مصطفى ناجي الجبزي*
______
اشتعلت الصور الشخصية لليمنيين "الحقيقيين" ولاكثر اليمنيين على صفحات الفيسبوك بشعار يحيي مبكرا ذكرى ثورة السادس والعشرين من سبتمبر التي قامت عام ١٩٦٢ لتنهي حقبة طويلة من أقبح وأبشع أشكال الحكم والهيمنة والكهنوت في شبه الجزيرة وفِي العالم الاسلامي..... منذ الفاتح من سبتمبر استبدل الناس صورهم باطار يحيى هذه الثورة المجيدة. ولن أقف طويلا عن الحديث عن هذه الثورة وهي في الحقيقة تستحق وقفة ووقفات طويلة متأنية دارسة. لكني سأتحدث عن دوافع هذا الاحتفال.
وينبغي الإشارة هنا الى ان مجموعة الأقيال وهي حركة أحيائية للهوية التاريخية اليمنية هي التي دشنت هذا الاحتفاء المبكر. وقد تزامن الثلث الاول من شهر سبتمبر مع احتفال الحوثيين رسميا وبشكل صارخ ومستفز بمناسبة دينية تخصهم كثيرا هي عيد الغدير او بالمعنى السياسي البسيط عيد التمكين الالهي لأسرة معينة من قريش في حكم المسلمين.
في عودة سريعة للتاريخ السياسي اليمني خصوصا في الشمال نجد انه منذ نهاية الستينيات ترسخت جذور الجمهورية بعد صراع كبير بين الجمهوريين يقوده ضباط ومثقفون وتجار تقدميون وتحالف قبلي ديني يوالي الأئمة ولكن بقيت الملكية تعيش وتعشعش في احشاء الجمهورية نتيجة الصفقة التي أبرمت والمصالحة الشائهة ودور بعض الأطراف التي دفعت بطرد رمز الجمهورية المشير السلال من اليمن وعودة اعوان الملكية الى البلاد.
صار النظام جمهوري ويقطع أشواطا كبيرة نحو الجمهورية بما لها من مضامين أساسية في دمقرطة وتعميم التعليم والصحة والوظيفة العامة والمساواة بين أفراد الشعب وإسقاط التراتبية الكهنوتية بين الناس وتضمين الادارة العامة حسا علمانيا جرى تنفيذه على يد العسكر.
لكن النمل الأبيض الملكي استمر في بناء مملكة الطين وفي امتداح وتعظيم الحنين للملكية وخلق تصور شعبي عن محاسن الإمامة وعدل وتقى وعبقرية وفرادة الامام على عكس الرواية الرسمية الجمهورية.
لم يكن طريق الجمهورية سالكا ولم تكن مقاربتها مثالية وتعامل القائمون عليها بطريقة شوهت الجمهورية. لذا ضلت الأمامية تمتهن الجمهورية من داخلها بسبب اخطائها وتتعزى عن خسارتها المعركة بسبب الجمهورية بأن الامامية افضل. وتقدح في هذه الثورة وتقلل من شأنها وتختصرها في صراع قبلي تارة او صراع في اجنحة الحكم او تجرمها باعتبارها انقلابا وتمردا مذموما ليس إلا.
استمر الحس العام يترحم على الامام في الأوساط الشعبية بأنه هناك عدل وامان ومناقب زائفة وسيادة مطلقة هي في الأصل سجن كبير كما استمر الجمهوملكيون الذين دعمتهم السعودية يكنون العداء للسعودية ويغذونه ويقدحون في الجمهورية التي تقاربت مع السعودية من دونهم. وهنا واحده من اهم القضايا الزائفة هو العداء للسعودية. العداء الشعبي اليمني في الشمال للسعودية يحتاج الى اكثر من مقاربة عاطفية
لان أئمة الْيَوْم الذين كانوا يد السعودية في اليمن صاروا يتهمون الآخرين بالعمالة للسعودية.
عودة الى سبتمبر، لقد دأبت السلطات الرسمية الجمهورية بالتعامل مع هذه الذكرى بشكل رسمي جامد ومحدود ورسمته بشخص الرئيس صالح الذي كان ميدان الاحتفال يزخر بصورة عملاقة له بينما يغيب عن الميدان صور الرموز الأبطال الدين قدموا ارواحهم في هذه الثورة وصالح الذي احتفل بهذه المناسبة أكثر من ثلاثين مرة وكأنه هو سبتمبر وسبتمبر هو وذهب يزيف التاريخ ويجعل من نفسه احد ابطال هذه الثورة.
كان تعاقب الأيام والسنين على ثورة سبتمبر ودخول البلاد مرحلة ما بعد الوحدة التي تزامنت مع انهيار اقتصادي وحرب واقصاء قد أنسى الناس ثورة ٢٦ سبتمبر وعلى ماذا ثارت وأي حكم بغيض كان هو حكم الأئمة الذي مزق الشعب وافقره وأذله.
مع الأيام تراجع الاحتفال بسبتمبر شعبيا وصار الاحتفال الرسمي باهتا زائفا فيه من النفاق والكذب والاستعراض الكثير خصوصا بعد ان فقد سبتمبر روحه التواقة الى التغيير واالانعتاق.
كانت ثورة فبراير ٢٠١١ قد أعادت الى سبتمبر روحه وجرى حفل شعبي في ساحة التغيير بهذه الذكرى كما لو ان الشعب استرد حقه في الاحتفال.
لكن بلوغ الحوثيين السيطرة على مقاليد البلاد خصوصا المناطق الشمالية الجبلية والاستيلاء على صنعاء وشنهم حربا على اليمنيين بذهنية طائفية ثأرية واحتكارهم للمناسبات واغماط حق الناس في الاحتفاظ بتاريخهم وفرض تواريخ ومناسبات جديدة طارئة على اليمنيين دفع بالناس الى التشبث بحقهم التاريخي.
كان الاحتفاء بسبتمبر يتوقف على يوم ٢٦ بينما الحوثيين وحسهم وممارساتهم الأمامية جعلوا الشهر جله ذكرى لهذه الثورة.
ثم ان روحهم الطائفية والسلالية ولدت لدى الناس حس النضال والرفض من خلال الرموز. إلا ان التشبث بسبتمبر الثورة والجمهورية يعكس وعيا كبيرا وحرصا لا نظير له في توجيه المعركة الحالية وهي معركة بين طريقتين في الحكم؛ امامية كهنوتية عنصرية واُخرى جمهورية "علمانية - واقولها تجاوزا- ديمقراطية. اي ان الشعب اليمني يرفض الحكم الكهنوتي الديني ويقابله بدعوة الى حكم دولة جمهورية ديمقراطية. وهنا دليل ضاف على ان الذي ينفخ روح الطائفية والتطرف في اليمن هو الحوثي وحده ولا شريك له الا تنظيم القاعدة وهما وجهان لعملة واحدة ولا يمثلان اليمن الكبير.
امام الغدير - هذا الشأن العائلي الذي يحاول زيفا تاكيد أحقية الحكم للخصية الذهبية بتعبير الدكتور حبيب سروري - يعلي اليمانيون سبتمبر كرمزا وطنيا يتجاوز المذهب والطائفة والتاريخ الضيق ويذهب الى استحضار امجاد اليمن الكبير.
* تنويه: من صفحة الكاتب بالفيس بوك..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق