هشام محمد
_________&
لا يبدو أن التحركات الرتيبة لإسماعيل ولد الشيخ أحمد، ممثل أمين عام الأمم المتحدة ومبعوثه إلى اليمن، قادرة على مجاراة التعنت السياسي، وأكثر منه تفاقم الوضع الإنساني. فلا يوجد تفسير مقبول للتأخر الدائم في حركة الجهود المبذولة والمبادرات السياسية لوقف الحرب في اليمن، وتداعياتها الكارثية التي تنال من المدنيين، وصارت تتفاقم وتهدد الوضع الإنساني الهش أصلاً.
في كل مرة يخرج فيها ولد الشيخ بمبادرة ما، يظهر كطرف سياسي وليس كممثل للأمم المتحدة، مهمته قيادة حوار سياسي، يفضي للوصول إلى إعادة البلد إلى وضعها الطبيعي، كما يقدم مقترحاته للحل وفي ذهنه ردة فعل الأطراف حيالها، فيحاول أن يكون حريصاً على التوازن السياسي على حساب الحقائق، وما يجعله يبدو كذلك هو حرصه على إرضاء أطراف الصراع ، طمعاً في إمكانية تحقيق تقدم نحو أي اتفاق، حتى لو كان يعلم أنه سيتعثر في أيامه الأولى. ولد الشيخ لا يفكر بعقل خبير أممي في حل النزاعات، ولا يعرف كيف يستفيد من الوقت لوضع حد للحرب. شهور وجهوده لم تفض إلى شيء ملموس، ومع ذلك يعلن شيئاً ويمارس عملياً غيره.
إن واقع الوضع الإنساني الكارثي في اليمن الوشيك على الإنهيار يتطلب أن يكون الحل إجبارياً. فالأمم المتحدة تمتلك الوسائل الكافية لإنهاء الأزمة في اليمن، ولديها القدرة على فرض وقف إطلاق نار، انطلاقاً من المبادئ التي يتفق عليها الجميع، كوجود دولة الديمقراطية والعدالة والمساواة، أو من الوضع الطبيعي للدولة قبل الإنقلاب لفرض حل إجباري، تكون مخرجاته إعادة الدولة ككيان بيروقراطي، بمعنى آخر فرض حلول أو خارطة طريق تستند إلى التوافقات والعقود الإجتماعية السابقة، بشكل نظري أو لنقل فلسفي، وتفرض فيه التنازلات فرضاً، لإعادة الوضع الطبيعي للدولة بدستورها الشرعي التوافقي، مع عدم التفريط أو التساهل في انتهاكات حقوق الإنسان أو منح الحصانات، وبما يضمن الحفاظ على الديمقراطية وحمايتها، كما يضع آليات تنفيذ تفصيلية لمعالجة المشكلات وجذورها، بما يضمن عدم تكرارها.
إن واقع الحال وتجربة عامين من التعنت والتعثر في المفاوضات السياسية يحتم أن تكون الأمم المتحدة طرفاً فاعلاً كمحكمة تنفيذية، تفصل في الوضع غير الطبيعي وتنتصر للدولة المتفق عليها استناداً إلى تشريعاتها.
فهي تمتلك المبررات الإنسانية اللازمة، ولديها الفرصة السانحة - ربما الوحيدة المتاحة - لفرض حل ينهي الوضع المأساوي والحرب الأهلية وعبثية اللادولة وانتشار الميليشيات المسلحة، ويزيل كل ما يتعارض مع فكرة الدولة، بل ينتصر لها، ويعيد الشرعية المتوافق عليها، لتبدأ في وضع خارطة زمنية لتنفيذ مخرجات الحوار، وإجراء انتخابات (نيابية ورئاسية) تفضي إلى قيام سلطة شرعية، تتولى إدارة البلد، وتضع جدولاً زمنياً لحوار سياسي يفضي لمخرجات يُبتّ فيها بالاستفتاء.
إن حلاً إجبارياً مثل ذلك يتطلب أن ينتجه فريق عمل لدى ممثل الأمم المتحدة، لديه المعرفة الكاملة بالواقع الإجتماعي والسياسي والفلسفي، ويمتلك القدرة على لعب دور القاضي في المحكمة الدستورية، والفيلسوف الذي يثير الأسئلة ويضع الإجابات، والسياسي الذي يعرف ممكنات الإستغلال السياسي، مع وضع هامش لاستقبال مقترحات الأطراف السياسية التي تدعم مثل ذلك الحل، ولكنها في الوقت نفسه تكون غير ملزمة إلا في ما يتعلق بتعزير السلم الإجتماعي ووقف الحرب والانتهاكات، على أن تكون هناك دول ضامنة للأطراف السياسية، ودول أخرى محايدة، مراقبة.
هذا الحل سيتطلب أيضاً أن يتم تحييد السلاح بشكل عام، والثقيل بشكل خاص، ووضعه تحت الوصاية الأممية، حتى يتم بناء جيش وطني على أسس علمية، بعد استعادة الدولة وفقاً لآليات تنفيذية متخصصة وتفصيلية، وفي كل حالة يجب أن تكون عصا الأمم المتحدة حاضرة وبشكل فاعل لأي احتمال ممكن.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق