبحث عن الوظيفة، تم قبوله في مكتب التربية في تعز،
لم يندم على قرار بقائه، ولم يسمح له أن يلوح بخاطره.
          *****
سافر إبراهيم للدراسة في الخارج في الأيام الأولى من شهر أغسطس.
            *****
وذات مساء من أيام أواخر أغسطس 68، طُرق الباب طرقات خفيفة، فتحت فاطمة الباب وحين رأت شخصا غريبا مع والدها فرت إلى الداخل، لكن والدها ناداها  للسلام على خالها، عادت فاطمة وخلفها زكريا للسلام على الخال الذي لم يروه من قبل، إنه الخال قاسم، ثم جاءت الأم وسلمت بحرارة على أخيها، مرت لحظات الترحاب والسؤال عن الأحوال سريعة في الديوان، ثم  تسلل الحديث إلى الأحداث الدائرة في الحديدة بين العمري والمقاومة الشعبية التي كان لها دورا بارزا في الدفاع عن الجمهورية وفك الحصار عن العاصمة، وظهر لزكريا وفاطمة أن الخال ليس متابعا للاخبار، بل مهتما إلى درجة القلق، تشاركوا القلق ثلاثتهم لمدة ثلاثة أيام وبعدها ذهب الخال فجأة مثلما ظهر فجأه.      
         *****
جاء شهر يناير 69، باردا ومتربا على بيت العامل، كانت خديجة قد ولدت بولد اسمته جدته عاتكة(المنصور) قبل شهرين، كان حدث الحمل والولادة يبشران بعودة العلاقات بين الأطراف (عبدالكريم وعاتكة وخديجة)، إلى مساره الطبيعي، لكن التوتر ظل قائما، ورغم إشراقات الفرح في سماء عاتكة(الجدة)، إلا إنها ظلت في المشاحنة السابقة مع إبنها وزوج إبنها، أما الخلافات التي باتت واسعة وعلنية، كانت بين  الزوجين بات لا يطيقها، وهي لا تطيقه وراح يلح على أمه أن تبحث له عن فتاة أخرى، راحت عاتكة تبحث بين الفتيات، وكانت كلما ضاقت تصب غضبها على القبيلي الجلف، فقد كان إتفاقها مع رضية على غالية.. الفتاة المرحة التي تناسب إبنها المنعزل.. لتتوازن الحياة وتتعادل، إلا أن القبيلي لم يقبل، واصر على تزويج خديجة على إبنها، فأجتمع إنعزالها مع إنعزال إبنها سوادا على سواد.
ومن الإنصاف يمكن القول إن توتر  أعصاب عاتكة الدائمة ليس مرده لإبنها وزوجه فقط، بل لحالة زهرة في صنعاء الغير مطمئنة هي ايضاً، لم يكن الحال في صنعاء أفضل من تعز.
كانت زهرة قد أخفقت هي ايضا  في حملها، ودخلت مع زوجها في مناوشات، تحولت إلى مواجهات كلامية حادة، فاض بها الكيل، وراحت تشكو أمها عن سوء حالها، كلما سنحت لها الفرصة باستخدام تلفون بيت صاحبتها، نقلت لها خبر موت رضية، أصابتها وعكة صحية، سرعان ما تدهورت حالتها، أقعدتها عن الحركة، تطور إلى غيبوبة، فارقت بها حياتها.
لكنها في أخر اتصال، أفادت بأن، غالية قد تركت بيت الزوجية، وعادت إلى بيت والديها،.... يتبع الحلقة الثامنة..>>>>>
نهاية نوفمبر 2015.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

وكالة أرصفة للأنباءجميع الحقوق محفوظة 2016