اخر الاخبار

إلى صحفيي العالم.. اشعروا بنا حتى لا يغدو 50سم حرية في اليمن: حلم شيع قبل ميلاد الديكتاتوريات بقرون من السواد


وكالة أرصفة للأنباء /نبيل علي الشرعبي

لا نوافذ للضوء.. والمدى فوهة كلاشينكوف.. والحياة تقرها أصبع مسجونة في حلقة زناد البندقية..

نتفس القمع والكبت ونحتسي العزلة ونقتات الصمت.. ليس بمقدرونا أن نعلن إننا نحتضر.. الاعتقال كل الاستجابة وقضبان السجن _المفتقر لابسط مقومات البقاء' فسحة العدالة..

أن تفكر بممارسة العمل الصحفي المهني في اليمن يعني قبولك مقايضة الجلاد بحياتك.. و50سم حرية حلم شيع قبل ميلاد الديكتاتورية بعقود من السواد..

نافذة واحدة مفتوحة إلى روحك.. إنها فوهة الكلاشينكوف.. فهي فقط النافذة الوحيدة التي يمكنك أن تنظر منها..

على مقعد المقهى العتيق كائن تعجز اللغة عن الإتساع لشراهته في اصطيادك, قبل أن تشرع في استنشاق نسمة هواء, يبصق في روحك صارخا إرحل من أمامي قبل ما أحطم رأسك يا وضيع.. يا حيوان.. يا سافل.. يا مطعون الرجولة والشرف.. إلخ..

أنت عامل نفسك عنتر زمانك.. تحاول السؤال طيب ماذا حصل حتى لم أتكلم بحرف واحد.. يصرخ أنت معروف مع من تشتغل.. تشوف قناة العملاء وتنصت لها..

تجيب إنه قناة إخبارية ولست أنا المسؤول على تحديد ما الذي يجب أن تفتح من قنوات.. ايضا هذا ليس جرم.. يرد بل أكبر جرم وتستحق عليه ليس القتل فقط وإنما الشنق والحرق حيا..

أن تشاهد قناة العملاء فأنت كافر ويا ليت يقف عند وصفك بالكافر, وإنما يضيف أنت سافل ووضيع و.... إلخ..

تحاول تجنب الموقف وتهم بالمغادرة يسحبك من طرفك.. إجلس اين ستمشي ما قد علمتك كيف تحترم أسيادك وتحني لهم رأسك..

تبتسم وتتخلص بأدب وتغادر.. يتبعك بضعة مسلحين بلباس مدني ويستوقفونك وسط الشارع ويبادرون بتفتيشك بطريقة مستفزة ومهينة..

ترغب في سؤالهم أو القول لهم هذا غير قانوني ثم تحجم كي لا تزيد الموقف توترا.. تخضع وتدعهم يفتشونك وتسلمهم هاتفك وهويتك الشخصية..

يتحرك بهم واحد منهم وتقبى منتظرا تحت أعين البقية والذين لا يكفون عن توبيخك ولمزك بألفاظ نابية إلى أن يعود المسلح الذي ذهب بهاتفك وهويتك الشخصية ويسلمك إياهم ويطلب منك أن تغادر المكان ويحذرك من العودة إليه ثانية..

وإن تكررت عودتك ووجدوك فلن يدعوك تفلت من أياديهم وسيجعلوك تعرف معنى أن تسمع الأوامر.. فتغادر ويتعقبك شخص منهم.. كريهون إلى مستوى لا حد لوصفه..

وعلى مقعد الحافلة العتيقة صمتك خيانة ونقاشك يجلب لك الوجع.. نضطر للبقاء بين أربعة جدران لفترات تترواح ما بين 12 إلى 18ساعة في اليوم..

لا نستطيع التحدث عبر الهاتف المحمول مع الوالدين والأقارب والأصدقاء إلا همسا.. وكثير ما نضطر فجأة إلى إنهاء المكالمات مع الوالدين أو الأقارب والأصدقاء..

نعيش في سكن كان يستخدم سابقا لإيواء الحيوانات وبلا دورة مياه.. نقضي الحاجة في أماكن رمي المخلفات لأننا لا نملك رسوم دخول دورات المياه المدفوعة الأجر..

19شهرا من التوقف عن العمل جراء السطو على أماكن أعمالنا وطردنا إلى الشارع.. وعدم اتباع نظام التأمين على الصحفي باليمن..

80 أسبوعا من العجز عن مقابلة أمي التي تسوء صحتها كل يوم أكثر خوفا على حياتي.. وكذلك والدي الذي سأت هو الأخر صحته وحالته النفسية.. ومثلهم إخواني..

580 يوما لم أر وجه حبيبتي ( خطيبتي) الريفية ولم أتمكن من سماع صوتها.. عام ونصف على الذكرى الأولى لإرتباطنا ولا أعرف عنها شيء ولم أبعث لها هدية..

أخي الذين كان يعمل مدرسا للغة العربية في إحدى مدارس ريف محافظة تعز تعرض لحادث مروري وفقد ذاكرته ولديه أربعة أطفال لم أتمكن من زيارته حتى اليوم..

ايضا أخي الأصغر ويعمل صحفيا هو الأخر فقد عمله بالعاصمة صنعاء في 7فبراير 2014 جراء اقتحام جماعة الحوثي المؤسسة الصحفية التي كان يعمل فيها مسؤولا لقسم التحقيقات والحوارات والتقارير وطرد العاملين فيها..

إختفى عن أنضر الحوثيين يوم وفي اليوم التالي تنكر وساعده أحد الأصدقاء على مغادرة صنعاء نحو عدن وهو الأن يعمل من هناك وسط بيئة خطرة للغاية من أجل أن يكسب بعض النقود لتأمين رغيف الخبز لوالدينا المسنيين..

فقدت عدد من الأقارب والأصدقاء ولم استطع حضور تشييع جنازتهم وكثير من الوجع... أنا حزين لأجل أمي وأبي وحبيبتي وإخوتي وأصدقائي وحزين أكثر على بلدي..

13920 ساعة ممنوع من سماع الأخبار ومطالعة الصحف.. خشية التنكيل أتلفت كل وثائقي وأدواتي الصحفية وصرت لا أجرؤ على الاحتفاظ بأي قصاصة.. كل ما أحتفظ به (القرآن الكريم_ الكتاب المقدس).. وما عدا ذلك يعرضني للخطر..

خلال أقل من عام تعرضت للإعتقال مرتين.. في 11فبراير2015 وفي 30يناير2016.. كما تعرضت للتفتيش والإيقاف خلال الفترة لأكثر من 13مرة.. ناهيك على تتبع كل تحركاتي طوال الفترة وحتى الآن..

فقدت التواصل مع كل مصادري الصحفية التي أفنيت من أجلها 12عاما.. صرت معزول تماما عما حولي.. العزلة والتشرد تغتال أرواحنا..

كثير ما أغامر بحياتي من أجل الدخول إلى الشبكة العنكبوتية لثلاثين دقيقة في سبيل التواصل مع بعض الأصدقاء ثم أغادر..

أكثر من 60 بالمائة من الزملاء الصحفيين غادروا خارج البلد.. وحوالي 25بالمائة صاروا بلا أعمال و 8 بالمائة معتقليين.. أكبر حالة تنكيل تطال الصحفيين عبر التاريخ..

حوالي 80 بالمائة من المراسلين والمصورين الصحفيين لوسائل الإعلام العربية والدولية إما فقدوا أعمالهم أو غادرو البلد..

إننا نثق أن الافصاح عن وصول حال بعض الصحفيين اليمنيين الذين فقدوا أعمالهم إلى تسول طعامهم أو البحث عنه في براميل القمامة قد يسوء صحفيين.. لكن هذا ما يجب أن يعرفه صحفيو العالم فيا صحفيو العالم.. اشعروا بنا..

يا صحفيو العالم وأنا أبعث إليكم بهذه الكلمات المرة لا أهدف من الحديث على لساني إبراز معاناتي فقط.. بل أردت من خلالها أن أضع نفسي في مقدمة المشهد حرصا على ألا أجرح كبرياء زملائي..

أكرر .. إن ما سردته عليكم ليس خاص بحال شخصي فقط وإنما تلخيص لحال كل الصحفيين اليمنيين الواقعين تحت مقصلة تكميم الأفواه ومصادرة الحريات.

ونحن نعيش هكذا مأساة فإننا نؤمن بحقيقة أن أي صحفي عبر العالم هو جزء من الأسرة الصحفية في كل بقاع الدنيا..

وحلمنا يا صحفيو العالم.. نحن صحفيي اليمن 50 سم حرية فقط.. فهل بمقدروكم أن تحققوا لنا هذا الحلم..

أم أن حلم الصحفي اليمني المختزل في 50 سم حرية صار بعيد المنال وشيع قبل ميلاد الديكتاتوريات بقرون من السواد.. وعلينا أن نختصر بقية حلمنا في هذه الكلمات من قصيدة "في جوف حوت" للشاعر خليل حاوي.. (ومتى يمهلنا الجلاد.. والسوط المدمى فنموت..)..!.

أو علينا أن ننسف كل أخلاقيات وشرف المهنة ونمر من فوق نزيف أرواح الفقراء والبؤساء والمشردين نحو المتربع كرسي عرش البلد ونكيل له المدائح..؟!.

نثق بأنكم لن تقبلوا المساس بقدسية الأمانة الصحفية ونحن نكرر العهد بالوفاء.. ونأمل أن تشعروا بنا.. ولتكن 50 ثانية تتوقفون فيها على أعمالكم تضامنا مع صحفي اليمن.. لكي يتحقق لهم حلم 50 سم حرية..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

وكالة أرصفة للأنباءجميع الحقوق محفوظة 2016