اخر الاخبار

متاهات "51"



ضياف البراق
________&


الذين جاءوا إلى الحياة؛ لهفاً عليها، حُمقى جداً؛ غفلوا كثيراً هرطقة هذا الظِّل المُبتذلِ المُكرر، وتجاهلوا مِراراً، أبعادهِ الوهمية اللاهثة في نرجسية  الوقت. لذا كانوا على حق عندما جاءوا موتى وانصرفوا في ذات الوهلة الهزيلة. نحنُ القادمون من الوراء إلى الوراء؛ نخاف أن نفكر، أن نتأمل ملامحنا في المرآة. نعشقُ الحب في خريف اللغة ونحلم نادراً في قاع الفراغ. جئنا إلى هنا بمحض الصدفة، جئنا بلا قدرٍ، دونما اشعارٍ أو قرار، جئنا كي نحرر الحياة من ديمومتها البريئة ونخنق رئة الأرض، بالجثث ودخان التعازي وبالتشابيه الكبريتية. نحنُ نصيحةٌ عاقرة لطفلٍ غريب تعثَّرتْ كينونته بُؤساً عند أقدامنا الشوهاء، بل غيمة سوداء يطاردها الفضاء الأصم في نتوءات البارحة. نستريحُ كالزمان الصريع إذا ما سقطنا في موضة الهزيمة ونكبُرُ للأسفلِ في شُبهة الكلام. 

لستَ وحدكَ يا هابيل.. ولسنا أيضاً! جميعنا ضحايا الغرام إلى دون الحقيقة، ضحايا النصوص الكهربية، المهزوزة التردّد، العميقةُ المغزى، المُتناقضةُ في الطيف واللحن. جميعنا نحبكَ في آهاتنا القصوى، ونمضي على خُطاكَ الحزينة. 

كُنتَ يا هابيل، غريباً، مُضحِكاً، ضئيلاً، في كل مرّةٍ  تُذْبَح فيها من قريب. كُنتَ مُتألقاً في تلاوة الدهشة العاجلة؛ إذا غربتَ بعيداً عن شهقة السؤال اللقيط. وإذا دُفِنتَ في قيء الإجابة؛ كُنتَ تصمتُ مُكرهاً، وتتأملُ قليلاً في مداكَ الأسير.!

بعدما نموت، سننجو من روائحنا واسمائنا، لا محالة - يا هابيل. فقط، كُنْ واثقاً بأنكَ لم ولن تحيا حتى ربع ثانية واحدة كما تريد. ومُحالٌ أن تُنْسَى من هذه الذاكرة الخبيثة. أنتَ جديدٌ  فينا، قريبٌ إلينا، وكثيرٌ بيننا؛ في كل القوانين والترجمات وفي تركيبة الزمكَان.! 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

وكالة أرصفة للأنباءجميع الحقوق محفوظة 2016