اخر الاخبار

من خضم الحرب.. إلى أمي



ضياف البراق




"إلى أمي الغالية؛ تحية الحرب وأنَّات بطون اليتامى والمشردين وبعد: سامحيني لأنّي بكيت رحيلكِ دماً وآهات وليالٍ غاضبة بالموت؛ مشحونة بالحسرة والضجر المستميت.


ساميحني لأني أزعجتكِ في مرقدكِ البرزخي أنذاك ومازلتُ! سامحيني ان كفرتُ بالحياة يومذاك الغدر الغاشم؛ قرباناً لروحكِ العاطرة التي غادرتني باسمةً؛ تفادياً صلف وغربة سجننا الكبير، أعني هذا الوطن المُحتضِر تحت أنقاض سطوة الكاتيوشا وعاصفة القذائف وسُحُب الرصاص.


هأنذا قد أتيتُكِ منكِ إليكِ؛ زاحفاً فوق أشلائي المتعثرة بشظايا الموت، راجيا منكِ تراتيل الغفران وهدهدة الحنان المُحال. أدركتُ اليوم بأن رحيلكِ الجبان ذاك؛ كان مُحقاً، كان واجبا عليكِ وحقاً على القدر القاسي الودود.


أثقُ بأني لا يستحقُ شيء مما قد جِئتُكِ لأجله، ربما أنا لايستحقك،ِ لأنكِ جوهرة عظيمة أنبلجت من بهاء الله وتجلّتْ من بين أحداق الياسمين.


لأنكِ حب الحب، ندى الندى، ورد الورد. بِمَ وكيف ولِمَ وهل ومتى وأين؛  كل هذه الاسئلة لم يعد لها تاريخ صلاحية في تقويم هذه الحياة العابسة، لم يعد لها ولو بصيص من نبض العمر! هنا، حيثُ يموت أنا وتولدين أنتِ؛ صار لاشيءَ يروق لنا البقاء فيه أو النظَر إليه. هنا، القصيدة ثكلى، الريحان تَصَوبرَ، الورد تحنظَلَ، الحلم تأكسد وتأكسدَ الحلم! كل شيء هنا باتَ مُفلساً،عاريا، أمرداً، أهوجاً، أعوراً، حتى أنا الميتُ صار لاشيء! 


كل شيء هنا بات يفتقر لكذبة الفرح، لخرافة الربيع، لسريالية الخبز، لسَفَسّطَائية الضوء وملهاة الحزن، لديمُقراطية الدمع والرسم، ولحُرية الحرية!حتى نوافذ بيتنا المطمور بين ركام الدخان المُسال؛ تأرملتْ من شعاع الشمس وزخات المطر، باتت خرساء لايصلها تيار الصرير وحفيف الأشجار وعبق المشاقر! تجمدت كل ضمائرنا، تسَوَّسَ الطريق؛ تكَلَّستْ أمواج النوم وتخثرت الرئات والمراقد!


كم أنتِ محظوظة عندكِ، نعم كم أنتِ محظوظة وكم نحن نحسدكِ على سُكونَكِ المُستريح والذي أخشى أن تصل إليه جعجعة الأشباح وطقطقة البنادق وضجيج الخيّبَات!.

ساميحني أمي، أرجوكِ لاتصفحي عنّي، لاتغفرين لي إثم احتضاري هذا؛ احتضاري المصروع الذي كدستُهُ في شرايين قبركِ الرغيد قسرا تحت ضغوط هذا القَرَف، قرف التاريخ المُزوَّر، المشبوه برجس التقاليد الرذيلة، المُلطخ بعَفن الشيخ والسيد وآل الموت، المكتوب بنقيع السُّم؛ المؤرشف في مؤخرة الكهنوت!.


ماذا بعد ..تسَاءَلين معي أمي؟! لا، لا تتَساءَلين! لأني أخاف أن تموتين في قبركِ الفخم مرة أخرى بعد الألف! بعد موتي اللا معدود ولَهَفي العالق في اختناق المدى حتى يموت الليل والليل يموت!.


اخبريني أمي؛ من الذي ارشدكِ بأنهم قادمون إلينا من كهوف الهزلية وشَبَقْ البسوس، أخبريني من الذي منحكِ فكرة الرحيل الحاذقة؛ مَن الذي أنقذكِ من قطيع الفاحشة؛ من آلة الطغيان وعُهر التوريث والتسلط؛ من ومن..أخبريني؟!


ارشديني إلى فكرة ساميةٍ مفادها النصر على كُربة التابوت، النصر على زندقة ثيران زماننا الأحوَل ولعنة الطاغوت. أرشِديني، كيف ينتصر نبي الحب والقلم على شهوة الجُدري وجرثومة الطاعون!.


من مجموعة أوراق حرة _ ثقافي ابداعي، بالواتس اب
يتبـــع⇐

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

وكالة أرصفة للأنباءجميع الحقوق محفوظة 2016