محيي الدين جرمة
1
كان الشعر والشعر وحده هو الرغبة الملحة والشغف الحميم إن لم أقل"بشكل منهجي" الأساس الموضوعي كمعيار أستندت من خلاله وعبره لبلورة فعل هذه المختارات والمتضمنة تقديم أول أنطولوجيا من نوعها توثق لدفء وملامح شعرية قصيدة النثر اليمنية الجديدة اليوم في إمتدادها وتحولات شعرية لحظتها الراهنة كما بنوعية تجاربها وفضاءات إختلافها في جزء ظل مقصيا من / أوعن مشهد الشعر العربي والعالم لفترات طويلة ولأسباب داخلية أكثر من كونها من خارج المشهد أو محيطه البعيد ونتفهم تلك الأسباب جيدا وبخاصة لجهة تمرد رؤى وتجارب شعراء وشاعرات هذا العمل وخروجهم عن سلطة الأب بالمعنى الشعري والسياسي والأيدلوجي الذي تحول إلى عقيدة أو دجماسياسية تتمنطق بخنجرالإتجاه لكنها تضيق بكل الجهات.. وهو ـ ما أبقى على شعرهم وتجاربهم في النبذ وخلف الستارة
كان الشعر والشعر وحده هو الرغبة الملحة والشغف الحميم إن لم أقل"بشكل منهجي" الأساس الموضوعي كمعيار أستندت من خلاله وعبره لبلورة فعل هذه المختارات والمتضمنة تقديم أول أنطولوجيا من نوعها توثق لدفء وملامح شعرية قصيدة النثر اليمنية الجديدة اليوم في إمتدادها وتحولات شعرية لحظتها الراهنة كما بنوعية تجاربها وفضاءات إختلافها في جزء ظل مقصيا من / أوعن مشهد الشعر العربي والعالم لفترات طويلة ولأسباب داخلية أكثر من كونها من خارج المشهد أو محيطه البعيد ونتفهم تلك الأسباب جيدا وبخاصة لجهة تمرد رؤى وتجارب شعراء وشاعرات هذا العمل وخروجهم عن سلطة الأب بالمعنى الشعري والسياسي والأيدلوجي الذي تحول إلى عقيدة أو دجماسياسية تتمنطق بخنجرالإتجاه لكنها تضيق بكل الجهات.. وهو ـ ما أبقى على شعرهم وتجاربهم في النبذ وخلف الستارة
لذا أكرر إنحيازي للشعر دون غيره نظرا لما تجسده هذه النماذج المختارة كأبهى وأصفى وأجمل ما أمكن ويمكن تقديمه تمثيلا حصريا لقصيدة النثر في اليمن على شاشة هذا العرض البصري الأنطولوجي ليكون في متناول القارىء العربي في الجزائر وغيرها من البلدان العربية
2
وهكذا تأتي فكرة هذه المختارات :
بعيدا عن "قبلية المعايير" والإرتجال الفارغ الذي يتمثل إملاءاته بعض من يعانون مركب نقص بإسم الشعر والأدب مستهدفين بذلك الإنتقاص وتوهم التقليل من شعرية تجارب حقيقية بعيدة عن"النفاق الثقافي"، تحفرأسماءها وتجاربها بقوة الإرادة الخلاقة وجدارة الموهبة الجادة رغم ما تعترضها من نتوءات جدار الثقافة الرسمي
3
أنني وأثناء تواصلي في العمل والبحث لإستكمال إعداد هذه الأنطولوجيا كنت وما زلت أصدر من ثقة عميقة بأن هذه التجارب ستصدم وعي كثيرين وبخاصة إذا ما توافرت لمشروع الأنطولوجيات العربية الإستراتيجية المأملة في الصدور والتوزيع بتوسيع مساحة التلقي، وإفادة الباحث العربي بعيدا عن رؤى من يخطئون عادة في مقاصدهم أو يتوهمون في بعض أحكامهم وبخاصة حين لا يرون إلى بلد كاليمن على صعيد الشعر أنه ما زال من "الأطراف" وهذه لازمة تقليدية وثقافة متخلفة أحسب أنها ما زالت تعكس حالا من ثقافة البلى والتقعر في بنية وعي خطابها وماضويتها بينما تنزع إلى الأخذ بمرجعية المركز الواحد أو الرمز الواحد في كل شيء حتى أن الحب هو الآخر في مستوى من مستويات الخطاب في"ثقافتــ" نا ـ العربية لا يكون إلا واحدا وغير متعدد وغالبا ما يكون ـ من طرف واحد ـ ناهيك عن أن الحب في هذه اللازمة ـ وبحكم العادة ـ لا يتم أو يتعين كمعطى مدني أو فن ينتظم طبيعة العلاقات وتمثلات السلوك في الواقع، لأنه ـ أي الحب ـ أو كما يراد له أن يكون بالطبع في حياة العربي ما زال "عيبا" أو"عذابا" حسب الفتوى السائدة في"قاعدة" الوعي وبخاصة حين لا يحيل في مفهومه الجاهز سوى إلى النار والإكتواء و"مرض القلب".. كما يقال
لذلك لا يوجد جنة للحب العربي ولا حتى لإمكانية
حرية تنتصف لكرامة الإنسان بالمواطنة أو"بالحب الحقيقي" كما تقول الأغنية.. وأرى أن أجدى طريقة لفهم الشعرهنا هي أن يُفهم بالإحساس لا بطبيعة الإدراك العقلي... ذلك أن الشعر بطبيعته يعلمنا أن نحب حتى حينما نكره.. والشعر هو رديف الحب والحرية بأكثر من معنى مفتوح على القراءة والتأويل ويحتاج الشعر أن يفهم من خلال الشعر ذاته كفن وتذوق مثله تماما مثل اللوحة أو القطعة الموسيقية العظيمة التي تفتح أفق وعينا على نوافذ الجهات، وتحررغالبا من ضيق الرؤية إلى رحابة المعنى في تكويناته وانسناته مثلما تحتاج اللوحة الفنية "إلى بصر ثاقب لا إلى شرح" كما رأى الفنان الإسباني العالمي بيكاسو
وهنا أقول بثقة وبكل بساطة أن قصيدة النثر في اليمن عبر هذه المختارات ستشكل ما كان بعيدا أو محلوما به وصار ملموسا تلامسه يد الشغف والعين الباحثة عن اللامألوف أو اللامتوقع كما هي طبيعة الشعر المتحولة في تجدده وحيوية إشتباكه بلغة أثيرية وطرية يغدو بضوئها الشعر قريبا في مرصد القارىء المتذوق أو الشاعر/ المترجم والباحث عن إستكناه وإكتشاف بعضا من ملامح الشعرية الجديدة في اليمن بتنويعاتها المختلفة وفي سياق كهذا أجدني غير ملزم بالضرورة في التعاطي بمعيار الإرضاء أو"الترضيات" والتوافقية السلبية أوالتوفيقية / التلفيقية التي"ينشدها" البعض تجاه أسماء بعينها درأ لفوبيات أومخاوف ما.. لأنني لا أبحث عن أي مبررات لتقديم أسباب لإختياري بإنتقائيته. لكن لا يوجد ما يمنع من الإشارة إلى أن ضيق الوقت لم يكن ليسمح لي بالتوسع أكثر خارج معطى وآلية ما رأيته بجهد ذاتي ودون اللجوء إلى معيارية سلبية أوإقصائية من أي نوع كما قد يتوهم البعض.. بقدر ما أرتأيت النأي ما أمكن عن معيار حقائبية النقد الرسمي الفالت من العقل أوالمقاربة الموضوعية في إدعاء صحة معيايره
