وهاج المقطري
( #الانسانية هي المظلة الكبرى الحقيقية التي توحد انتماءنا، فإن لم تستوعبنا انسانيتنا فلن يستوعبنا أي إنتماء ءاخر..)
#من يشاهد الاحداث الكبيرة التي تدور من حولنا لن يخفى عليه حجم الهوة المتزايدة بين الموروث الديني كفكر ايديولوجي وبين الفكر العربي الشاب، هوة يقع على جانبيها فريقين، فريق يرى نفسه إمتدادا للفكر الاسلامي الذي تعاديه كل قوى الارض الاخرى وعليه تقع مسؤولية حماية هذا الدين وهذا الفريق نشأت إنتماءاته الفكرية من ذلك الموروث الديني المشوه الذي وصل اليه وتلقاه زمنا طويلا دون تنقيته مما اختلط به من اكاذيب واخطاء شوهت فيه ماشوهته وكان للسياسة دور كبير جدا في تأصيلها بهدف حماية نفسها من المثقف المتمرد على الدوام، وفريق آخر يقع في الجانب المقابل من الهوة وهو المثقف العربي الذي وجد في هذا الموروث الديني عُقما يناقض تفتح فكره ووجدانه وثقافاته ووجد فيه قيودا تحول دون انطلاقته نحو الحياة والحضارة بل ووجد فيه أحيانا مايسيئ إليه كإنسان..
#ومع أن كلا الفريقين خاطئين في تقديرهما للامور ولامجال هنا لتوضيح ذلك، إلا أن المشكلة الاساسية الآن ليست في اختلاف افكار الفريقين أو توجهاتهم بحد ذاتها اذ ان الاختلاف في الفكر والرؤية والرؤية المضادة تبقى في الغالب ظاهرة صحية وحضارية ما لم تتجاوز حدود الاختلاف الفكري وتنتقل إلى فعل مضاد انتقامي، لكن المعضلة الاساسية في امرين اثنين، أولهما التطرف من كلا الفريقين والذي ياتي في الغالب كردة فعل مبالغ فيها من احد الفريقين، والثاني تطور (الاختلاف)من مجرد اختلاف في الفكر والرؤية إلى(خلاف حاد) ومن ثم إلى فعل مضاد انتقامي ينال منه احد الفريقين من الاخر وقد يصل هذا الفعل لإستباحة الدم احيانا..
#نحن في الحقيقة أمام منعطف خطير للغاية يهدد البنية والتماسك المجتمعي للاوطان، والادهى من ذلك كله هو صعوبة ايجاد الحلول الحقيقية التي تقلل من هذا الاحتقان الفكري الخطير، اننا نواجه فكر حديث يعاني من انفصام حاد في هويته العقائدية بسبب كل هذا الغث وهذا العبث وهذه الكوارث التي ترتدي جلباب الدين إذ لم يعد هناك نكبة في المجتمعات حولنا ألا وكان خلفها فكر ديني متطرف أو ردة فعل متطرفة مضادة له، هذه الازمات عصفت بفكر المثقف العربي الشاب وجعلت منه أما متطرفا يمينيا يبيح قتل اخيه الانسان لمجرد الاختلاف في رؤية فكرية معينة أو متطرفا يساريا كفر بعلاقاته العمودية ولم يعد يؤمن إلا بما ينبه قوى العقل والتفكير في جنانه..
#لكن السؤال الاهم الان كيف يمكن أن نجد حلا لمشكلة خطيرة كهذه!؟ قال لي احد اصدقائي المثقفين إن الحل يكمن في اعادة صياغة مفهوم الانتماء لدى النشئ الحديث وبدلا من أن تصبح العلاقة التي تجمع الناس هو الدين لابد من تفعيل وتذكية علاقة اخرى توافقية كالوطن مثلا تمثل انتماءا للامة ككل، لكن تبقى المشكلة ان هذه الازمة الفكرية الدينية توسعت وصارت عابرة للحدود بل وحتى عابرة للقارات (داعش أنموذجا) وعليه فان الانتماء الوطني وحده لن يكون فضفاضا بما يكفي ليظلل الجميع تحت عباءته!! اضف إلى ذلك ان الموروث الديني كان واضحا في قضية الانتماء حيث جعل الدين هو الانتماء الفعلي للناس(إنما المؤمنون أخوة)!!! كما ان القول بان الحل يبقى في محاربة كلا الفريقين فكريا فقط وسد الذرائع بالحجج المنطقية هو قول ساذج في ظل وجود مؤسسات اعلامية ضحلة مشهود لها بالاخفاقات.
والقول إن الحل يكون بمعالجة الامور من جذورها عبر إعادة صياغة الموروث الديني الذي وصل الينا وتنقيته هو قول متنطع في مجتمعات لاتزال المؤسسات الدينية فيها تضع خطوطا حمراء امام كل من يحاول مجرد الاجتهاد في امر ما مخالف لمن سبقوه!!!
كما ان فصل الدين عن الدولة لن يكون سهلا وسيرافقه تكاليف باهضة في مجتمعات لاتزال ترى في العلمانية تخلي صريح عن الدين وابداله بقوانين وضعية بشرية،،ومقولة( الدين لله والوطن للجميع ) مجرد سفسطة يرددها الجميع ولايؤمن بها الا القلة القليلة،،كما ان محاولة تطبيع المفاهيم الفكرية بين كلا الفريقين ومحاولة ردم وتقليص الهوة الفاصلة بينهما لن تصل الى اي حلول ناجعة عدا كونها ستزيد في حدة الاحتقان ذلك ان المثقف العربي في الغالب انفعالي جدا بطبيعته ومن الصعب عليه الاعتراف بخطأه والتراجع عنه..
#لكن ومعى ذلك يبقى الضمير الإنساني واحد مهما اختلفت الاديان والمذاهب ومهما تعددت الانتماءات تبقى الانسانية هي الانتماء الفضفاض لكل بني البشر وعلى هذا نعول كثيرا،،وعلى الجميع التفكير الجدي لايجاد الحلول الحقيقية لا النظرية، حلول يشترك فيها الافراد والجماعات والمؤسسات الدينية وغير الدينية طالما ان الامر قد وصل الى حد استباحة وإراقة الدماء، وارجوا أن لا اكون متشائما ان قلت ان التغاضي عن هذه المصيبة سيصل بنا إلى كارثة لن تبقي منا شيئا ولن تذر...
تنويه: من حائط الكاتب بالفيس بوك
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق