نبيل الشرعبي
____________
اعترف أني ما زلت غر على الكتابة عن وطن جميل بحجم إنسان عبدالرحمن بجاش، والذي أجزم أن البدء أو سبق اسمه بتوصيف صحفي أو كاتب أو أحد عمالقة الاعلام والسياسة اليمنيين، أجزم أن ذلك لا يضفي على حضوره الكثير في ميادين الوفاء للوطن وكذلك تدفق شلالات الكتابة النقية على إنسان الوطن المتكسر فوق أقبية الموت، لا يضفي له شيء بل يحاصره ذاك التوصيف وأيضا به يصير التوصيف أنيق، أما هو _ أي الإنسان عبدالرحمن بجاش، فهو جوهر نقاء الإنسان الذي لا يقبل إلا أن يكون واحد من عامة الناس البسطاء، يمهر بـ "نون.. والقلم" حكايات وطن يتدفق وجع عبر أقاصي تضاريس الزمن لينصب في روحه حلم يسافر في ترانيم الفجر..
بتواضع جم.. أؤكد أني لم أظفر بالتعرف عليه عن قرب أو الحديث معه إلا مرة واحدة جمعتني به حافلة نقل ركاب من صنعاء إلى تعز وكان متواجد معنا الزميل وهيب النصاري وبضع صحفيين أخرين، عام 2006، وبلطف وبسمة ما زلت أحتفظ بعذوبتها حتى اللحظة، قدم نفسه لي والصحفيين المتواجدين على الحافلة_ اسمي عبدالرحمن بجاش، وقاطعته حينها قائلاً: الاستاذ عبدالرحمن بجاش، لا يحتاج إلى تعريف.. ثم استرسلت بالحديث عن روعة "حكايات العم قاسم"، وغيرها.. وهو ينصت لي حتى أحسست بحرج كبير ولزمتُ الصمت، وأستغل فرصة صمتي وهمس قائلاً: قبل أن أسألك ما اسمك، أطلب منك ألا تذكر كلمة أستاذ قبل اسمي في أي لقاء قادم يجمعنا، ثم أتبع قوله عدني بذلك، وهززت رأسي كموافقة على الوفاء بوعدي له، ومرة آخرى همس شرفني بمعرفة اسمك، قدمت نفسي ومكان عملي آنذاك_ صحيفة الأسبوع، فأمسك يدي حيث كنت على مقربة منه، وتحدث مع بقية الزملاء لدقائق، وهو ما زال ممسكاً بيدي ثم ألتفت لي وسألني: ما أخبار حسن العديني..؟ ولم يسمح لي بالرد، وواصل حديثه على زمن عاشه مع حسن العديني في شوارع تعز وخص بالذكر منها شارع جمال، وظل يحدثني عن تفاصيل عزم وطموح الشباب خلال السبعينات و.... ولم أرغب في أن يقطع حديثه حتى توقفت الحافلة في منطقة "حِليل" تقع مشارف محافظة إب كما اعتقد إن لم تخني ذاكرة المكان، وقبل أن ننزل من الحافلة قال تريث لثوانٍ، ثم همس تصدق يا نبيل شرعبي أني أحسد حسن العديني على مقال كتبه على شارع جمال عبدالناصر بتعز، ولا أخفيك أني اتمنى لو كنت كتبته أنا لكن حسن العديني يسبق رفاقه على الدوام، وأخبره أن قلتُ لك ذلك وأني كنت على استعداد للتنازل له على كل ما كتبته مقابل أن يتنازل لي عن ذاك المقال فقط، وختم حديثه بالقول لا تستغرب هكذا كنا نحن شباب جيل السبعينات، وأنصحك بالجلوس إلى حسن العديني، وغادرنا الحافلة وهو ممسك بيدي لتناول وجبة العشاء في مطعم شعبي..
كان ذلك هو الزمن الوحيد الذي اتاح لي القدر فيه لقاء الإنسان الكثير عبدالرحمن بجاش، والذي أزداد كل يوم احساساً بأني ما زلت معه مذ ذاك الزمن حتى الآن وسيدوم هذا الاحساس بأذن الله حتى تفنى حياتي..
استعيذ بهمسك
من صعقة الطاعون
فاغسل دمعي الصغير بأحجية الرماد
يولد من خريف الليل فجر دافء..
من صعقة الطاعون
فاغسل دمعي الصغير بأحجية الرماد
يولد من خريف الليل فجر دافء..
عبدالرحمن بجاش_ إنسان الزمن الجميل وقديس الصمت العذب في زمن الطاعون.. استغفر للرفاق ونحن الأبناء الجاحدون، فقد جرف سيل العرم كثير، والذئب يترصد بالبقية، وأنت ترتب وحدك أنشودة البرق وأيقونة الرعد..
أيها الرفاق ألم يحن الوقت لتهطلوا غيمة على نوافذ الفجر الذي صار غريب في أجندة حياتكم.. الإنسان عبدالرحمن بحاش.. أجزم أنه حان الوقت، فتحسسوا أرواحكم وأجعلوا بجاش يبتسم ويغني "هل رأى الحب سُكارى مثلنا".. ولا تجعلوه يذوي في غمرة النسيان..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق