قصة_ ناجي ناجي
______________
عاشت الجمهورية..
تسقط الجمهورية الملكية..
تسقط الملكية.
تسقط الجمهورية الملكية..
تسقط الملكية.
سوق الشنيني وسوق الجمهورية يعلنان، كعادتهم إستمرار الحياة، في كل عام وفي كل فصل وكل يوم بالأمل الغالب على الألم.
*****
*****
دأب سيف عبده(والد الشهيد الملازم سعيد سيف) على فتح محل بيع الوزف، كعادته فجرا ويغادره قبل أذان العشاء، كانت قامته معتدله، نحيلة، برزت تجاعيد مثقلة على جلد ملتصق بالعظم، يظل يدور بين عمق الدكان والباب، لا يكل ولا يمل، ينقل الشوالات من الداخل إلى الباب، وينقل أخرى من الباب إلى الداخل في حركة دائمة، تعامل مع ما حدث لإبنه كقدر محتوم، فالحياة والموت بيد الخالق العظيم، يدبرها كيفما يشاء، ومع ذلك بكى بكاء الأطفال، ولا تزال دموعه تنهمر كلما مرت صورته في مخيلته، وبينما كان ينقل الشوالات، وقف أحد الشامتين، قائلا:
- لو كنتَ أبقيتهُ إلى جوارك لكان لك معينا في هذا العمر.
أجابه بصوت غير مبال:
- لكان مات من رائحة الوزف.
- لو كنتَ أبقيتهُ إلى جوارك لكان لك معينا في هذا العمر.
أجابه بصوت غير مبال:
- لكان مات من رائحة الوزف.
*****
كان صادق يسبق والده(حسن علي، والد الشهيدالملازم حسان حسن علي) في فتح محل بيع الأقمشة في سوق الجمهورية، يصل في ساعة متأخرة من الصباح - عادة إستجدت عليه، مع طول قامته، بدء ظهره معكوفا فوق العادة، يسير متوكئاً على باكورته، رغم حزنه، إلا أن إبتسامته لا تفارق محياه، في دكانه، يقوم بنفض الغبار من فوق( طواق) القماش الملفوف على العصا الكرتونية.
*****
*****
وفي أواخر إبريل 69 تم إعتقال زكريا غالب، فقامت فاطمة ببيع المحل، نهض صاحبه الجديد برفع لوحة ضوئية، كتب عليها(حلويات القباطى.. لصاحبها.. على سعيد القباطي)، يقف على سعيد خلف القاطع الزجاجي، والزبائن تأخذ حاجتها من خلطة الحلاوة الساخنة إلى الرف الجانبي.
*****
*****
لم يعرف أحدا سبب إعتقال زكريا، وترك ذلك لتكهنات الأخرين، منهم من قال أن السبب هى أحاديثه المزعجة والغير مفهومة، وأخرين أعادوا ذلك لصلة الاخوة بالملازم سعيد غالب، ذهب زملائه للبحث عنه في سجن الأمن الوطني، فقيل:
- لا وجود لهذا الاسم عندنا.
ذهبوا إلى مختلف السجون فلم يجدوه، إنه في سجون الأمن المتعددة المعلنة والخفية، في غرفة مظلمة سمع أحد يسأله:
- لماذا أتيت؟
- لا أدري أخذوني من المدرسة.. من أنت ؟
- زكريا غالب
- أنا زكريا غالب.. فمن أنت؟؟
- أنا زكريا غالب.. أنت ايضا زكريا غالب.
-كيف ذلك؟
كل الذين من أمثالك.. هم زكريا غالب.
*****
- لا وجود لهذا الاسم عندنا.
ذهبوا إلى مختلف السجون فلم يجدوه، إنه في سجون الأمن المتعددة المعلنة والخفية، في غرفة مظلمة سمع أحد يسأله:
- لماذا أتيت؟
- لا أدري أخذوني من المدرسة.. من أنت ؟
- زكريا غالب
- أنا زكريا غالب.. فمن أنت؟؟
- أنا زكريا غالب.. أنت ايضا زكريا غالب.
-كيف ذلك؟
كل الذين من أمثالك.. هم زكريا غالب.
*****
ولّتْ رياح إبريل المتربة، وبدأ إعتدال الجو الصيفي الممتع بسماء صافية صباحا، غائمة بسحب ماطرة ما بعد الظهر
ذلك ماكان يعرفه الناس خارج بيت غالب، إما داخل البيت فهو غائم بكثافة وممطر بأمطار ماحقة ومترب بتراب يحجب الرؤية، رمى بكل حمله الثقيل على الفتاة فاطمة غالب، فقدت والدها، وقبله فقدت والدتها، وبعد ذلك أخيها زكريا المغيب في السجون، وقبل كل ذلك.. استشهاد سعيد غالب وها هى تواجه بقية السنة الدراسية، وهي لا تعلم كيف ستواصل حياتها أصلا، في هذه الظروف، كانت في أواخر حياة والديها، تفكر في مستقبلها، وفي كل مرة تصل الى طريق مسدود، فكرت أن تواصل العمل في صنع الحلاوة المقصقص، لكنها بحاجة لمن يقف في المحل، ومن يقوم بعمل الحلاة، وإن وقفت، سيكون على حساب دراستها، وفكرت في الوقوف في الأسواق لبيع الخمير أو اللحوح أو الملوج، لكن ذلك سيأخذ وقتها ولن تتمكن من إكمال دراستها، غاية آمالها، تصل دائماً إلى طريق مسدود، وها هى الأن تعيد ما سبق أن فكرت به، عليها الأن أن تقاتل من أجل لقمة العيش، وأن تضحي بالدراسة، إن لزم الأمر، لكنها حين تصل إلى كيف؟؟، تصاب بالإغماء ، فكرت بأهل والدها ووالدتها، بقريتهما، حتى أنها لا تعرف اسم قرية والديها، وتذكرت ذلك الذي زارهم قبل أشهر.. قال والدها ووالدتها إنه الخال، الخال المقيم في عدن، أين هو الأن، وكيف تصل إليه؟ وهل بوسعه ضمها إلى أسرته !!، في غمرة يأسها، أقفلت بابها على نفسها، مضى حالها يومين، سمعت طرق بابها، زحفت إلى الباب ، كانت والدة الشهيد حسان حسن على(صاحب محل بيع القماش في سوق الجمهورية)، فتحت لها الباب، وما أن سألتها عن حالها، أجهشت بالبكاء، إحتضنتها قالت لها:
- اسمعيني يا أبنتي ، إكراما لمن ذهبوا.. وما كان بينهم.. وإكراما للمجورة وإكراما لنا أن تقومي معي إلى بيتنا، أنا وعمك حسن، ومعزتك عندي مثل معزتنا للذين عاشوا أخوة في هذا البيت وفي بيتنا وبيت سيف عبده، واستشهدوا معا، أنت واحدة مننا ونحن أهلك وذويك، ستعيشين بيننا كواحدة مننا، أنت تعرفيننا ونحن نعرفك، إستجابت الفتاة وراحت معها، وهناك، عاشت الفتاة أيامها الأولى، متحفظة، وشيئ فشيئ، إعتادت على ما حولها، خاصه وقد أشعروها إنها في بيتها، وإنهم أهلها، كانت تذهب إلى المدرسة صباحا، وبعد الظهر تساعد عمتها في شؤون المنزل، ثم تتفرغ لمذاكرتها أو قراءتها للمنشورات أو للكتب، كما كانت في أيام والديها، وفي يوم من أيام مايو69
ذلك ماكان يعرفه الناس خارج بيت غالب، إما داخل البيت فهو غائم بكثافة وممطر بأمطار ماحقة ومترب بتراب يحجب الرؤية، رمى بكل حمله الثقيل على الفتاة فاطمة غالب، فقدت والدها، وقبله فقدت والدتها، وبعد ذلك أخيها زكريا المغيب في السجون، وقبل كل ذلك.. استشهاد سعيد غالب وها هى تواجه بقية السنة الدراسية، وهي لا تعلم كيف ستواصل حياتها أصلا، في هذه الظروف، كانت في أواخر حياة والديها، تفكر في مستقبلها، وفي كل مرة تصل الى طريق مسدود، فكرت أن تواصل العمل في صنع الحلاوة المقصقص، لكنها بحاجة لمن يقف في المحل، ومن يقوم بعمل الحلاة، وإن وقفت، سيكون على حساب دراستها، وفكرت في الوقوف في الأسواق لبيع الخمير أو اللحوح أو الملوج، لكن ذلك سيأخذ وقتها ولن تتمكن من إكمال دراستها، غاية آمالها، تصل دائماً إلى طريق مسدود، وها هى الأن تعيد ما سبق أن فكرت به، عليها الأن أن تقاتل من أجل لقمة العيش، وأن تضحي بالدراسة، إن لزم الأمر، لكنها حين تصل إلى كيف؟؟، تصاب بالإغماء ، فكرت بأهل والدها ووالدتها، بقريتهما، حتى أنها لا تعرف اسم قرية والديها، وتذكرت ذلك الذي زارهم قبل أشهر.. قال والدها ووالدتها إنه الخال، الخال المقيم في عدن، أين هو الأن، وكيف تصل إليه؟ وهل بوسعه ضمها إلى أسرته !!، في غمرة يأسها، أقفلت بابها على نفسها، مضى حالها يومين، سمعت طرق بابها، زحفت إلى الباب ، كانت والدة الشهيد حسان حسن على(صاحب محل بيع القماش في سوق الجمهورية)، فتحت لها الباب، وما أن سألتها عن حالها، أجهشت بالبكاء، إحتضنتها قالت لها:
- اسمعيني يا أبنتي ، إكراما لمن ذهبوا.. وما كان بينهم.. وإكراما للمجورة وإكراما لنا أن تقومي معي إلى بيتنا، أنا وعمك حسن، ومعزتك عندي مثل معزتنا للذين عاشوا أخوة في هذا البيت وفي بيتنا وبيت سيف عبده، واستشهدوا معا، أنت واحدة مننا ونحن أهلك وذويك، ستعيشين بيننا كواحدة مننا، أنت تعرفيننا ونحن نعرفك، إستجابت الفتاة وراحت معها، وهناك، عاشت الفتاة أيامها الأولى، متحفظة، وشيئ فشيئ، إعتادت على ما حولها، خاصه وقد أشعروها إنها في بيتها، وإنهم أهلها، كانت تذهب إلى المدرسة صباحا، وبعد الظهر تساعد عمتها في شؤون المنزل، ثم تتفرغ لمذاكرتها أو قراءتها للمنشورات أو للكتب، كما كانت في أيام والديها، وفي يوم من أيام مايو69
الخاتمة
ظهر خالها، عرض عليها أخذها إلى عدن، لم تستطع أن تتخيل أن يكون وجودها في بيت خالها أفضل من بيت العم حسن، ولا حتى في مستوى النصف، لكنها كانت تعلم إنها ستذهب إلى دولة ترعى فيها الفقير واليتيم، رغم محاولات العم حسن وزوجه في إبقاءها تحت رعايتهم، لكن الفتاة قبلتهم بدموع منهمرة، وودعتهم، ذهبت مع خالها إلى عدن، قال لها عمها حسن، سوف يتابع أخبارها من خلال المسافرين.
ظهر خالها، عرض عليها أخذها إلى عدن، لم تستطع أن تتخيل أن يكون وجودها في بيت خالها أفضل من بيت العم حسن، ولا حتى في مستوى النصف، لكنها كانت تعلم إنها ستذهب إلى دولة ترعى فيها الفقير واليتيم، رغم محاولات العم حسن وزوجه في إبقاءها تحت رعايتهم، لكن الفتاة قبلتهم بدموع منهمرة، وودعتهم، ذهبت مع خالها إلى عدن، قال لها عمها حسن، سوف يتابع أخبارها من خلال المسافرين.
*****
ما كان يحز في نفس العم حسن وزوجه في ما تلاها من شهور وسنين، أنهما لا يعلمان شيئاً عن الفتاة فقد ساءت الأحوال بين البلدين، وأشتعلت الحروب، وأنقطعت الأخبار وتقطعت السبل، ولا يعلم أحد ما حل بفاطمة جنوبا، ولا بأخيها زكريا المغيب في السجون شمالا، حتى يسجن الجنوب في الشمال، ويغرق الشمال في الجنوب، ويتولد يوم جديد، من رحم11فبراير 2011، حينها، سيظهر زكريا غالب وفاطمة غالب في أرض جديدة تحت سماء
مفتوحة الآفاق....... نهاية القصة
2015.نوفمبر

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق