اخر الاخبار

ويسألونك عن الحديدة!



د_ بلقيس علوان
________&


ويسألونك عن الحديدة!، قل: هي أرض الناس الطيبين المسالمين الفقراء.

قل: هي الميناء والموارد والاقتصاد الناهض الذي ينبغي أن يكون.

قل: هي مدينة التجارة والصيد والصناعة والسياحة والدخل الأعلی للمواطن كما يفترض.

لكن واقع المدينة يقول غير ذلك تماماً.

يصفعك الفقر والعوز حيثما يممت وجهك فيها، لا وسط أبداً: سواد أعظم ممن طحنهم الفقر بإمعان، وقلة لم تطلهم الأزمة.

بالمنظور الاقتصادي والعلمي، تملك الحديدة كل مقومات النمو الاقتصادي والحضاري شأنها شأن الموانئ العالمية.

لكن ثمة أيد خفية، أمس واليوم، تحرص علی أن تظل الحديدة فيداً للغادي والرائح.

ملفات الأراضي والميناء واستغلال الوظيفة العامة وملف الكهرباء والمياه وملف الإغاثات الإنسانية كلها ملفات طافحة بالفساد، ولنقل إنه فساد من لا يخشی المساءلة، بل من هو في مأمن عنها.

التقارير الدولية والمحلية تقول إن الحديدة دخلت فعلاً مرحلة المجاعة، «الشرعية» تعلنها منطقة منكوبة، في حين يحذر «الحوثيون» من أن السيطرة علی الميناء ستجعل المجاعة تعم المحافظات الشمالية.

سيقول البعض: هذا حال أغلب المدن اليمنية شمالاً وجنوباً.

لكن سأقول: الحديدة تفوق كل ذلك، ودعونا نقترب أكثر من تفاصيل تجلي لنا الأمر مهما كان حجم الوجع قبل أن نعرج علی خلفيات ما أوصل الحديدة لما هي عليه الآن.

ما الذي يمكن أن تكونه كمواطن يعيش في الحديدة؟ صياداً؟، موظفاً حكومياً حتی درجة وظيفية معينة؟، عاملاً في مصنع؟، موظفاً في القطاع الخاص بأجر لا يتجاوز الثلاثين ألفاً في أحسن الظروف؟ لا تحلم بأكثر من ذلك!

ثمة سقف من الصعب تجاوزه للسواد الأعظم من الناس في الحديدة، والفرص محدودة جداً.

هل تعلم أن الأسرة في الحديدة يمكن أن تعيش يومها ولا يتعدی ما تنفقه علی طعامها الخمسمائة ريال، أي أقل من دولارين، ترسل الأم طفلها للبقالة ليشتري زيتاً بعشرين ريالاً، علماً أن أقل عبوة زيت يتجاوز سعرها الأربعمائة وخمسين ريالاً، ومن المعتاد أن يقوم البقال بتقسيمها في أكياس حرارية صغيرة ليبيعها مجزأة.

قليلون في الحديدة يستطيعون شراء أصغر عبوة زيت كاملة.

الموظف الحكومي في الحديدة بلا راتب منذ أكثر من تسعة أشهر. بلا دخل. وبلا بدائل.

في السنوات الثلاث الأخيرة سرّحت أغلب مصانع الحديدة أعداداً كبيرة من عمالها ليجدوا أنفسهم بلا عمل، في حين فقد الباقون امتيازاتهم وأصبحت المصانع تخيرهم بين العمل بلا أي امتيازات، كتوفير المواصلات وترك العمل، ولذلك يهرع العامل علی دراجة نارية يدفع أجرتها من جيبه ليلحق بعمله في المصنع.

مصنع أسمنت باجل توقف تماماً وآلاف المواطنين، ومن خلفهم، أسرهم فقدوا مصدر دخلهم.

ما الذي يجعل مصنع أسمنت يتوقف عن العمل؟

إنها توليفة من الفساد وسوء الإدارة والأيدي الخفية أيضاً.

الصياد الآن لا يجرؤ علی التقدم أمتاراً طلباً لعطاء البحر، لأنه سيقصف، لم يعد الصياد قادراً حتی علی تدبير قوت يومه بعد أن كان رزقه، علی قلته، يتجدد مع كل صباح.

هل هي سنوات الحرب، وقد طال القصف في الحديدة الميناء والمطار والجامعة وحتی حي الهنود الأشد فقراً؟

الحديدة حتی قبل ثلاث سنوات وهادي رئيساً في صنعاء، وقبلها وصالح رئيساً لأكثر من ثلاثة عقود هي الفيد السهل: جامعتها معبر الأكاديميين الذين يحصلون علی درجة أكاديمية فيها، وفي أقرب فرصة ينتقلون إلی جامعات يمنية أخری، الوظيفة العامة، من منصب مدير عام فأعلی، امتيازات ومكافآت من صنعاء مركز الدولة للمرضي عنهم.

كان حظ الصيادين قليلاً لأن شركات كبری وشخصيات نافذة هي من تسيطر علی عملية الصيد، ولصيادي الحديدة الفتات.

أما أراضي الحديدة، فلا تستغربوا أنها كانت وما زالت الغنيمة السهلة لأي نافذ أو مشتر بثمن بخس.

مادة الغاز المنزلي والاستثمار فيها حكر علی أسماء محددة لا تسمح لأي جديد الدخول بينهم أو معهم، باختصار يشنون عليه حرباً شعواء حتی يتأدب ويبتعد عن الاستثمار في تجارة الغاز المنزلي ألف قدم.

ما هو حظ مواطني الحديدة أمس واليوم، وكثير منهم يسبحون بحمد «عمنا علي» وينتمون لـ«حزب المؤتمر الشعبي العام»؟ بل إن كثيراً منهم يرددون «سلام الله علی عفاش»، وكأنهم كانوا في الجنة في عهده، لكن الحمی تظل أهون من الموت!

تظل الحديدة الجغرافيا والإنسان مدينة منسية ومستلبة أمس واليوم، وتدفع ثمن سلميتها ومجاورتها للبحر، لم تنصف ولم ينعم مواطنوها بخيرها.

يأتي صيف 2017 قاسياً علی ساكني الحديدة، يشويهم الحر في ظل انعدام الكهرباء، ولا توفر الطاقة الشمسية التي صارت خيار المضطر أكثر من الإضاءة، التكييف والمراوح لا تعمل بالطاقة الشمسية المحدودة المتاحة للبعض.

عشرات الآلاف من مواطني الحديدة نزحوا هرباً من الحر القاسي والجو الخانق.

آلاف يسكنون دكاكيناً وبيوتا شعبية بسيطة في صنعاء، ذلك أهون عليهم من حر الصيف.

أما من تقطعت بهم السبل ولا يملكون حتی ما يتطلبه انتقالهم لمكان آخر، فلا خيار أمامهم إلا قضاء الصيف في بيوتهم الخاوية.

تلك هي الحديدة...

تری كيف سيحل العيد علی ساكنيها ونازحيها؟ في الوقع... لن يكون أكثر من مرثاة...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

وكالة أرصفة للأنباءجميع الحقوق محفوظة 2016