اخر الاخبار

لعبة القمار بالوطن.. من وراء الكواليس


تحليل/خاص

لم يكن العجز عن اعداد موازنة عامة للدولة في اليمن على مدى عامين متواليين_ 2015_ 2016, مجرد شاهد قطعي على فشل الحوثيين واتباع صالح في إدارة الدولة, وافتقداهما لابسط آليات العمل والقائم على نشاط جمعي يدار من خلال منظومة وظائف حكومية تتدرج من الأدنى في توصيفها إلى المتوسط ثم الكبرى فالأكبر, وكافتها محكومة برزنامة لوائح وقوانين وتشريعات وأطر محددة للقيام بكل الأنشطة التي تقود في مجملها إلى الصب في قالب واحد يطلق عليه إدارة الدولة.

بل كشف ذلك عن عقم كبير بل أكبر مما يتصور.. فهذا العقم يتغلغل في التركيبة الخليطة من الحوثيين واتباع صالح,  باعثا معه تبعات قد لا يدركها لا الحوثيين ولا اتباع صالح ومثلهم العامة من اليمنيين.

إذ لن يستثنى من حمم تقاذها النارية أحد مهما تدحرج بعيدا بغية السلامة, حيث تطاير وجنون كرات النار  نذير ميلاد مهرجان عصف يفني الفشل الجامح الذي شرب ما كان يتشكل من بذور العمل المدر للاستقرار والحياة الكريمة تجنبه.

وليس هناك من شاهد يختصر كل الشواهد القاصمة لظهر التخفي خلف ستائر الولاء والتابعية, كشاهد خذلان الأمعاء الجائعة الغير مستعد أفواه أصحابها على تقديم سماع خطب الفراغ على رغيف خبز يتدحرج بين ثنايا الوجنتين معلنا رحلة أنيقة قوامها مذاق شهي لا مجال للمساومة به فقد قرن به ازدهار الصحة والعمل ..إلخ .

امعاء ينخرها الخواء وأياد أفلجها العناء وحناجر تشرب غيظ أبدان وأرواح تنهشها الحيرة ويكويها الصبر وحسن الظن, في انتظار عائد مالي يطلق عليه الراتب لقاء العمل في السلك الحكومي, لاقتناء رغيف الخبز وسد رمق الجوع.

تدرج تأخر صرف هذا الراتب من أواخر الشهر إلى مطلع الشهر القادم ثم منتصفه ثم مطلع الشهر الذي يليه, أحدث حالة إرباك واسعة أواسط المستفيدين من الراتب والمنظويين تحت مظلته, كونه يمثل لهم صمام أمان حياة كريمة لا يشوبها الحاجة والإلتجاء لطلب العون من الغير.

هذا الاضطراب في حقل الراتب ليس له غير تفسير واحد لا يقبل الجدال حول القول بسواه أو التشكيك به.

وهذا التفسير هو جفاف الموارد وعجز الحوثيين واتباع صالح على تأمين رواتب وأجور الموظفين الحكوميين, وشواهد جمة تبرهن حتمية هذا الجفاف, والذي بدأ بظلاله مطلع الحال على تقليص تدفق هبات متعددة للموالين والاتباع والواقعين تحت مظلة الدفاع عن التمدد والبقاء الحوثي الصالحي.

تلاه تقليص نثريات الانفاق المتعدد الأوجه على الأنشطة كافة في مقدمتها مهرجانات دعم الانقلاب الحوثيفاشي ليس حبا في هذا الانقلاب بل من أجل الحصول على دعم سخي مقابل التأييد والتمتع بعوائد كبيرة جراء الوقوع تحت مظلة هذا الانقلاب.

ومع أن ما حاز عليه الحوثيين واتباع صالح بمجرد سقوط صنعاء لم يكن بالهين وإنما ثروات طائلة لكن جرى تبديدها بوقت قياسي.

وصار الوضع إلى عجز فاضح لم يقف عند إغلاق حنفية العطاء السخي على الموالين بل امتد ايضا إلى إغلاق حنفية تموين كثير من جبهات القتال المنتشرة على جفرافيا واسعة من خارطة اليمن.

وفيما كانت الأبصار تشخص بذهول لقدرة الحوثيين واتباع صالح على الاستمرار في دفع رواتب موظفي القطاع العام طيلة بضعة أشهر دون خصوم, مع تأكيد القول إن الراتب ملك للأسر وليس للأفراد في إشارة إلى أن الحوثيين واتباع صالح ملتزمين بدفع رواتب هذا القطاع حتى وإن كان المستفيد مناهض لهما, فلا علاقة لموقفه بالراتب والذي يعد ملك وحق يجرم المساس به.

وحينها تداول خبر مفاده: الحوثيين يدفعون أو يقدمون تسليم رواتب الدواعش على المجاهدين الحوثيفاشيين, ومهما كان ذاك يحمل في طياته نوايا وأبعاد غير المعلن عنها كالراتب ملك للأسر.

إلا أن المغزى الخفي لذلك كان ضرب ما يطلق عليه المقاومة الشعبية من الداخل والتوسع في كسب ولاءات من ما زال يقف ضمن الفئة الصامتة.

ولا يمكن لعاقل أن ينكر أن ذاك الإجراء كان له مفعول وعزز بشكل لا بأس به من استمالة وكسب مؤيدين كانوا خارج الأطر الحاضنة للحوثيين.

وكان حينها وبدفع من خبراء متمكون من إدارة الدولة والحفاظ على دوام الموارد وتدفقها, تم صنع نجاح مؤقت للحوثيين في هذا الصعيد.

وما أن تفرغ الحوثيين للإحتفاء به حتى جاءت القاصمة المتمثلة في تواري صناع النجاح ذاك عن العملية والابتعاد كليا عن رفد الحوثيين بمزيد من برامج العمل الناجحة, وكنتيجة حتمية لم يغدوا أمام الحوثيين غير التخبط والانتقال من انتكاسة إلى أخرى.

فبدأ الانهيار يتشكل بقوة في ظل تجفيف الموارد وتوقف تدفقها شيئا فشيئا إلى أن جفت كثير منها بفعل فشل إدارة التعامل معها وكيفية إدارتها وفق أطر اقتصادية عملية وعلمية تقتضيها الإدارة الكلية للموارد والدولة.

وإن كان ذاك الإجراء الحوثي مبطن وله أبعاد وإن تحقق منها الشيء الضئيل إلا أنه انقلبا وتحول من مكسب آني إلى مصدر قلق وكابوس كان له أكبر الأثر في تجفيف موارد مالية جمة دون أن يدرك الحوثيين كيف سيغدوا هذا الإجراء باب لنزيف يطال ما تبقى من شحيح في الخزينة العامة.

ولا يخفى فهم المشمولين بذاك الإجراء الحوثي ابعاده ولذلك كان تفاعلهم معه احتفاء مقدم لتحقيق هدف ضمن رزنامة أهداف رامية إلى تقصير المد الحوثي والهيمنة الحوثيفاشية.

ومن خلال الوقوف على غفلة الحوثيين واتباع صالح عن قادم الأيام ونزيف الموارد, جراء اتباع أساليب عجلت بالنزيف والجفاف للموارد يتكشف حال فشل واسع.

وتلا ذلك إرتدادات جعلت الحوثيفاشين في مأزق كبير خاصة حيال الوفاء بحقوق موظفي القطاع العام والذي يعد العجز عن الوفاء تجاههم برواتبهم يعني سقوط المؤسسات والهيئات والإدارات الحكومية من يد الحوثيين واتباع صالح, وهذا أمر محتم لن يكون بالمقدور ايقافه البتة مهما حضرت لغة القمع وهيلمان السلاح.

بل إن السلاح الذي يعول عليه كصمام حماية للبقاء الحوثيفاشي, لن يتجه إلى صدور حامليه من الشق الأخر ممن يندرج توصيفهم موظفين حكوميين قطاع عسكري, كونهم الأكثر تضررا من تأخر صرف رواتبهم عما كان عليه سار مسبقا ومن ثم التأخر أكثر فأكثر وصولا إلى توقف رواتب أفراد من السلك العسكري ثم قطاعات, يرافقه خصميات تحت مسميات مختلفة وقبل هذا توقف كافة المخصصات من المواد الغذائية وغيرها.

وتأخر صرف رواتب قطاعاات مختلفة من الجانب المدني والعسكري أكثر من المعتاد, وفي المقابل تناقل أخبار تجزم بعدم القدرة على دفع مرتبات أعداد متفاوتة من منتسبي القطاع العام, صارت هذه الأخبار تقابل بقدر كبير من التصديق خاصة وأنه سبق وأن كان يتم تداول أخبار بقطع الحوافز والبدلات ومثل عدم اعارتها أي اهتمام صدمة للجميع, وذلك بعد توقفها فعليا والتأكيد بعدم القدرة على تسليمها ولو في وقت متأخر كون الخزينة العامة خاوية.

وهناك كثير من المؤشرات تبرهن على عجز الحوثيفاشين الاستمرار في دفع رواتب القِطاع العام مدني وعسكري في ظل جفاف كل منابع وموارد التمويل ورفد الخزينة العامة للدولة.

ومن أوهن تلك المؤشرات اضطرار الحوثيفاشين إلى ايقاف حرق العملة التالفة والتي كان جرى عمل محضر لارسالها إلى المحرق المركزي في الحديدة.

وتقدر تلك العملة بأكثر من 250مليار ريال يمني, وعدم وجود امكانات تكاليف نقل واحراق وكذلك طباعة عملة بنفس التسلسل, أجبر الحوثيفاشين على اعادة تدويرها واستخدامها لتغطية رواتب جهات حكومية عدة, وهذه العملة التالفة وإن بعثت تساؤلات واستنكار لدى من صرفت لهم إلا أن كثير لا يدرك بعد صرفها.

كما أن الحوثيفاشين يتكتمون ويشددون على عدم تسرب معلومات حولها, لأن معرفة موظفي الدولة بالسر سيعاظم الخوف لديهم حول مستقبلهم ويخلق حالة ارباك كبيرة أواسط تعداد سكاني واسع يرافقها سخط أكبر وذبول في تأييد الحوثيفاشين وهذا من القواصم التي باتت تلوح نذر بشائرها في الأفق.

حيث بدأ السخط يخرج عن اطار التداول الشخصي إلى العلن وبشكل جمعي يتسع مداه كلما تقدم الوقت وتكشف عجز الحوثيفاشين.

ولا يخفى حجم مستوى تراجع التأييد الشعبي للحوثيفاشيين وبالذات في العاصمة صنعاء نظرا لتركز نسبة كبرى من الموظفين فيها وارتباط تسليم الرواتب بها لبقية المحافظات وكونها المركز المالي الذي يغذي اليمن.

وهذا لا يخفى أنه بدأ يقود نحو تشكل وغليان الثورة لدى شريحة واسعة سواء من الموظفين المدنيين أوالعسكريين الذين طالهم ضرر قطع الحوافز والبدلات عنهم وغيرهم ممن ينضون تحت مظلتهم وصاروا في انتظار لحظة الخلاص من الحوثيين وصالح' وهؤلاء يعملون بصمت ولا يرغبون في تكرار سيناريو سابق كلفهم الكثير دون الوصول للغاية المنششودة, وهو ما يعني أن هناك تكتيك قوي للعمل على انهاء السيطرة الحوثيفاشية على صنعاء.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

وكالة أرصفة للأنباءجميع الحقوق محفوظة 2016