اخر الاخبار

القرصنة البحرية ومخاطرها على الاقتصاد والأمن الدولي





أ. مشارك د. فضل الربيعي
==============

لم تكون القرصنة القرصنة البحرية ظاهرة مستحدثة ، بل هي قديمة قدم حركة الملاحة البحرية نفسها ، إذ عرف العالم وممراته البحرية هذه الظاهرة ومنها مضيق باب المندب وغيره، كثيرا من عمليات القرصنة وذلك من زمنا بعيد.

ومع زيادة حركه الملاحة الجديدة ولاسيما بعد اكتشاف النفط في القرن الماضي ، وازدهار حركة التجارة الدولية سارعت عدد من الدول إلى نشر سفنها الحربية لمرافقة وحماية البواخر التجارية وناقلات النفط في الممرات الدولية ، حيث اختفت ظاهرة القرصنة . إلا أنها عادت إلى الظهور مجددا في الوقت الراهن وبصورة مفاجئه ، إذ سجل عام 2008 عدد كبير من أعمال القرصنة البحرية والتي انطلقت من السواحل الصومالية ، مما أثارة قلق ومخاوف كثيرا من الدول، وباتت تشكل خطر حقيقا يهدد الاقتصاد والأمن الدولي والإقليمي، الأمر الذي دفع بعدد من الدول الكبرى إلى تعزيز أساطيلها البحرية والقطع البحرية إلى منطقه البحر الأحمر وخليج عدن .

تعريف القرصنة : تعرف القرصنة بأنها نشاط انتهازي غير شرعي وغير أخلاقي ، تقوم به عصابات من الناس في مناطق تغيب فيها سلطات الدولة والقانون، ويدر على هذه العصابات مكاسب مالية كبيرة( ). كما تُعرف القرصنة بأنها عمل غير شرعي من أعمال العدوان يرتكبه أشخاص على ظهر السفينة في أعالي البحار، أو يرتكبوه ضد أشخاص على ظهر سفينة أخرى بقصد النهب أو السلب ( ).

وبهذا المفهوم اننا نقصد بالقرصنة البحرية بأنها عمل عدواني يتم باستخدام القوة، يتعدى على حقوق الغير ويعرض مصالحهم الاقتصادية والأمنية لجملة من المخاطر.

الأهمية الإستراتيجية لليمن:

يُعد اليمن من أهم الدول في الجزيرة العربية سكانا وجغرافيا، فسكان اليمن يوازي سكان دول مجلس التعاون الخليجي مجتمعه ، أما من حيث الموقع الجغرافي فاليمن يُطل على البحر الأحمر وخليج عدن والبحر العربي، ويتحكم بأهم الطرق التجارية في العالم وهو مضيق باب المندب، الذي يربط بين قناة السويس ومضيق هرمز، تمر فيه يوميا حوالي 50-60 ناقلة، بمعدل 30% من حمولات النفط عالمياً، تمثل حوالي (7%) من حركة الملاحة العالمية ( ) .


ولقد مثل هذا الموقع أهم أطماع الدول والقوى الكبرى على المستويين الإقليمي والدولي، في نشاط الملاحة الدولية الذي ربط الشرق بالغرب ، فكان منظور السيطرة على باب المندب من قبل تلك الدول هو العامل الرئيس للسيطرة على الملاحة الدولية، والتي تحاول كل منهما ان توجد لها موطئ قدم فيه ، ونظراً لأهمية اليمن من منظوم أمن الخليج العربي بخاصة والأمن العربي والدولي بعامة، هو ذلك الاهتمام والتنافس المتزايد من قبل الدول الكبرى في العالم على الممر المائي، وهذا ما عبر عنه الرجل الثاني في جهاز المخابرات الأمريكية في أحدى المرات ” مايكل موريل ” عندما قال : ” بأن اليمن يُعد أخطر بقعة في العالم “، وهذا دليل وأضح على أهمية الموقع بالنسبة للعالم أجمع .

وقد تزايد ذلك الاهتمام بعد أحداث 11 سبتمبر 2001م ،التي أثرت على مجريات الصراع على المستوى العالمي، وظهر اهتمام الولايات المتحدة الأمريكية، وعدد من دول العالم حول محاربة الإرهاب، والقرصنة البحرية ، إذ كان مضيق باب المندب من أولوياتهم في تواجدهم لحمايته من مخاطر الإرهاب والقراصنة .

وعليه فقد تواجدت في باب المندب ومحيطه عدد كبير من القوات والقطع البحرية التابعة لبعض الدول الكبرى في العالم، والتي قدمت تحت مبرر حماية هذا الممر الدولي الذي أصبح مهدداً من خطر القرصنة البحرية ، بعد تزايد الأعمال الإرهابية والقرصنة بالمنطقة ، حيث تحتفظ فرنسا بأكبر قاعدة بحرية في جبوتي ، كما تحتفظ إسرائيل بمطار عسكري في أحد الجزر الصغيرة قبالة باب المندب، وتمتلك كل من الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا وبريطانيا والصين وغيرها قطاعات بحرية متفاوتة الحجم لحماية المضيق . كل هذه المعطيات تجعل من اليمن دولة مهمة في منظومة امن الملاحة الدولية.

من هنا تشكل اليمن أهمية كبرى في تأمين سلامة البحر الأحمر وخليج عدن، لما لذلك من أثر كبير على مخاطر الأمن القومي الخليجي والعربي بخاصة ، والأطماع الأجنبية التي تستهدف المنطقة عموما ، والتي باتت قائمة، ولاسيما بعد تراجع الأوضاع الأمنية واستمرار الصراعات الداخلية فيها.

وعليه فإن تردي الأوضاع الأمنية والاقتصادية والسياسية التي يعيشها اليمن تُعد عاملاً محفزاً لانتعاش الأطماع الأجنبية باليمن ، وتعطيها مبررات التواجد البحري حتى الآن؟! هذا من ناحية ، ومن ناحية أخرى فهي بنظر الدول الغربية تعد عامل من العوامل التي توفر بيئة مناسبة للعمليات الإرهابية والقرصنة البحرية .

الحرب الراهنة في اليمن وغياب أفق حسمها :

لقد مثلت الحرب الحالية الدائرة باليمن إحدى هذه العوامل المحفزة لتلك الأطماع كما هو الحال في التدخل الإيراني في دعمه للمليشيات الانقلابية وقوات المخلوع في حربهم على السلطة الشرعية ونظام الحكم في اليمن ، وهو ما دفع بالشرعية إلى أن تتقدم إلى دول التحالف العربية لمساعدتها على التصدي لمخاطر هده الجماعة التي تمثل تهديدا صارخا ً للأمن الخليجي والعربي. حيث تسعى إيران ، وفقا ً لبعض التقارير الغربية إلى وضع إستراتيجية عسكرية تمتد إلى 2025م ، تهدف إلى نشر قواتها البحرية من مضيق هرمز إلى البحر الأحمر، في هذه الحالة تكون إيران قادرة على تهديد حركة نقل إمدادات الملاحة ولاسيما ” النفط والغاز” وذلك من خلال سيطرتها على مضيق هرمز من ناحية ، ووجود حلفائها الحوثيين على مضيق باب المندب بعد سيطرتهم على ميناء الحديدة من ناحية أخرى.

ولقد أثبتت وقائع الحرب الراهنة في اليمن جملة من التعقيدات في مسار حسمها الذي يصطدم بمأزق كبير يتمثل في الانحياز الدولي إلى جانب الانقلابيين ودعمهم من قبل بعض الدول الإقليمية، وهو ما يشير إلى تأخر حسم الحرب على المدى القريب، ومن ثم فإن الاحتمالات ستطال جميع الانتهاكات الإنسانية والاقتصادية والعسكرية والسيادية لليمن عبر ديمومة الصراع والخراب والقتال الذي لا غالب ولا مغلوب فيه، الأمر الذي يصب في خدمة القوى الطامعة بالمنطقة والرامية إلى خلق مزيد من الفوضى في اليمن ومحيطه العربي ، لذا فإن بقاء الحرب مفتوحة دون حل جذري لإنهائها ويعيد الأمور إلى نصابها الحقيقي والاعتراف بالمعادلة التي افرزها مسرح عمليات الحرب على ارض الواقع ، في ظل المؤشرات عن اتجاه الأوضاع نحو مزيد من التعقيد والمآسي ، ومن ثم فدول الجوار العربي لن تكون بمنئ عن تأثير تصاعد الصراعات الداخلية في اليمن، والتي قد تمتد إليها كما يخطط له أعداؤها .

ويمكن القول إن حالة عدم الاستقرار في اليمن قد بدأت منذ ما سمي بفخ الوحدة عام 1990م ، ومنذ نهاية حرب 1994م التي شنها نظام صنعاء على الجنوب وانقلابه على مشروع الوحدة ، والتي بموجبها سيطر نظام صنعاء الطائفي والقبلي على مقدرات اليمن شماله وجنوبه. وبهذا الصدد يشير ابن خلدون في حديثه عن العصبية والدولة ، عن تأثير العامل الجغرافي للعصبية والمتمثل بتوغل القبيلة للاستيلاء على السلطة والحكم بوساطة الحرب وتستأثر بخيرات أراضي وثروات الغير، إمَّا لقلة عددها أو لعدم التحامها معها( ). وهو ما حصل للجنوب بعد حرب 1994م عندما استأثرت صنعاء بالسلطة وبثروات الجنوب بحيث تحَّول الجنوب إلى غنيمة حرب طالت كلَّ شيء، كما يجري في حروب القبائل التي تحَّدث عنها ابن خلدون ، فالعصبية كانت المحَّرك والباعث لكثير من الحروب بين الشمال والجنوب ، كالحرب الدائرة حالياً منذ مارس 2015م إلى يومنا الحالي .

أو الحروب السابقة التي جرت بين الطائفتين الزيّدية والشافعية لسنوات طويلة في اليمن، فضلاً عن الحروب بين الجمهوريتين قبل عام 1990م، وحروب الحوثيين مع السلفيين في السنوات القريبة الماضية .

ولقد أدى وضع ما بعد حرب1994م إلى اشتعال الأوضاع السياسة والاجتماعية والاقتصادية والأمنية بصورة كبيرة واهتزت شرعية الدولة والنظام السياسي الذي مارس أبشع المظالم والمجازر ولاسيما في الجنوب، مما ولد حركة احتجاج جنوبية وأسعه منذ ذلك التاريخ ضد التعسف والحرمان ونهب الثروات الجنوبية ومصادر الحقوق المدنية والسياسية وممارسة التميز ضد أبناء الجنوب ، وتصاعد دور ونشاط هذه الاحتجاجات حتى انتظمت في شكل حركة واسعة تشمل كل مناطق الجنوب وسكانه تسمى بالحراك الجنوبي السلمي في 7/7 /2007م، تطالب باستقلال الجنوب والعودة إلى دولته المستقلة ذات السيادة.

وفي شمال اليمن ظهرت هناك الحركة الحوثية بخلفيتها الطائفية في 2004م ودخلت مع السلطة والحكومة المركزية في صنعاء في حرب مواجهة وهي ما عرفت بالستة الحروب ، حتى وصلت إلى سدة الحكم في 21ستمبر2014 م وإطاحة بالرئيس الشرعي لليمن عبدربه منصور هادي وحكومة الشرعية ، وشنت الحرب في 25 مارس 2015م ، على الشرعية والمناطق السنية المختلفة ولاسيما مناطق الجنوب التي شهدت ضراوة الحرب التي تصدت لها المقاومة الجنوبية وبدعم دول التحالف العربي حقق النصر على الجماعات الانقلابية وقوات المخلوع والمدعومين من قبل إيران وطردهم من الاراضي الجنوبية.
مسببات مخاوف الخليج من استمرار الصراعات في اليمن :

تعود مسببات تلك المخاوف لدى دول الجوار العربي إلى فشل الدولة اليمنية في معالجة تلك الصراعات المتناسلة والمتكررة وبقائها دون حلول أو بالأصح عدم التوجه الجدي لمعالجتها. خصوصا وان كل المؤشرات والوقائع تشير إلى أن اليمن قد دخل في دوامة الفوضى وعدم الاستقرار، وهو ما يضعنا أمام فرضية احتمالية مفادها تضاؤل الخروج من هذا الوضع في المستقبل القريب، نظرا لغياب الرؤى العلمية لدى النخب اليمنية التي تتجاهل حقيقة أسباب جذور هذه الصراعات. وبسبب عدم قدرة الدولة اليمنية على معالجة أزماتها المتكررة، وتحولها إلى دولة فاشلة، فقد ينتج عن ذلك تردي كبير في الأوضاع السياسة والاقتصادية والاجتماعية والأمنية وتتصاعد الصراعات الداخلية القبيلة والسياسية والمذهبية ، كل ذلك يجعل من اليمن مصدر قلق وتهديد لدول الخليج العربي المجاورة التي تتأثر بالأزمات والنزاعات اليمنية الداخلية بصورة مباشرة وغير المباشرة.

إذ إن تحول اليمن إلى دولة فاشلة سوف تنهار كل مؤسسات الدولة ولن تكون قادرة على أدى وظائفها ولا سيما الأمنية منها ، حيث تتكرر فيها الصراعات الداخلية خصوصا إذا ما جاءت الحلول للحرب الراهنة في غير موقعها الصحيح ، أو بقاء الانقلابيين كطرف أساسي في نظام الحكم ما بعد التسوية ، وكل ذلك سوف يساعد على إيواء وتمويل وتسهيل عبور بعض الجماعات الإرهابية إلى داخل دول مجلس التعاون الخليجي عبر الحدود مع السعودية وعمان، خصوصا وان مواقف وتوجهات الانقلابيين الحوثيين والمخلوع تحمل سلوكا عدائيا تجاه دول الخليج ، ترمي إلى تهديد مصالح دول الخليج وقيمها، وهذا سوف يؤدي بالضرورة إلى نشوء صراع في المستقبل بين دول الخليج واليمن ، خصوصا وقد برهنت وقائع سابقة على سلوكهم هذا، مثلما حدث خلال اجتياح الكويت عام 1990م عندما وقف نظام المخلوع صالح ضد الكويت ومجلس التعاون ،أو كما يجري اليوم في مهاجمتهم للحدود السعودية وضرب الباخرة الامارتية في مضيق باب المندب قبل شهر تقريبا.

إذ لم تظهر القرصنة كفعل يهدد الأمن الإقليمي والعالمي إلا بعد فشل الدولة في الصومال وانهيار مؤسساتها وتحويلها إلى دولة فاشلة بحسب التقارير الدولية ، وعجز الحكومة عن تامين السواحل الصومالية لهذا فان اليمن يمتلك اطول سواحل في المنطقة والتي تبلغ الساحل اليمني 2500 كيلو متر مربع وتعد من أهم السواحل في المنطقة العربية والشرق الأوسط .
مقاربة لمعالجة حل الصراعات المتكررة في اليمن :

لقد بينت معطيات الواقع وخلفيات الصراعات الداخلية في اليمن قديما وحديثا، أنها كانت تتمحور الطائفية والقبلية والسياسية وهوية الدولتين في اليمن، وأظهرت عمق الخلاف بين الشمال والجنوب الذي يعود إلى فشل مشروع الوحدة بسبب الحرب والغاء هوية طرف لصالح الآخر. إذ أنَّ غياب مشروع الدولة الوطنية يعود في الأصل إلى فشل بنيوي في الهوية والنظام السياسي معاً الذين حولته النُخب السياسية والاجتماعية إلى عصبويات مختلفة زادت من عملية التخلف والتشظي السياسي والاجتماعي والثقافي في المجتمع.

وأظهرت أن اليمن معَّرض للمخاطر والانقسام الداخلي نتيجة المخزون الكبير في العصبيات المختلفة وغياب الهُوية الوطنية الجامعة ، لذلك فإن أي حلول غير قابلٍ للنجاح ، بسب غياب الإدراك الواقعي والعلمي لحجم هذه المخاطر لدى النُخب السلطوية والسياسية بمختلف اتجاهاتها الفكرية. وتغييب فضية شعب الجنوب من تلك المبادرات .

وعلية ندعو كل من المجتمع الدولي ودول مجلس التعاون الخليجي بخاصة إلى إعادة قراءات المستجدات والمساقات التي أنتجتها الحرب ومسبباتها ومسرح عملياتها ومالأتها ، إذ اظهرت قوتين على الارض الاولى في الجنوب ممثلة بالمقاومة الجنوبية ، والثانية في الشمال ممثلة بالحوثي.

من هناء تاتي ترتيب أولويات خطوات الحل باتجاه خلق توازن إقليمي يستوعب متطلبات الوضع الراهن من صراع المصالح الإقليمية من جهة ، وشبكة المصالح العالمية من جهة أخرى ، .. وهذا يتطلب أدوات احتواء وامتصاص برجماتية الاقتصاد والسياسة والعلاقات الدولية برمتها.

وتعي أهمية التوازي في السياسة والتوازن في القوى بالاعتراف السريع بالحق الجنوبي في استعادة بناء الدولة وفق متطلبات العصر إلى جانب دولة في الشمال مع الحد من القوى التقليدية القبلية العشائرية والقوى المتطرفة في الاتجاهين.

تنويه: ملخص مداخلة للدكتور القاها ندوة نظمتها جامعة عدن تحت عنوان : القرصنة البحرية ومخاطرها على الاقتصاد والأمن الدولي والإقليمي ..
عنوان المداخلة : أثر استمرار الصراعات في اليمن على الأمن القومي الإقليمي والدولي .. قراءة في المسببــات والمـآلات.

المصــــــــــــــــــــــــــــــــادر ـ
1 . نائلة شرف ، إمبراطورية القراصنة الجدد , قراءات سياسية – وكالة الأنباء سبأ، العدد 106 ، يونيو 2009م .
2. د. آدم محمد احمد عبدالله ، القرصنة قبالة سواحل الصومال وانعكاساتها على الملاحة في البحر الأحمر ، ورقة بحث مقدمة إلى ملتقى قضايا الملاحة البحرية وتأثيرها على الأمن ، جامعة الملك نايف للعلوم الأمنية ، الرياض ، 2012م .
3 . عبد المعاطي محمد ، البحر الأحمر ومخاطر الصراع الدولي ، مجلة السياسة الدولية ، العدد 54، أكتوبر ، 1978م.
4 . د. محمد عابد الجابري ، فكر ابن خلدون : العصبية والدولة ” معالم نظرية خلدونية فيا لتاريخ الإسلامي “،ط6،مركز دراسات الوحدة العربية، لبنان، بيروت، 1994.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

وكالة أرصفة للأنباءجميع الحقوق محفوظة 2016