تباينت المواقف السعودية والمصرية بشأن
الأوضاع الليبية. وجاء اختلاف مواقف القاهرة والرياض كصدًى للخلاف حول سورية. والحال
أنه كما تُسلِّم مصر واقعيًّا بأنّ اليمن "مصلحة سعودية"، تُسلِّم لها السعودية
بالدور الأبرز في ليبيا، بناءً على قاعدة تعزيز الدور المصري لاستعادة الاستقرار في
هذا البلد. لكنّ السعودية بدأت تطرح وجهات نظر بديلة من تحركات السيسي في ليبيا التي
تضع أولويةً لمواجهة القوى التي تَعُدّها إسلاميةً، من دون الالتفات إلى تكلفة ذلك،
ولا إلى طبيعة الصراع، ولا إلى محاولة مساعدة الأطراف المتناحرة للوصول إلى حلٍّ. وقد
بدأت السعودية تميل إلى اتخاذ مواقف وسطية بعيدًا عن الدعم الواسع الذي تقدمه القاهرة
لقوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر.
ويُظهر تطور "منحنى" العلاقات
بين القاهرة والرياض أنّ اللغة الدبلوماسية التي دأب الطرفان في تغليف خلافاتهما بها
– بلسان مسؤولين وخبراء محسوبين على الدولتين – لم تعد قادرةً على إخفاء الهوة التي
باتت تفصلهما. ويمكن إرجاع الخلافات بين الطرفين إلى عاملين أساسيين.
فالعامل الأول متصل بصراعٍ حول أدوار كل
منهما وطموحاته إلى القيادة الإقليمية. أمّا العامل الثاني، فهو مرتبط باختلاف القراءة
والرؤية حول حقيقة التهديدات التي تواجه كلًّا منهما، ومن ثمّ مواقفهما من جملة القضايا
الإقليمية والدولية المتصلة بذلك.
وتضع هذه الاختلافات البلدين أمام خيارين؛
فالخيار الأول هو حصول افتراق إستراتيجي بينهما يترتب عليه انضمام مصر إلى المحور المناوئ
للسعودية، لكن هذا الأمر يعني أن تخسر مصر المساعدات المالية السعودية من دون وجود
بديل يحل محلّها، في وقت يعيش فيه النظام على وقع أزمة اقتصادية خانقة. أمّا الخيار
الثاني، وهو الأرجح، فهو استمرار الطرفين؛ من باب حاجة كل منهما إلى الآخر، على إدارة
خلافاتهما بطريقة تسمح بدرجة معينة من التعاون والتنسيق.
وهذا الخيار يسمح لنظام السيسي بابتزاز
السعودية من دون أن يقدم لها شيئًا حقيقيًّا في المقابل، في حين يسمح للسعودية بمنع
التحاق مصر بالمعسكر المعارض لها، أو حتى انزلاقها إلى حالة من عدم الاستقرار في حال
توقفها عن تقديم المساعدات لها.
[3] انظر "وزيرة التعاون الدولي لـ
'خالد صلاح ': حجم مساعدات السعودية لمصر بلغت 24 مليار دولار.. والفجوة التمويلية
وصلت 10 مليارات دولار.. قضية ريجيني لم تؤثر على علاقاتنا مع الأوروبيين.. والبناء
أصعب مراحل الثورات.
المركز العربي للدراسات

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق