المكلا_ وجدي صبيح
شكلت ظاهرة التسول بحضرموت مشكلة اجتماعية مستجدة على الساحة الحضرمية مؤخرا، تؤرق وتقلق الكثيرين فهي لم تكن فيما سبق بمعنى الظاهرة والمشكلة ولكنها اليوم تنمو وتكبر حتى غدت ظاهرة حقيقية ومشكلة اجتماعية تستدعي القلق والدراسة، وخاصة في ظل هذه الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها حضرموت وهو ما من شأنه ان يزيد من استفحالها وطغيانها، وبروزها كظاهرة تمارس عيانا دون حسيب أو رقيب تم استنساخها واكتسابها نتيجة المعايشة المستمرة المتسولين الذين ينتشرون بكل مكان اليوم والوافدين من مناطق مختلفة من خارج حضرموت حتى اصبح التسول ثقافة معهودة ومشاهدة باستمرار الأمر الذي بدد النظرة والعقيدة الرافضة لمثل هذه الظواهر لدى المجتمع الحضرمي.
ظلت ظاهرة التسول سنوات عديدة مقتصرة على المتسولين من خارج المحافظة الذين غالبا ما يكونون ممتهنين ومحترفين لها كمهنة وعمل يجنون منه أموال طائلة قد تكون أضعاف دخل أولئك الذين يدفعون أموالهم لهم وظلوا سنوات يستعطفون الناس ويثيرون مشاعرهم وظل المواطن الحضرمي يجود على أولئك بالكثير من أمواله وعاطفته الجياشة.
تفاقم المشكلات الاقتصادية والسياسية التي تمر بها البلاد انعكس سلبا على المجتمع بحضرموت وجعلت المواطن يعيش ظروف معيشية صعبة أجبرت الكثير من الفقراء والمعدمين الخروج من البيت والاصطفاف بصف المتسولين، حتى اصبح التسول مهنة للكثير من الأفراد والعائلات من مختلف الأجناس والفئات العمرية وان كان يظهر بوضوح انتشاره بين النساء والأطفال، وهناك فئتان هم غالبا من يمتهن التسول وهي الأسر الفقيرة التي تعيش أوضاعاً اجتماعية ومعيشية شديدة البؤس والعوز ولأنها بدون عائل يتحمل أعباء الحياة المعيشية وذلك بسبب الوفاة أو الإصابة بالعجز والمرض أو المعاناة من البطالة ، وكذلك ايضا الأسر متوسطة الحال، لكنها تتطلع إلى كسب المزيد من المال، غير مكترثة بالوسيلة التي تستخدمها أو النتيجة المترتبة على ذلك مادام التسول يمارس بأزهى صورة وفنونه دون حاجز ومانع.
ورغم ذلك زاول المتسول الحضرمي التسول بصورته البسيطة رغم ان ظاهرة التسول أخذت أساليب جديدة وغريبة واخذت أنماط مختلفة فهناك النمط التقليدي للمتسولين من الذين يدعون ويمثلون أنهم لديهم عاهات أو من أصحاب العاهات فعلاً الذين يقفون على النواصي أو في الطرق العامة يمدون أيديهم طلباً للنقود ، وكذلك المتسولون الذين يدعون أن أموالهم قد تم سرقتها وأنهم مسافرون إلى مدينة بعيدة وأنهم يحتاجون إلى النقود التي توصلهم بلدانهم، وكذلك المتسولون الذين يدعون المرض لأنفسهم أو لأحد من أقاربهم وفي الغالب يكون معهم شهادة مزورة مختومة بختم غير واضح وكتابة في الغالب غير واضحة.
المتسول الحضرمي لا تجده يتجول في الطرقات غالبا كسائر المتسولين الذين يفضلون الشوارع العامة والأزقة الضيقة، وأمام أبواب المساجد ومواقف السيارات ، وفي الحدائق العامة والمقاهي والأسواق، وفي والمطاعم، وفي حافلات النقل الجماعي وأمام البنوك ومحلات الصرافة، و بل وحتى في أبواب المقابر، يستوقفك متسولون من مختلف الأجناس والفئات العمرية.
وعن الأسباب التي جعلت المتسولون يمتهنون التسول فهناك الكثير من الأسباب ولعل ابرزها: مثل أن البعض منهم قد لجأ إلى التسول مضطرا في البداية نتيجة للفقر أو المرض ثم بسبب الدخل المرتفع تحترف التسول وجعلها مهنته المربحة، وكذلك المال الوفير الذي يجنيه محترفو التسول قد يغري بعض العاطلين والفقراء على التسول ويعزز ذلك ضعف الرادع القانوني والاجتماعي.
ولعلاج هذه الظاهرة المقلقة فإنه يجب تجفيف منابع التسول عن طريق محاربة الفقر والبطالة وخلق فرص عمل ونشر الوعي الديني وزرع ثقافة حب العمل، وكذلك ايضا يجب ان تصل المساعدات العينية والنقدية من اموال الزكاة والصدقات لمستحقيها عبر الجمعيات الأهلية واجهزة الدولة، وان تنفق الزكاة باوجهها الصحيحة، كما ان تأهيل المتسولين يعتبر جزء مهم في محاربة التسول وكما أن الجانب القانوني وتغليظ العقوبات على المتسولين الذين يمتهنون تلك المهنة فإنه الجزء المهم في محاربة هذه الظاهرة وكبح جماحها.
يمكننا القول أن ثقافة التسول اليوم لم تعد تقتصر على أولئك المتسولون الذين نعرفهم ونصادفهم في الشوارع والطرقات بل اخذت اشكال وانماط حديثة مثل الرشاوى التي تدفع هنا أو هناك أو الإتاوات التي يفرضها الجنود بالنقاط وكذلك الاسترزاق باسم الدين أو اعمال الخير أو المتسولون عن طريق الصحافة والإعلام، وكذلك الأسواق السوداء التي راجت بضاعتها واختلفت مواردها وصارت متنفسا للكثير من التجار ينمون بها أموالهم بطريقة سريعة على حساب المواطن.
وظاهرة التسول لا وطن لها فهي منتشرة في كل بلدان العالم الغنية والفقيرة منها، ولكن نسبتها تتفاوت من بلد لآخر، وفي حضرموت تعتبر ظاهرة التسول ظاهرة مكتسبة فقد عرف الحضرمي عبر الأزمان بالعزة والكرامة فقد يصبر على الفقر والعوز ولكنه لا يستطيع ان يتكفف الناس بالشوارع ويتحمل المهانة، وتبقى ظاهرة التسول نذير شؤم إذا ما انتشرت وازدهرت بمجتمع وامتهانها الافراد واكتسبوها كثقافة وصار الفرد منهم لا يجد غضاضة في مزاولتها واحترافها..
المصدر المندب نيوز
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق