د_ علي عبدالرحمن الخليدي
شعب، أو ملايين من الشعب يجري اليوم تهميشهم، يجري اليوم تفقيرهم، وتجويعهم، وتحويل المجاعة بينهم، وفي أوساطهم، إلى ظاهرة عمومية.
شعب دون اي خدمات صحية، حتى غزته، وإجتاحته الامراض الفتاكة، المنقرضة:الملاريا، الكوليرا، السل، الطاعون، الجدري، الكبد الوبائي، وغيرها.
شعب يعود القهقرى، للعمل بنظام السخرة، والعالم ينطلق لتجاوز العقد الثاني، من الآلفية الثالثة، وفي عصر العولمة الاتصالية، والمعلوماتية(اقتصاد المعرفة) تتضاعف اجور شعوب العالم القريب منا، ومن كانوا خلفنا أضعاف، وشعبنا يحال للسخرة، ويصادر راتبه بالجملة، لصالح مشروع قتالي، جهادي، مقدس، مكرس لخدمة السيد، وتحالف حرب العصبية، ضد الدولة، والمجتمع.
يصادر راتبه بحجة أن الراتب، لمن يحمل السلاح، من المجاهدين، أولاد المجاهدين، ضد جزء من شعبهم، لانهم خارجين عن الملة(كفار تاؤيل).
ملايين من الشعب/والأسر، من مختلف مراتب السلم الإجتماعي لاتتقاضى، رواتبها لاشهر، وهو مصدر حياتها كله، ولاحياة لها دونه.
شعب كامل يعود إلى عصر ما قبل الكهرباء، ولاكثر من سنتين كاملتين، بدون نور الكهرباء، حتى لنصف ساعة، تتحول فيه مصادر حياته الاساسية الاولى(الديزل، البترول، الغاز) إلى حالة فساد كبرى، في لعبة سوق سوداء مكشوفة، علنية تقيم، وتسكن في جميع شوارع، وازقة، وحواري البلاد،ولايتحصل عليها المواطن، الذي كان متوسط الحال، إلا بشق الانفس، كل ذلك يحصل في قلب العاصمة صنعاء، والمدن الواقعة تحت سطوة سلطة الانقلابيين، وبرعاية وحراسة من الميليشيات، ولاتقول قيادات الاحزاب، والنخب، ومنظمات المجتمع المدني، كلمة واحدة، أو بيان يتيم، مع أن المطلوب، وفقا، لمقولة، أو مفهوم، وحدة القول، بالفعل، تلازم، النظرية، والتطبيق، و(لاحركة ثورية، بدون نظرية ثورية) أن يتحول مثل هذا الوضع، التراجيكوميدي، إلى مدخل لحركة ثورية، نشطة، في كل الاتجاهات، ضد هكذا وضع مآساوي، مطالبين بحق الناس، والمجتمع، منهم، وعليهم، مثل أماً تحضن اطفالها المتعبين، مثل حزباً يرتدي، زي، الثائريين، في مواجهة، ثنائية، انقلاب، وحرب، تحاول استعادة، ملكاً عضوض (مركز مقدس) رغماً عن إرادة الناس، وفي حركة معاندة لمجرى التاريخ، ولكن لاحياة لمن تنادي، ولن يسمع حي، منهم-القيادات- سوى رجع صدى اصواتهم، قيادات احزاب، أصيبت بالصمم، والتزمت الصمت، والصوم عن الكلام المباح، والمتاح، وارتضت لنفسها الحياد، والاستقلالية، والاستقالة،عن فعل، أو قول، ما يستوجب القول حول، و عن ما يجري، لان ما حصل من إنقلاب، وما يزال يجري من حرب على السياسة، وعلى العملية السياسية التوافقية، وعلى الشرعية، وما تجري من حرب ممتدة، لاتعنيهم، مهزومين، ومأزومين، في داخلهم، لدرجة، عدم القدرة، على البوح.
لقد اسمى المفكر السعودي/عبدالله القصيمي، العرب، بأنهم ظاهرة صوتية، في واحدة من عناوين كتبه، على أن قيادات احزابنا الموقرة بما لديهم من قوة طباع، وبما لديهم من تجرؤ، سبقوا، وتجاوزوا، هذه التسمية، محولينها، من حالة السلب، التي عناها، وارادها، لها، القصيمي، إلى حالة ايجابية عظيمة، بعد ان افقدتنا، هذة القيادات حتى شرف الظاهرة الصوتية، لنقل أن لدينا، هنجمة اللسان، وهو أضعف الإيمان، هي لم تقل شيئا، لم تتكلم، لذلك لم نعد نراها(نراهم) أو نسمع عنها(عنهم) هي مع الاسف، في حكم العدم.
إن القيادات الراهنة، من جميع، الاصناف، والاطياف: قومي، إشتراكي، إسلامي، وطني، ليبرالي، قد، أضعفت احزابها، ومكوناتها، وشلت قدرات اعضائها، بعد أن افقدتها(افقدتهم) حتى ان يكونوا، أو ينعتوا بأنهم، ظاهرة صوتية، الحالة التي رفضها، ونقدها، عبدالله القصيمي، مطالباً بالفعل، والدور السياسي، الملموس، علماً، أن القول، الكلمة، هي لغة، ووسيلة، التواصل، الوحيدة بين البشر، وهي الوعاء الجامع، ومدخل الناس لصناعة الافعال المشتركة.
فلا القيادات أوصلت صوتها، للناس، ولاهي صارت قادرة على سماع نحيب، وانين صوت الجياع، وزفرات موتهم الحادث في كل مكان من البلاد، بعد أن صارت المجاعة، والامراض، وغياب الراتب، لاشهر، هي عنوان حياة للناس، لقد توقفت لغة الكلام-حسب أغنية، السيدة، أم كلثوم- حتى تصريحات المصدر الرسمي، انعدمت، وسكت الجميع، عن الكلام المباح، والقول المتاح، فكيف بالقول، المحرم، والمجرم، خاصة بعد أن أوقفت، وصودرت جميع الصحف، بما فيها الصحف الاهلية، والخاصة، وحتى القريبة، من تحالف الانقلاب، والحرب، وتحديداً، صحف: التجمع، والثوري، والوحدوي، والشورى: الصحف التي كانت إلى حدً بعيد منبراً ديمقراطياً، تغطي ضعف، وعجز الصوت السياسي الغائب، للقيادات، كانت بمثابة المعادل الموضوعي، لضعف صوت القيادات، وتحديداً، من بعد انقلاب الميليشيات، على جميع التوافقات، وتدميرها للعملية السياسية، وللمجال السياسي كله بضربة انقلابية، قاضية، اخرجت السياسة، من فضاء التداول العام.
اليوم شعب في عمومه، يفقر، ويجوع، وتنتهك، حرماته، وقلة في عدد أصابع اليد الواحدة، تصاب بالتخمة، والثراء الفاحش- مليارديرات- وفي زمن قياسي، ولانسمع كلمة، أو بيان، أو تصريح، من أين لك هذا؟!! وكله على المكشوف، وعلى عينك، ياقيادات الاحزاب، ومكافحة الفساد، وعلى رأسك يا راسمالي، وتاجر.
شعب في همومه، يغرق، وفي عمومه، يذهب إلى المقبرة المفتوحة، وبدون اكفان، وقلة قليلة، من الفاسدين الجدد، تؤسس، شركات نفطية عملاقة، بأموال الشعب، المنهوبة، والتي صار فسادها يزكم الانوف وبالوثائق، والمستندات، ولا تقول قيادات الاحزاب في ابراجها العاجية، شيئاً.
هناك من يموت، ومن يقتل، ومن يغتال، باشكال عديدة، من رجال الكلمة الشريفة، والمحسوبين، على الاحزاب، أوالقريبين منهم، بسبب قولة حق، ولا تنبس قيادات الاحزاب المبجلة بكلمة، أو بيان، أو تصريح، لمصدر، غير رسمي، رثاءاً لمن يقتلون، أو إحتجاجاً على من يسجنون، أو يخفون قسرياً، بسبب رأيهم، وقولتهم كلمة حق في وجه ميليشيا جائرة، بل ان بعض قيادات هذه الاحزاب، لا تشجع قول مثل ذلك القول، لان الظرف لايسمح بالكلام!! ( عجبي!!) وهل الاحزاب السياسية المعارضة، كانت تنتظر إذناً من السلطات، لتسمح لها، بالكلام.
إن المصيبة، والكارثة اليوم، شاملة، عمومية،لاتطال قيادات المكونات السياسية، التي التزمت أدب الصمت، وفضيلة البقاء على الحياد، والإستقالة عن الكلام، بعد أن انسحبت من فعل اي دور في المشهد السياسي الراهن، بدعاوى زائفة، لتبرر تقوقعها، وانعزالها، وخوفها عن القول الحق، والفعل، معاً، في تكييف، وتكيف، سياسي لامثيل لهما،، مع واقع سلطة، الأمر الواقع، لان الطامة القاصمة للعمر آتية، في أن ترى بعض النخب الثقافية، والمدنية، تتوارى، وتتلطى خلف بيانات ما ئعة، جوفاء، حول السلام، وثقافة السلام، بل وفن السلام، وشعارات إيقاف الحرب، في كلمات ميتة، محنطة، عن فن السلام، وفي حب السلام، بلغة فيها من رفاهية الخطاب، وعبثيته ما يصل حد اللامعقول، في بيانات، نمطية، مكرورة،خاوية من المعنى، لاتشير إلى شيئ، مما يجري في الواقع من خراب عظيم، كلام، وبيان، ستجد عباراته، وجمله، منشورة، ومدونة، وحاضرة، من عقود، إن لم يكن من قرون، في الكتب المدرسية، النظرية، وفي مقالات الفلسفة السياسية، وفي ملخصات طلبة الجامعة، لبعض اقسام كليات العلوم الإنسانية، ستجدها بالحرف، وبالنص، ويمكن بقوة ضغط سياسية، أعلى، مما تورده بيانات البعض.
إن تعريف، الديماغوجيا، القاموسي، والإصطلاحي، هو الكلام النظري، والسياسي، العام، الذي تستطيع إسقاطه على كل الحالات المجتمعية، وعلى، كل المناسبات السياسية، دون إستثناء، هو الكلام الفارغ من المعنى، كلمات، وبيانات، وخطابات، ستجدها على متن الكتب المتحفية، والمعجمية، جمل، وتعبيرات تقول كل شيئ في العموم، المجرد، ولاتقول شيئاً، محدداً، ومفهوما، حول واقع مطلوب، نقضه، ونقده، واصلاحه، أو تغييره، فالكلام أبداً، له وظيفة، ودور، واهداف محددة، مباشرة: تجديداً، أو إصلاحاً، أو تغييراً، وحين يرمى الكلام هكذا على عواهنه، على قارعة الطريق، دون طريق محددة لسيره، ودون هدف سياسي، عملي، واقعي، يستهدفه القول، والبيان، أو الخطاب، فإنه يتحول إلى لغو، وكلام فارغ من المعنى (ديماغوجيا)، وتضليل، وحرف للكلام عن مواضعه، وتخدير للناس، حول ما يجري، والذهاب بهم بعيداً عن الواقع الملموس، في إصطراعه، وسحب للواقع من تحت اقدامهم، وإستبداله، بواقع بياناتي، بديل، هو تهريب للواقع إلى مكان أخر، ممنوع الإقتراب منه، بالنقد الحي.
هي اقوال، وبيانات، تصدر من البعض، فقط لاثبات أنهم حاضرين، وفاعلين، ومؤثرين، في الواقع، ولهم صولة، وجولة، وقولة، في الشأن العام.
كلام وتصريحات، وبيانات، إذا ما قيست، بما يعتمل، وما يمور به الواقع، من خراب عظيم، ومن إفساد ممنهج، ومنظم، اعظم، فإنها لا تزيد الواقع سوى خراباً، وفساداً، لانها كلمات مائعة، مجردة، مفصولة عن الواقع، فيها من التلفيقية، والوصفية، والإنشائية، اكثر مما فيها من الموضوعية، والواقعية السياسية، بيانات تدعي زوراً التوفيق، بين المتناقضات،التي لايجمع بينها جامع، فقط لتقول أنها الطرف المستقل، الحيادي، في قلب، الانقلاب، والحرب، وفي مجرى الصراع الجاري، بين مشروعين، متضادين، متناقضين بالمفهوم التاريخي، أحدهما يحاول عبثاً، أن يجر العربة للخلف، وآخر على مصاعب ولادته التاريخية المعقدة، يحاول التقدم للأمام.
نسمع اليوم عن بيانات، إعلانها، مثل عدمها، وخروجها للعلن، تبذير بالحبر الذي كتبت به، خاصة، وأنها لاتقول شيئاً له معنى، حول ما يجري في البلاد، فالانقلاب، لا يعنيهم، والحرب، ليسو طرفاً، فيها، كما أن قمع الحريات، ومصادرة حرية الرأي، والتعبير، ووضع الآلاف من اصحاب الرأي المعترض، في السجون السرية، لاكثر من سنة، وسنتين، والغاء الفضاء السياسي، وعسكرة المجتمع، وتجويع الشعب، وإفقاره، والمجاعات التي تحصد ارواح المئات والآلاف، حتى مصادرة راتب الملاين، أمور لاتخصهم، ولا تلمح إليها بياناتهم مجرد تلميح، أو إشارة ضمنية، عابرة، حتى، لماماً ،لان همهم جليل وعظيم، ينحصر في التركيز على، القيم، والمثل، والمبادئ الإنسانية، العليا: السلام، وفن السلام، والمحبة، ورفض الحرب، والدفاع عن القضاء العادل، في واقع إختطاف الميليشيات، للدولة، وإحتلالها للمؤسسات، وإستعمارها للمجتمع بالحرب، وبالعصبية، ومنطق التغلب.
إنهم يخترعون بيانات، لمشاكل، وقضايا، بحثتها، المعاجم، والقواميس، والكتب المدرسية، ويبادرون من حيث هم، تلفيقيين، ودون ربط، لمشاكل الواقع، بالمفاهيم، والمصطلحات، والشعارات، التي يجرونها خلفهم، ويرفعونها فوق الواقع، ويبادرون، من حيث يجلسون، في تقديم حلول جاهزة، منتزعة، من متن صفحات المراجع، والقواميس، دون بحث صلتهابالواقع الحي، المعاش، الذي يصطرع، ويختلف، حوله الناس، وتدور حوله الحرب.
إننا أمام، قيادات مكونات سياسية، وبعض نخب، ثقافية، فقدت صلة علاقتها الحية بالواقع، واستبدلتها، بالبيانات،الجاهزة، بين حيناً، وآخر، قيادات، ونخب، وصلت إلى طريق مسدود، مع الدور الذي إنتدبت نفسها له، وكفت، ذاتياً، وواقعياً، عن أن تمارس، دورها الوظيفي، السياسي، والتنظيمي الثوري، حتى حدود عجزها عن تبني قضية، الملايين، من الناس الجائعين، في حقهم في الحصول على رواتبهم، لان الراتب، حياة، وفقاً لتعبير نقابة هيئة تدريس جامعة صنعاء، المتروكين لوحدهم، دون سند، ولاتضامن، وكأنهم قطيع أجرب، وحين يصل الفشل، والعجز، إلى هذا المدى!!! فإنها إعلان الإستقالة الفعلية عن العقل، وليس عن اي فعلا سياسي، أو اي دور كفاحي، كما اعلنها القائد العظيم جمال عبدالناصر، بعد نكسة، أو هزيمة حزيران، 1967م، مع الإعتذار للجميع، عن المقاربة، أوالمشابهة.
إن ما يحصل اليوم، مع غياب اي دور سياسي، للقيادات، وليس للاحزاب، ككيانات، هو إعلان انسحاب، وإستقالة، من لعب اي دور في الحياة السياسية، فحين تعجز، وتفشل في مشاركة الناس، همومهم، ومشاكلهم، وتقف مكتف، دون القدرة، على عمل شيئ، أو المساهمة في تقديم حلول نظرية،وسياسية، للمشاكل، والتحديات العملية الحاصلة، فما عليك، سوى إتباع الطرق التنظيمية، البرنامجية، السليمة، لتصحيح، الاوضاع، وتدارك ما يمكن، تداركه، قبل، أن تكر سبحة، السقوط، إلى ما لايحمد عقباه.
اللهما اني بلغت، اللهما، فاشهد.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق