وكالة أرصفة للأنباء_ ترامبيت
قال جيمي ماكغولدريك، المبعوث الإنساني للأمم المتحدة، إن الوضع في اليمن ربما يكون إحدى أكبر الأزمات في العالم، مضيفا: “إنها أزمة صامتة ووضع صامت وحرب منسية”، كما حذّر مسؤول أممي آخر، وهو إسماعيل ولد الشيخ أحمد، قائلا: “الناس يموتون.. والبنى التحتية دمرت.. والاقتصاد على حافة الهاوية”.
وأسفر هذا الصراع عن مقتل ما يقرب من 10 آلاف شخص، أكثر من 500 منهم من الأطفال، كما أصيب نحو 37 ألف يمني، وغادر نحو 182 ألف يمني البلاد، وبلغ عدد النازحين داخليا نحو مليوني ونصف يمني.
لقد أصبح اليمن سوريا أخرى
يحتاج ما يقرب من 80% من السكان الخدمات الصحية بشدة، أي نحو 21 مليون يمني، نحو 7.4 مليون منهم من الأطفال، ولكن نصف المنشآت الصحية اليمنية تقريبًا دمرت في الحرب، وتخشى السلطات من تفشي الأوبئة بين الناس.
كيف ساءت الأوضاع في اليمن؟
أكثر من مجرد الربيع العربي
من بين الدول العربية الـ6 التي شهدت الربيع العربي، كانت سوريا واليمن هما الدولتان الوحيدتان اللتان تطورت الأمور بهما لتصل إلى حرب أهلية شاملة، فقد أصبحت الدولتان أرض معركة لحربين بالوكالة تتورط فيها إيران، فالمحرض الرئيسي على الصراع في كلتا الدولتين هو إيران.
وحكمت الحكومات الدينية الشيعية اليمن حتى أطيح بها في ثورة عام 1962، وأصبح اليمن هو الدولة الديمقراطية الوحيدة في شبه الجزيرة العربية.
وفي العام 2004، ثار الحوثيون، وهم المجموعة المتمردة الأولى في اليمن، ضد نظام الرئيس علي عبدالله صالح، وكانت حكومة صالح بدأت تتعاون مع الولايات المتحدة في حربها ضد الإرهاب، وقيل إن الحوثيين كانوا يشعرون بالاستياء من هذا التعاون. وكثيرا ما كانوا يوجهون نقدا لاذعا ضد الولايات المتحدة وإسرائيل، وفي ذلك الوقت، اتهم نظام عبدالله صالح الحوثيين بمحاولة إعادة الحكم الديني الشيعي.
ووفقا لتقرير نشر في العام 2009 من قبل مؤسسة كارنيجي للسلام العالمي، فإن حكومة صالح اعتبرت أن الحوثيين “حركة انفصالية.. تمثل تهديدات لبقاء الدولة”، أكثر حتى من تنظيم القاعدة.
وأشار التقرير إلى أنه، خلال فترة الصراع، سعت الحكومة اليمنية إلى ربط التمرد بـ”الحرب ضد الإرهاب”، واتهمت الحكومة الإيرانية بدعم المسلحين “الشيعة”، وحتى الآن، ليس هناك دليل معلن يدعم مزاعم التدخل الإيراني، وقد يظهر الزمن أدلة علنية واضحة ومثيرة للقلق على التدخل الإيراني.
بدأ “الربيع العربي” في اليمن كانتفاضة ضد سوء الإدارة الاقتصادية وفساد حكم الرئيس صالح الذي استمر لـ3 عقود، بالنسبة للحوثيين، كانت الثورة نسخة سريعة الوتيرة لحركتهم المعارضة النظام. وتظاهر آلاف اليمنيين في الشوارع للمطالبة بتنحي عبدالله صالح، وأصبحت هذه الشوارع فيما بعد ساحات قتال دموية، حتى أن صالح نفسه أصيب بإصابات طفيفة خلال الصراع.
وفي الفوضى التي تلت ذلك، أجبر مجلس التعاون الخليجي صالح على تمرير السلطة لنائب الرئيس عبد ربه منصور هادي، في فبراير 2012، لكن عملية انتقال السلطة كانت فوضوية وأدت إلى إغراق اليمن في أزمة سياسية شديدة استمرت لعامين.
وحان وقت الحوثيين
فيما يسمى الآن بثورة 21 سبتمبر 2014، استولى الحوثيون على العاصمة صنعاء، وكان دخول الحوثيين المدينة مصحوبًا بصيحات “الموت لأمريكا” و”الموت لليهود”؛ وهي اللعنات التي كثيرا ما تسمع من النظام الإيراني، كما كتب المقدم ميشيل سيجال لمركز القدس للشؤون العامة، 3 نوفمبر 2014.
وفي الشهر نفسه الذي حدثت فيه ثورة الحوثيين، ونقلت وكالة أنباء راسا المملوكة للدولة عن عضو إيراني في البرلمان ذي علاقات وثيقة بالقائد الأعلى آية الله علي خامنئي قوله، إن العواصم العربية الـ3 “بيروت ودمشق وبغداد”، وقعت في يد إيران وتنتمي للثورة الإسلامية الإيرانية، وقيل إنه كان يتفاخر بأن الرابعة هي صنعاء.
وبعد 4 أشهر، في يناير 2015، أجبر الحوثيون حكومة هادي على التنحي واستولوا على القصر الرئاسي.
تحالف السعودية ضد الحوثيين وإيران
وضع الحوثيون الرئيس هادي تحت الإقامة الجبرية، ولكنه، في فبراير 2015، تمكن من الفرار إلى مدينة عدن اليمنية الساحلية، وتراجع عن تنحيه، وطالب بتدخل خارجي.
وعقدت السعودية اتفاق شراكة مع أنصار الرئيس هادي، وأقامت تحالفا من الدول العربية في 25 مارس 2015، وحاولت إخراج الحوثيين من صنعاء.
وعند تلك النقطة، أصبح الوضع في اليمن أكثر تعقيدا، فقد ازداد التدخل الإيراني والدعم الذي تقدمه إيران للحوثيين، واتحد الحوثيون مع أنصار الرئيس السابق علي عبدالله صالح، عدوهم السابق، للسيطرة على حكم اليمن، واستغلت التنظيمات الأخرى مثل تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية حالة الفوضى واتخذوا ملاذات آمنة لهم في جنوب اليمن.
وأشاد يارون فريدمان، المتخصص في الشؤون العربية بصحيفة “واي نت نيوز”، بالسعوديين؛ لأنهم أظهروا قدرة كبيرة على توحيد الدول السنية: “مصر والمغرب والأردن والسودان والإمارات العربية المتحدة والكويت وقطر والبحرين”، موضحًا أن القدرة على الالتحام في قوة عملت على إبطاء الهجوم الحوثي قد يكون هو الإنجاز المؤثر الذي تحققه السعودية وحلفاؤها، وهذا من الأساس بسبب ارتكاب التحالف السعودي مخالفات يعتبرها الكثيرون تجاوزات لا تغتفر في الحروب الحديثة.
انخفاض ملحوظ في الدعم المقدم للسعودية
وفقا لمعهد الدراسات والتحليلات الدفاعية، فإن الحرب في اليمن ثبت أنها مكلفة جدا بالنسبة للاقتصاد السعودي الذي يواجه ضغوطا مالية خطيرة نتيجة انخفاض أسعار النفط.
وفي الفترة ما بين أبريل ونوفمبر، ذكر أن الحوثيين اعترضوا 34 قاربا من المساعدات الإنسانية في ميناء الحديدة اليمني، كما اتهموا أيضا باعتقال وقتل العاملين بالإغاثة إضافة إلى المدنيين، ويتلقى الحوثيون دعما من أكبر الدول الداعمة للإرهاب، والتحالف السعودي يتكون من حكومات حسنة النية تدعمها الولايات المتحدة.
الحوثيون أقوى وأكثر جرأة
وفي 6 نوفمبر، تحدث جون كيري عن “لفتة إنسانية من جانب الحوثيين”، حيث أفرج المتمردون عن جندي أمريكي سابق بقوات المارينز أسر أكثر من عام ونصف. ويبدو أن الحوثيين فاقوا التحالف السعودي في فن اللفتات “الإيجابية” و”الإنسانية”، فأهم هجماتهم لم تحدث أي ضجة على المستوى الإنساني، ولكنهم فعلوا هذا بالتأكيد على المستوى الجيوسياسي.
وقبل أسبوع واحد من هجوم الجنازة، أطلق الحوثيون صاروخا صينيا من نوع سي – 802 على سفينة نقل إماراتية من نوع “إتش إس في – 2” بالقرب من ميناء المخا اليمني، ويعتقد خبراء أمنيون أن إيران قامت بشراء الصاروخ المضاد للسفن من الصين، ثم قامت بتغيير هندسته لتجعله من طراز نور الخاص بها.
وأفاد موقع “ستراتفور”، في 5 أكتوبر، بأن مدى صواريخ “سي – 208” يصل إلى 75 ميلا، ما قد يجعل الحوثيين قادرين على السيطرة على مضيق باب المندب، وتمر نحو 7% من السفن في العالم عبر هذا الممر في البحر الأحمر، وهذا يشمل نحو 4.7 مليون برميل من النفط يوميا.
ووفقا لما قاله موقع “ستراتفور”، فإن الهجوم يشير إلى أن الحوثيين اكتسبوا قدرات جديدة، ما يثير تساؤلات حول الأمن الملاحي قبالة الساحل اليمني وفعالية حظر السلاح ضد الحوثيين، ويشير الهجوم إلى تكتيكات جديدة قد تهدد السفن في البحر الأحمر.
كما أطلق الحوثيون صاروخًا باليستيًا تجاه قاعدة الملك فهد السعودية، التي تبعد نحو 40 ميلا عن مكة، وهو المكان الذي يتمركز فيه المستشارون العسكريون الأمريكيون، وفي اليوم نفس، أطلقوا صاروخين على المدمرة الأمريكية “يو إس إس ميسون”، التي تعمل شمال مضيق باب المندب.
وبعد يومين، في 12 أكتوبر، في الذكرى الـ16 للهجوم الذي استهدف المدمرة الأمريكية “يو إس إس كول” التي كانت متمركزة في ميناء عدن اليمني، استهدف الحوثيون مرة أخرى المدمرة ميسون، على الرغم من أن السفينة الحربية لم تتضرر، وردت الولايات المتحدة من خلال إطلاق صواريخ توماهوك كروز على بعض المنشآت العسكرية التابعة للحوثيين.
علاقة إيران
وصرحت المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية، ماري هارف، للصحفيين في أبريل 2015، قائلة: “هناك تاريخ جيد التوثيق للدعم الإيراني للحوثيين، بما في ذلك في تقارير عديدة لوزارة الخارجية، المال والسلاح، دعم استمر لوقت طويل”.
ولم توثق طبيعة العلاقات الإيرانية مع وكلائها بشكل جيد، وقال معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، إن علاقات الحوثيين بالجمهورية الإسلامية أكثر شبها بالعلاقة بين إيران وحماس أكثر من العلاقة بين إيران وحزب الله، وهذا يعني أن الحوثيين شركاء مستقلون يعملون عادة وفق مصالحهم الخاصة، على الرغم من أن هذا يتم عادة من خلال أسلحة إيرانية مهربة ومساعدات أخرى غير مباشرة.
استقلال الحوثيين والنفوذ الإيراني لا يتعارضان
خلال العام ونصف الماضيين، اعترضت السفن الحربية الأمريكية 5 شحنات من الأسلحة الإيرانية المرسلة للحوثيين في اليمن، وفي 20 أكتوبر، أفادت وكالة “رويترز” بأن إيران كانت تستخدم الجارة الشرقية لليمن، عمان، كمعبر لنقل الأسلحة المتطورة للحوثيين.
وفي 12 نوفمبر، ضربت الغارات الجوية للتحالف السعودي قاربين قادمين من إيران، كانا يحملان أسلحة للحوثيين في اليمن، وكان القاربان وصلا إلى ميناء الصليف اليمني، وفي 14 نوفمبر، اعترض التحالف السعودي قاربين محملين بالأسلحة ومعدات الاتصال.
وكتبت العربية، أن عمليات المراقبة والتحقيق أظهرت أن الميليشيات تستخدم عددًا من الجزر، مثل جزيرتي زقر وحنيش، لتهريب الأسلحة والمعدات بمساعدة إيران.
وأشار معهد واشنطن في 6 أكتوبر إلى أن العداء الإيراني من خلال الحوثيين، كان يحدث في وقت أصبحت فيه الاستفزازات البحرية الإيرانية في مضيق هرمز أكثر من العادية، تقريبًا ضعف عددها في العام الماضي 2015″، وقال إن إيران “قد تكون تأمل في توسيع الحرب إلى الممرات الملاحية الدولية والمناطق الخارجية مثل إريتريا”.
وحذّر رئيس تحرير ترومبيت، جيرالد فلوري في مقاله الذي نشر في أبريل 2015 تحت عنوان “إيران تسيطر على الشرق الأوسط”. “لقد كان هذا جزءا من الاستراتيجية الإيرانية المتعمدة والمحسوبة للسيطرة على البحر الأحمر.. إن سيطرة الحوثيين على اليمن تثبت أن إيران تنفذ استراتيجية جريئة للسيطرة على الممر البحري الحيوي من المحيط الهندي إلى البحر المتوسط”، وفقا لما كتبه فلوري في مقال له عام 2015.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق