اخر الاخبار

الجوع واقتصاد الميليشيات



هشام محمد 
_______&


لاشك أن الحروب تشكل كارثة على المجتمعات بشكل عام، وتكون أكثر كارثية وأكبر ضرراً على المجتمعات ذات الإنتاج الإقتصادي.

فبالإضافة إلى أنها تنال حياة كثير من المدنيين الأبرياء بالقتل أو التهجير أو الإخفاء القسري أو الإضطهاد لأسباب مختلفة أو فقدان الممتلكات، فإنها تشكل كارثة اقتصادية على المجتمعات المنتجة، لناحية الوقت الضائع.

وعلى النقيض من ذلك، تكاد تكون الحروب بالنسبة للمجتمعات الأكثر خوضاً للحروب موسماً للإثراء السريع، وهنا تكون الحرب بالنسبة لهم فرصة عمل.

إن أمراء الحروب يتعاملون مع الحرب، بالرغم من أوجاعها، كمشروع استثمار يحرصون على تطويره والمحافظة عليه. لا يفوتون فرصة توفرها الحرب لاستثمارها للإثراء بطرق مختلفة.

فهم يلجأون إلى النهب والسلب لكل ما يقع تحت أيديهم من مخصصات الحروب من الموازنات وبيع الأسلحة، أو نهب ممتلكات الطرف المغلوب، والممتلكات العمومية، وفرض الجبايات المالية، وتجارة العملة... إلخ.

وفي الحالة اليمنية، لم يعد خافياً حجم الكوارث والتبعات التي يتسبب بها هؤلاء، سواء على الإقتصاد الوطني والعملة الوطنية، أو على المجتمع بشكل عام، إن في المناطق التي تسيطر عليها ميليشيات الحوثي، أو التي تحت سيطرة الحكومة.

فالمجاعة صارت مؤشراتها ظاهرة للعيان في عدد من المناطق بغض النظر عن المتسبب بها والمتحكم فيها، ومؤخراً تداولت وسائل التواصل الإجتماعي أنباء عن عدد من حالات الوفاة جوعاً. 

لقد كانت أولى تبعات الأزمة الإقتصادية انهيار أو انتهاء الطبقة الوسطى من المجتمع، والتي تتمثل في موظفي الدولة.

فتزامناً مع اتخاذ الحوثيين قرارات اقتصادية مفاجئة، ارتفعت أسعار المواد الغذائية والسلع الإستهلاكية الأساسية بشكل جنوني، وغير منطقي، منذ اللحظة الأولى للقرارات، في ما يشبه اتفاقاً أُبرم مسبقاً بين التجار وسلطة الأمر الواقع، لامتصاص غضب العامة بسيناريو رقابة للأسعار هزيل، لم يستمر أكثر من شهر، ثم أُطلق العنان للتجار في رفع الأسعار.

من الملاحظ أن سيناريو السيطرة الإقتصادية للمستفيدين من الحروب لتكوين امبراطوريات اقتصادية يبدأ في وهج الفوضى، مستنداً إلى القوة بعمليات النهب والسلب لكل ما يمكن السيطرة عليه، سواء باختلاق المبررات والتهم المختلفة، أو بدونها.

فالسلاح هو سيد الموقف، ولذلك تكررت الصورة القديمة لنهب مدينة صنعاء في الأربعينيات، التي نهبت فيها ممتلكات المواطنين، لكن هذه المرة كانت على مرأى ومسمع من العالم، وتحت شعارات وهتافات ذات ادعاءات مثالية، وخطاب ثوري يزعم الإنتصار للناس من الفساد، ويقصدون به فساد الدولة، ولذلك استبيحت مؤسسات الدولة بشقيها المدني والعسكري، إلى جانب ممتلكات كل المعارضين لها، والتي أبيحت لنهب الميليشيات قيادات وأفراداً، على مرأى من المبعوث الأممي، الذي بارك كل ذلك بصمته، وساعد في التعمية على المجتمع الدولي.

ولم يمر وقت طويل حتى انعدمت المشتقات النفطية من محطات البنزين، وظهرت الأسواق السوداء التي تتبع قادة الحرب والتجار المتعاونين معهم، والذين توسعت أعمالهم بشكل مهول، وكانت تلك بداية تحصيل المكافآت ذات العائد المالي الكبير، والتي توازي مكافآت قادة الجيوش والمتعاونين معهم قديماً، الذين كان يسمح لهم الإمام/ الملك القائم على الحكم في دولة الأئمة عادة بالنهب. كما تمت لاحقاً مكافأة القادة بتعيينات في المناصب العليا.

وعندما أصبح الفضاء الإقتصادي ذو المردود المالي السريع والهائل خالصاً لسيطرة القيادة، كان لا بد من مكافأة الصفوف التالية لكسب رضا القيادات الميدانية والأتباع والمناصرين، والشرعنة لاستمرار تلك الموارد الإقتصادية الهائلة بحوزة القيادات، وأيضاً درءاً لتذمر أو ثورة الأتباع من جهة، ومن جهة أخرى التنصل من التبعات والالتزامات المترتبة على الجماعة تجاه المناصرين والمقاتلين، باعتبارها صارت تسيطر على مؤسسات الدولة.

وتحول اهتمام قادتها إلى الوظيفة العامة، فكانت مكافآت المناصرين من الأفراد العاديين الأقل حظوة، كون الوظيفة العامة بحد ذاتها حلم ذو مردود مالي مستدام، يملأ عين البسطاء من الناس الذين يقتنعون بالقليل في حياتهم اليومية، بالإضافة إلى أن تكاليف الوظيفة تقع على عاتق الخزينة العامة.

وهي الخطوة التي كانت بديلاً لعملية السماح بنهب منازل سكان المدينة، على غرار ما كان يحصل في كل اقتحام لمدينة صنعاء، فهي خطوة تؤدي الغرض نفسه ولا تحدث دوياً كعملية النهب للمساكن.

وبذلك، كانت الجماعة تراعي الرأي العام الدولي، بخطاب أخلاقي تسامحي، لكن ذلك لم يمنع قياداتها الميدانية من اقتحام ونهب منازل المعارضين في حملات منظمة واقتيادهم إلى المعتقلات.

ثم صارت سلطة الأمر الواقع مستعدة لإعلان عدم قدرتها على دفع رواتب موظفي الدولة، متهمة كل من يطالب بحقوقه المادية أو الوظيفية بالعمالة والخيانة الوطنية، وفي الوقت نفسه تنفق مليارات الريالات يومياً على جبهات القتال، وتغدق على قيادييها المكافآت المالية، حتى أصبح التنافس في ما بينهم حديث العامة في افتتاح المحلات التجارية، والاستثمارية، والعقارية.

وعلى هامش ذلك التسابق في جني المال، يحضر مصدران لجني المال بقوة السلاح لإذلال المجتمع المعارض وإنهاكه اقتصادياً. يتمثلان بالمبالغ المالية الهائلة المتحصلة كفديات للمختطفين والمعتقلين في السجون، والجبايات المالية الإجبارية للمجهود الحربي والحماية من التجار غير المناصرين.

نقلاً عن موقع العربي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

وكالة أرصفة للأنباءجميع الحقوق محفوظة 2016