اخر الاخبار

حوالي680 مقاول خلف القضبان في العاصمة اليمنية وأخرون مصابون بحالات نفسية

وكالة أرصفة للأنباء/ليلى السيد

كان الوقت يتدفق ويجز أميال الثواني من ساعات النهار ليتوغل الليل موحشا في أفئدة الفارين من قيض العيون الشاردة.. المثقل اصحابها بحمل اسلحة روائحها تزكم السكينة وتشرب قرارة الأنفس.

على رصيف أحد شوارع العاصمة صنعاء وقف يفتش في المدى عن بصيص حلم.. شاب في الثلاثينيات من عمره كان يقلب بصره في الأفق والوقت يزحف باتجاه المساء.. وبينما اتكأ المساء على شرفات المدى.. تحرك الشاب بضع خطوات وتوقف ليسند ظهره على خشبة عمود كهربائي هجر التيار الكهربائي منذ ما يقارب 11شهرا طقس توغله في الشبكة الممتدة عليه.

تنهد الشاب وردد ايه رعى الله أيامك يا مقاول(.....) كنا عايشين أمراء وكانت الفلوس لا تجف من جيوبنا, لكن منذ تحولت صنعاء إلى سيرك للجنون, بدأت الأحوال تتغيير سلبا حتى توقف نبض العمل.

وأضاف الشاب قبل عامين في مثل هذه الأيام ونحن نعود من المشروع على سيارة المقاول للسكن ونغتسل من آثار العمل ونغير ملابسنا ويأخذنا المقاول للمطعم ونتعشى ثم نتجه سوق القات ويأخذ لنا من علاقية قات على حسابه ونسمر.

والله ما الغبن إلا عليك يالمقاول(.....) ما كنا نخاف الكيس الدقيق سيخلص في البيت, هذا نحن عمال الأجر اليومي أما المقاول فكان لا خوف عليه, لكن الأن صارت أسرة المقاول لا تجد ثمن رغيف الخبز لأيام فكيف نحن الشقاة عمال الأجر اليومي.

الله لا يسامح من كان السبب.. مش قادر أحصل ألف ريال يمني ليس من أجلي بل من أجل أروح أزور المقاول بالسجن وأسلم عليه وأقل شيء يكون معي نفر فول وكيس خبز وباكت سيجارة أجيبهم له, أرد له الجميل على قدر حالي مع أن رد الجميل صعب فقد كان يغدق علينا كثير ولم يبخل يوم على عماله أبدا..

يا أخي حال يفطر القلب.. رحت ازور  أولاد المقاول ما لقيتهم.. سألت قالوا لي أين كنت راقد.. المقاول بالسجن وقد باع كل شيء ليسدد الديون التي عليه وما كفت والبيت ايضا باعها وأسرته سافرت القرية.. لكن قالوا إن واحد من أولاده جالس في صنعاء يبيع ثلج عشان يوفر مصاريف لإخوانه وأمه ويتفقد أبوه..

قطع حديثة وجلس على الرصيف مواريا وجهه حتى لا يبصره أحد يبكي فقد اعتاد طوال عقد من الزمن قضاه في العمل مع المقاول(......) وكان دائما ما يقول له المقاول بكاء الرجال عيب.. الرجال ما تبكي مهما وقع عليها.

~توقف وظيفة الدولة ~

إن توقف أو بالأصح تجميد وظيفة الدولة منذ مطلع العام 2015, توقفت كل الأنشطة التي كانت مرتبطة بوظيفة الدولة, وتوقف معها البرنامج الاستثماري وكل ما يتصل به ومعه توقفت إجراءات تسليم حقوق المقاولين, وكان هناك بصيص ضوء يرتكز عليه المقاولين وذاك البصيص هو أعمال المقاولات غير الحكومية وإن كانت لا تفي بالحاجة لكنها تسد جزء متواضع منها, إلا أن انهيار المنظومة الأمنية وغياب سيادة الدولة ولد فزع لدى الخاصة وتوقف جراءها قطاع المقاولات في العاصمة صنعاء كليا مخلفا مآسي لا حدود لها.

وفي العاصمة صنعاء يختصر حال المقاولات في مشهد فاجع, مقاولون خلف القضبان وأخرون تم وضع اليد على كل ما يملكون.. منهم من غادر صنعاء ومنهم عاد معدم مسقط رأسه ليتصدق عليه الأقارب وغيرهم أفلت من قبضة المطالبة وهاجر خارج اليمن وبقت أسرته في وضع بأس ولا تستطيع أن تغادر مكان لأن من حولها ينظرون إليها على أنهم لصوص, وهناك مقاولين انتحروا ولم يجرؤ أحد على بث أخبارهم ومقاولون فقدوا عقولهم ومقاولون دخلوا في حالة نفسية وتفككت أسرهم وطلقت زوجاتهم ومنهم من وصل به الأمر إلى قتل أحد أقاربه بسبب الضغوط وغير ذلك من الفواجع.

ويقبع خلف قضبان السجون في العاصمة صنعاء أكثر من 680مقاول وجنحتهم العجز عن الوفاء بحقوق الغير.. فيما مستخلصاتهم الخاصة بتنفيذ مشاريع الدولة والمقدرة بمئات مليارات الريالات مجمدة ولم يتم تسوية أو معالجة حالتهم بل تعقد الوضع وحقوقهم صارت في حكم المعدوم.. فمن ينصفهم وكيف وممن..?

~من بوابة للمقاولات إلى سجن للمقاولين~

فكيف غدت العاصمة اليمنية صنعاء سجن للمقاولين بعد أن كانت بوابة كبيرة لعالم المقاولات, بحكم تركز نشاط إدارة الدولة فيها وارتباط كبار المسؤولين بالاقامة فيها, وارتباط اجراءات كثير من الانشطة التجارية بمصدر ومركزية القرار.

مما قاد إلى تدفق واسع نحو صنعاء لكثير من رأس المال وتحولها إلى سوق مزدهرة بكل الأنشطة نظرا لطبيعة التركيبة السكانية فيها والتي يغلب على النسبة الغالبية منها طابع البرجوازية, وافراز ذلك لعملية انفاق باذخة على كل مناحي الحياة, وقابل هذا تكثيف مجمل النشاط الاقتصادي.

وجراء ذلك كان لعملية البناء والاعمار في صنعاء حتى مطلع العام 2015 نصيب وافر في خارطة النشاط الكلي, مما فتح مجالا واسعا لقطاع المقاولات لخوض غمار منافسة قوية, وصار الكل يتنافس على الفوز بحظ وافر من مناقصات بناء واعمار مساكن المسؤولين الفارهة ومثلهم المشائخ والبرلمانيين والتجار والاقطاعيين ....إلخ.

وايضا مما عزز من تواجد قطاع المقاولات في صنعاء ارتباطه باجراءات المناقصات والمزايدات والمشتروات الحكومية, وجراء ذلك كانت بوابة للمقاولين ومعها ازدهر نشاط المقاولات وتحولت كثير من رؤوس الأموال للاستثمار فيه جاذبا معه عشرات الألاف من الأيادي العاملة بمختلف مكوناتها.

لكن هذا القطاع منذ مطلع العام 2015 تحول إلى كابوس ومن بوابة واسعة لرفد خزينة الدولة بعوائد مالية ضخمة إلى بوابة كبيرة للمرور نحو السجون.
_~~~~~~~
تنويه:
مراعاة للوضع الخاص بالمقاولين وأسرهم تم التحفظ على نشر أسماء وكثير من المعلومات ويجري صياغتها بطريقة لا تضاعف عمق الجراح..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

وكالة أرصفة للأنباءجميع الحقوق محفوظة 2016