وإذا لينظر من يشاء للأمر من زاوية ما أراد أو يريد في إضمارات وعيه وإن شاء من زاوية وضوح أكثر بإعتبار كون العمل واضحا في إختياراته وتعيينه بتيمة رئيسة هي: قصيدة النثر اليمنية أو / التي تكتب في اليمن لجهة أن الشعر غير قابل للتجغرف أو الترسيم بعلامات النقد الميت أو الحقبي.. إذ جرت العادة أن يتم تعليبه وإضافة مواد أخرى"حافظة" بغاية صيانته من التلف جراء الإفراط في خطاب ذلك النقد الذي أصابه البلى والفقر في بنية الوعي المعرفي، وبخاصة بعد أن صار نقدا يخضع لإبتذال العطاءات والمزايدات التى ترسي عليه بمعيار ثقافة السوق ومضاربات البورصة النقدية بشروط العرض والطلب.. حتى لقد بات النقد في عالمنا العربي يعاني من حالة هزال وإسهال مزمن وعدم تجدد بل جفاف في الإدراك وصدأ في الرؤية وقصر في النظر ولاعمق في الطرح.. وبعدما صار في خطابه يقتصر فحسب على جمع قصاصات من هنا أوهناك لعينات وأنطولوجيات غالبا لا تقدم إقتراحا للشعر كمؤسسة وكفن ومجاوزة / أوإختلاف يلامس فعل التلقي ويؤثث الذائقة في محيطه تأثيثه الوعي بخضرة المعنى وبساطتة وإلتقاطات عالمه وتفاصيله وشعرنتها دون تعقيد أو تنطع وبمعزل عن أي تنظير سطحي وإصطلاحي أو مفهومي فارغ ظلت وما زالت تنتجه عربيا ظلال متشابهة في عماها وعتمتها كما في تلازم نماذج بعينها في الشعر والنقد على السواء والسوء معا
4
وهنا تجدرالإشارة إلى أن مبادرة كل شاعر وشاعرة على حدة ممن تضمنتهم هذه الأنطولوجيا وإشتغالهم بحب على القصيدة هي التي أمدت تجاربهم بزخم إثبات وجودها رغم الأشواك التي تزعم أنها ورود... ذلك أن هذه التجارب أستطاعت أن تجسد وتجسدن حضورها بروح الشعر والإخلاص له رغم ما لقيه ويلقاه كل شاعر/ ة من تهميش بمعايير الثقافة السياسية والحزبية "الضيقة" فكانت الكتابة رهانا حقيقيا لكسر أنواع الحصار الثقافي والأيدلوجي المغلق على الجديد... وإنطلاقا من "إيمان" أن الشعر لا يحتاج إلى شهادة تسنين من أحد وبأن الشاعر الحقيقي لا يصنعه الناقد
وما يجسد أغلب من تمثلهم هذه المختارات هو التماهي مع الموقف الجمالي للشاعر/ ة في إتساع الرؤية بلغة القصيدة وشفافية الأداء الشعري وبعذوبة سابحة في وجوداتها والتحليق في فضاء تجريبها وتجاربها منذ ما يقرب من العقدين من السنوات حيث تمخضت وتراكم تعلقها بالكشف والمعاناة التي نفهمها هنا بالمعنى الفني للتجربة لامعاناة المبدع كما يتم تفسيرها بمفهوم سادي ينتظم بنية الوعي التقليدي كما لدى بعض النخب بتمثلات سطح الوعي الأكاديمي على السواء
غير أن المغامرة الشعرية عبر مجازاتها واستعاراتها ومناطق حرثها الجميل قد غذت وتغذي وعي هذه التجارب بروح السؤال وأفق التأمل والمراجعة والتجديد وبأفق الأمل وتربية الخيال على الخلق وهو ما تعكسه مرايا إشتغالها عبر كتابة اللحظة كمستقبل يتخلق في "حنايا" الأمكنة المفتوحة على خيال الواقع المتخيل وبتقنيات: إن جاز القول / تحيل إلى ميديا شعرية من نوع خاص في كيفية التعاطي أواللعب من خلال اللغة ومدلولها النصي و"تعالقاتها" في بنية الخطاب وتركيباته الشعرية ورذاذ لغته وعلاقتة بواقع ومحيطه المفترض برؤية غيرية لواقع لا يتوقع.. ولا يطرح أسئلة كما لا ينتظر إجابات
إنها غنائية تبالغ في إصطناع الفرح قدر تناقضها في مديح الموت، وعلاقة الشاعر"الحفار" بالقصيدة ظلت متجددة تنمو وتستضيء في عتمات الآخرين كحالة تشوف وشغف وأسلوب للإختلاف أو طريقة فنية في الحياة وكجزء وهو الأهم أو حالة من إثبات وجود وإقامة في الكتابة ذاتها
إن جوهر الشعر عند هؤلاء بكل حضوراته ينزوي غالبا في عزلاته الخضراء ليحفر ـ أركيولوجياه الخاصة ـ، وظلت قصيدة النثر اليمنية التي تمثل سؤال الحداثة الوحيد المطروح في اليمن كمعطى تجسده شعرية اللحظة بأفقها وراهنيتها واستشراقها واستغرابها، وحيث الشعرالحقيقي له غابته المستوحشة في غيابه وغياباته الحميمة في حضوره الآسر، كأنما يستعيد الشعر هنا أنفاسه ودهشته بعيدا عن التلوث الثقافي
إن الشاعر اليمني اليوم يأمل ويعمل بمزيد خبرة وتراكم إحساسه الشعري بمعنى القصيدة وجوهرانية التجربة والحياة ومختبر الفن والوعي بآلية الخيال، وذلك لتعميق وتجسير حضوره الشعري والإنساني وعلاقاته وجهوده الذاتية أو مبادرته التي تمثل جهدا فرديا وأخلاقيا أكثر من كونه جهود مؤسسات أو جهات داخلية تحبط أكثر مما تأخذ "بيد المبدع" أو الأديب.. هذا الشاعر اليوم يقترح عالم مختلف بسؤال القصيدة وعمق رؤاها وروح المبادرة، في حين آلت غير تجربة شابة في اليمن إما الى الرحيل بالمعنى الميتافيزيقي أو بالتواري والإشتغال على كتابة الصمت والغياب: لكن بصمت عميق كما بالهجرة إلى الذات / الداخل والإشتغال على الأمل والعمل بتوسيع نشاطها وتواصلها البعيد المدى وإرسال أعمالها الشعرية أو السردية لغير جهة عربية وأخرى
ماءٌ في فم العصفور
في هذ االسياق لا أنسى أن أنوه بأسماء شعرية لم يسبق لبعضها النشر رغم حداثة سنها وتجربتها سوى نثارات هنا وهناك، وهذا بالطبع ليس مقياسا لتقييم أداء تحركها الفني وإستبصارها داخل الكتابة بقدر ما يمكن إعتبار مسار نضج وتحول تجربة بعينها من لحظة مكثفة لوجود ما، وإختزال صورة العالم حتى من خلال نص واحد تتوافر فيه بروق الشعر وفنه الذي لا يشيخ
في حين تمثل الكتابة لدى البعض نصا واحد أو"مخطوطا" يضعه على إستحياء في خزانة الغرفة أوعلى درج مكتب أورف ريح، وحيث يؤثر البعض الآخر أن يبقى على قصاصاته في حاضنة ما بالإشارة إلى تمهيده الأول، وإجمالا هي أصوات تقارب رؤيتها لتفاصيل ما تحسه بعفويات المغامرة الأولى وتجاوراتها كما تقدم نفسها في شكل نصوص مغمورة بماء تجريبها والتوق الجميل في طرح أسئلتها عبر كتابة قصيدة مختلفة بدهشة الكلمات أواللحظة المتفلتة من كل قيد أو إشتراطات حيث تقوم بنشر بعض نتاجها في صحف أو ملاحق أسبوعية قد لا تتوافر غالبا على إنتاج صحافة ثقافية وأدبية بشروطها الفنية كما يفترض أن يتم التثبت منها كمعيار لتقيم مستوى الأداء والمهنية أو إقتراح فكرة ما تستهدف إنتاج ثقافة قيمة، وحينا ترجىء بعض هذه الأسماء خيارها في النشر لتجد طريقة أخرى في إمتاعك بمشافهات مخيالها وتداعياته اللحظية كما بتوهج رذاذات وظلال بعيدة وأنت تصغي إليها بصمت اللحظة... كما تسافر في جهات سمعك بمفرداتها وصورها الأثيرة وما تعكسه مفردات ذاتها من دفق سواقي نصوصها الطائرة بأجنحة الأفق والحلم وبإنغمار ماء قصائدها في ماء ورهافة التكوين...إنها أسماء تحضرني في غيابات كثيرة وتحمل قناديلها بأيدي بصرها في عتمات الطريق وأصوات شعرية مائزة ومبادرة كمحمد العابد الذي جبل من طينة الشعر والصداقة، وزهرة الجمارك، ومحمد محمد العديني برهافاته الأليفة، ومختار الدبعي هذا الشاعرالمسكون "بحالات اللوتس" وبدفء صوته الذي كثيرا ما لامس أسماع الناس عبرالهاتف الثابت من "برج المواصلات العامة" بقوله: يمكنكم المحاولة مرة أخرى.. غير أن الناس ربما لم يفهموا بإحساسهم حتى اللحظة قصيدته تلك... كما أشير أيضا إلى شاعرات مثل نوال جوبري، سماح الشغدري، ليلى إلهان وغيرهن كحالات شعرية وقدرات تجعل من قصائدهن وتجاربهن القادمة أيقونات بصرية تكشف حجب القاعات الخرساء بالتصفيق
وأذكر بجهود الصديق الشاعر والناقد والراوية علوان الجيلاني هذا المتوزع في أرجائنا بحزنه التهامي الذي يشبه حزن البحر بكلماته وأشيائه وصوره الممتدة شعريا حتى أقاصي الوجع شاعر يتوزع إشتغاله على صوفية القصيدة التفعيلية والقصيدة الجديدة وبين مقارباته أيضا وإستغواره مشهد القصيدة في اليمن إجمالا ما يجعل منه رائيها النقدي بإمتياز... وهو إلى ذلك الشاعر المجرب في إمداء وإتساع رؤى متعددة وإن بقيت أحيانا في ثباتها على مسافة بعيدة من الحسم على صعيد الموقف المستتاب ربما بوصايا النأي عن قصيدة النثر أو بعدم نيته بإستقلالية التجربة في شكل رؤية ناجزة أو بصمة كتاب
الصديق الشاعر علي جاحز هو الآخر يزاوج بين العمود بشقيه البيتي والتفعيلي كما بتجريب في فضاء القصيدة النثرية الواسع وهو أقرب إلى تذوق ومحاولة حلاوة التفلت من ديوان البيت بأدخنته التي تعمي الحواس غالبا
بالإضافة إلى"قصائر": يعني قصائد قصيرة، يكتبها الشاعر سلطان عزعزي بإدهاشاته التي نراها تشي بإمكانية تحول الفيلسوف داخله إلى شاعر قصيدة نثر تعكس إختلافها كذلك الشاعر محمد الزراري بشعريته الحاضرة بعمق رؤياته الجديدة في كتاب
وثم شعراء يأتلق الشعر بحضورهم وصداقتهم : فارس العليّ / إياد الحاج / أوراس الإرياني / نبيل قاسم / محمد العبسي / زكي شمسان / محمد الشلفي / عصام الشيباني / جازم سيف
وقبلهم جميعا هناك علي دهيس هذا الموله بالتماعات قصائده الطائلة في قصرها والصامتة في تأوهات إنسانها حينما تدفء شتاء بكامله... مثلما أنتظارنا كذلك الشاعر مصطفى الشميري الحاضر في تأملات الأصدقاء ومنادماتهم كوجود حميم يحتوينا... كما الشاعرعبد الرحيم الكسادي الذي نكتشفه مؤخرا بكلمات صمته المؤثر/ عبد الرحيم الواعد والقادم بقوة إلى فضاء الترجمة وبأفق فيزيائي لامتناه... وآخرين في ذاكرة النسيان يحتشدون وفي فضاء الشغف يعملون على تنمية الحرية في شعرهم.. لكن بالطبع دون شعورهم بحرية متطلبة في الواقع شأن غيرهم من الشعراء الحقيقيين إذ يلامسون دفء العراء لا البيت... ذلك أن "الشعراء الرديئون هم من يشعرون بالحرية" كما يقول الفيلسوف الروماني إميل سيوران الذي ـ كان يمقت التكريس حد الغثيان
وهنا كما في كل الأمكنة تبقى هذه الأسماء وغيرها شواهد لعطاءات شعرية تعد بفتح مغاليق كثيرة وإشراع أكثر من نافذة في شريان الحياة...أسماء كجريان النهر في إمتداده تظل تروِّي بكلماتها ظلالات معتمة... وشموس كلمات تنتظر
انها تجارب مائية لا أجد من وصف يليق بما تكتبه من إختلاف وإشراق بين حين وآخر سوى القول أنها :
ماءٌ في فم العصفور
آخرا لا أخيرا
يمكن إعتبار هذا العمل "تقدمةً" وإعدادا / رؤية وتصورا مجرد رأي ـ أو وجهة نظر في الإختيار النوعي لأسماء وتجارب متعينة ضمن ما تم إختياره بجهد مكثف وتواصل كبيرين بعد إشتباك مُضنٍ بعامل الوقت.وعوامل أخرى
ولقد حاولت قدر تصوري أن أختزل معنى عميقا ومفتوحا على الجهات ونافذة مشرعة بلا جدران أو سقوف لتكون عنوانا لهذه الأنطولوجيا فأرتأيت:"خيالٌ يُبلل اليابسة" كعنوان أصفى، تجسيدا للمختارات بتنويعاتها المختلفة في إتساع معناها ودفء صورها وشفافية الكون في مرآتها كقطرة ماء بحجم العالم ذلك ما رأيته، ولعل يشاركني ذلك أصدقائي من الشعراء والشاعرات كعنوان مفتوح بلا عنوان وأجده بصريا يمثل كتابا خارج الكتاب لقارىء نوعي يرى بمشموم حواسه ويأتلق بشغف عند لمس المجرد وإلتماع برق المجاز في جهاته الصافية ليكتشف ذاته بعمق التوحد في إنتهاك عزلة اللغة ورذاذ الكلمة "الجارحة الجريحة "
كلمة أخرى
هذه هي قصيدة النثر اليمنية بإمتداد تكويناتها الأولى لمحطة التأسيس مرورا بتجليات مرحلة النضج وربيع شعريتها المختلفة مرورا ومرارة برؤيات لحظتها الراهنة، وقد تبلورت الفكرة لدي بحماسة إن لم أقل بصورة شبيهة بمكابرة طفل أو رغبته المصيرية إذ تستدعي البكاء كحتمية لشراء لعبة.. وبضوء ذلك شرعت في تكثيف الجهد والتواصل مع زملائي الشعراء والشاعرات وبخاصة ممن لم أتوافر على بعض أعمالهم وتقصي تجاربهم سواء منهم المقيمين في قرى نائية أو في صنعاء وغيرها من "مدن الضجيج الآسن"... وهكذا يعلم الجميع بأني كنت بإزاء ظرف وقتي طارىء وكان لا بد أن أقول كلمة دون أن أصدر من موقع إدعاء، وما هذا العمل سوى ثمرة كل شعراء المختارات من أصدقائي الذين هي مختاراتهم بالدرجة الأولى وعنوان حرية وأمل يضيئه إبداعهم بطيفه وتنوعه، وببصمته التي تختلف ولا تتشابه
كما أقدم التحية الكبيرة والخالصة بإسمي وبإسم زملائي في اليمن للجزائر أرضا وإنسانا وحكومة ممثلة بوزارة الثقافة، واثق بكون هذه الأنطولوجيا تبقى تجسيدا وتجسيرا كعنوان محبة ورسالة سلام يحملها الشعر إلى كل العالم من اليمن هذا الحرف الجميل الذي وإن بدا أو نظر إليه في الترتيب الأخير حتى في الأبجدية لكنه الأعمق في بهاء الشعر وفلسفة الحرف وحضارة الكلمة... كما أن طباعة هذه المختارات في سياق أعمال عربية أخرى سبقتها في النشر...إنما يتحقق للشعرية الجديدة في اليمن كفضاء جديد يفتح أمامها فرصا أخرى من الإحتضان والتفاعلية الصادقة بتماساتها وجمال مقاصدها التي جاءت كطموح لحظي استدعاه الإلحاح والمحبة وجمال ومبادرة بلد عظيم كالجزائر أرضا وإنسانا بتمثيل القائمين على فكرة مشروع الإنطولوجيات العربية جمعية البيت للثقافة والفنون بالتنسيق مع وزارة الثقافة بالجزائر كجهة داعمة للنشر ضمن منشوراتها وبرنامجها "الجزائر عاصمة للثقافة العربية 2007"، وبآلية مؤسسية جادة وناشطة لجهات ثقافية وجماعات شعرية مستقلة تتبنى وتعمل بصدق وبلا عقد على مأسسة مشروع كهذا بفن ورؤية وأحلام تتحقق اليوم كفعل ثقافي ولعل لديها كما أرى وأسمع طموحات لإيصال هذه الشعريات إلى إستحقاق فضاء التلقي العالمي عبر إرادة ورغبة مدروسة بعناية ما سنح لها الظرف القريب لترجمة الإنطولوجيات العربية الناجزة بما فيها هذا العمل وذلك في سياق أفق مشروعها الحضاري إلى لغات أخرى، وهو جهد سيمثل بالتأكيد في حال تحقق قيمة كبرى ومنحة عظيمة العطاء من الجزائر بفكرة ومصداقية تستهدف الإنصاف والتعريف بهذه التجارب الطرية بإتساع مخيالها في إمتداد أفق جديد وذائقة مختلفة وفي حدود تلقي بلا حدود أدناه التوثيق الشعري في مساقاته وأمكنته وأنا وجوده وتمرده فنا وإبداعا كما بإقتراحاته الجديدة وإضافاته، كما على صعيد الإبقاء أيضا على صيغة الموقف الجمالي والفني والموقف من الإنسان في الشعر والعالم.. وهي علاقة سؤال أو صيغة إقتراح لوجود حتمي يقترن الشعر في إمتداده الإنساني بنقاء الرؤية وتماسه بحجر التفاصيل والحياة وفي إقترانهما أيضا بشعرية الرغيف والحب والحلم والسلام كرديف للحرية
وهكذا كان من الصعب عليّ أن خوض مغامرة إشكالية ومعقدة، أقوم من خلالها بلعب دور "العداد" في عملية أشبه ما تكون بالديموغرافية في إحصاء النفوس، والخروج بتقرير تفصيلي يستهدف معاينة إحصائية لملامح الشعر في مشهديته وحالاته
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق