قصة_ ناجي ناجي
______________
عاشت الجمهورية..
تسقط الجمهورية الملكية..
تسقط الملكية.
تسقط الجمهورية الملكية..
تسقط الملكية.
نزلت القشة التي قصمت ظهر البعير، سألتها أمها عبر الهاتف عن الأسباب التي دفعتها لترك بيت الزوجية وتذهب إلى بيت خالتها، لكنها أحجمت، ولاح لها ما دار في ذلك المساء من أواخر شهر يناير 69، أقبل زوجها قبل مغيب الشمس يحمل نباء سحل النقيب عبدالرقيب عبدالوهاب، مع كوكبة من رفاقه، سألت زهرة بعيون مفجوعة، وصوت مبحوح: سعيد غالب..!!!!!!!
- هو ايضا، وكذا حسان حسن وسعيد سيف... كلهم سحلوا.
صرخت وولولت بوجه فاقع اللون، سالت دموعها غزيرة، ليس على من هم بمثابة الأشقاء لها زملاء أخيها إبراهيم أبناء حارتها، لكنها ايضاً فجعت على زكريا المفجوع على أخيه، فأقل ما يجب عليها هي أن تشاركه فجيعته وحزنه وغبنه، إتهمها زوجها بميل قلبها لأحدهم، كأنه قبض عليها متلبسة بجريمة مشهودة، حتى عمتها وهبية نظرت إليها نظرة إزدراء، لم تكن في تلك اللحظة تسمع شيئا ولا ترى شيئا، كل كيانها ومشاعرها كانت مع زكريا، هو من كانت تتمناه بهيئته، بعفته وشهامته، لكنه مثل أخيها إبراهيم قد جعلوا الدراسة أولى أولوياتهم، لم تتحمل همز ولمز زوجها وعمتها، فتركته إلى بيت خالتها طالبة منه الطلاق.
*****
*****
من غرفة نومه خلف نافذتها، جلس العامل، ساعة إنتشار أشعة الشمس، ليس تفكرا، بل مرغما على أنفه، بدت شمس يناير 69، باهتة في سماء ملبدة بالغيوم، منذرة بتفاعل قانون الغلبة، بعد أن عمل على إزاحة الحلفاء من خارج الدائره، بلياقة تامة، سيبدأ الأن بالتفاعل الذاتي داخل الدائرة، وبنفس اللياقة والخفة
بالأمس هجرته خديجة، أخذت إبنه المنصور بسيارة بيجوت أجرة، ذهبت إلى بيت أهلها في صنعاء، تفاجاء، وتفجر غاضبا: كيف ذهبت بلا محرم!، كأنها زوجة قبيلي!، أورعوي !، بدعة لم تعر فها النساء من قبل، كيف ذهبت بلا محرم، وكيف قَبِل والدها فعلتها السيئة هذه، كيف!!.. كيف!!.. كيف تجرأت وفعلتها!! ، امرأه بهذه الفعلت، تستحق القتل أو السجن، لكنه قبيلي، هو وإبنته لا يفهموا أصول الحق ولا أهل الحق..لقد نسوا مكانتهم، وما يجب عليهم.
*****
*****
في صنعاء، كانت الفتاة قد وصلت بيت أهلها شاكية باكية، إستقبلتها الأسرة معلنة ثورتها، صرخت غالية: المتعجرفين المتكبرين
وقالت الأم: ما جعلهم الله يتمرغون في الثرى، إلا لأنهم يستحقون بتعاليهم وغرورهم
- ولا يهمك.. سيطلقك
ثم صبتان غضبهن على والدهن، فهو الذي افسد سلوك عبدالكريم، باخذه إلى بيت الخبازة، لم يدري كيف يدافع عن نفسه، أراد أن يقول(كانت مرة واحدة، إلتقيا عند الخبازة، عندما كانا في صنعاء، ولقد إلتقيا صدفة)، تلجلج بقوله:
- إنه فاسد، وليس بحاجة لمن يرشده
صمت قليلا، ثم أستدرك قائلا: لكنه ابن ناس، ثم شرد في ذهنه (الوقت حان لطلب يد عاتكة)، نظر إلى البنتان مؤكدا: كل مشكلة ولها حل
وفي خاطره إنه سيتزوج عاتكة وسيخلوا الجو بين العامل وإبنته خديجة، معيدا أسباب الخلاف الدائم إلى عاتكة.
وتهيئة للأيام القادمة، من خصائصها التقارب، والتباعد بين فروع من جذر واحد، كما قال العندليب الأسمر عبدالحليم حافظ، من كلمات الشاعر كامل الشناوي:
- تباعدت وتدانت كأصبعين في كفي
*****
وفي نفس الشهر، تلقت الأسر الثلاث إستشهاد أبنائها مع عبدالرقيب عبدالوهاب في أواخر يناير 69، كانت العيون تراقبهم، ومضايقات المعنيين وغير المعنيين تحاصرهم، وأفواه الشامتين تغضبهم وهمسات المعزيين تثير ذكرياتهم، كانوا على يقين بأن أبناءهم قد استشهدوا دفاعا عن الثورة والجمهورية، ولا يعنيهم ما يردده الناس
بدت زكية(زوجة غالب) متوعكة ثم نزل عليها المرض نزول الجبال، وكأنها لم تقاوم، بل استسلمت طواعية للموت حزنا وكمدا على ولدها الشهيد سعيد غالب، فماتت في شهر فبراير69
حاول غالب مقاومة مصيبته في موت سعيد، وكاد أن ينجح لكن موت زكية لم يترك له مجالا لمداراة أوجاعه ووحدته القادمة فمات بعدها بشهرين.... يتبع الحلقة التاسعة.>>>
نهاية نوفمبر 2015.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق