اخر الاخبار

لبنان: هل انتهت الأزمة بانتخاب الرئيس؟







ملف خاص بالانتخابات اللبنانية- إدغار جلاد
 =======================

قد يكون من الصعب الإجابة على السؤال الذي يطرحه كثيرون عما تغير اليوم لكي يصبح في الإمكان انتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية بعد نحو عامين وخمسة أشهر من شغور المنصب الأول في البلاد وعدم إمكانية التوافق على اسم يشغل القصر الرئاسي المهجور.

فلطالما كان انتخاب الرئيس وتشكيل الحكومة مهمة شاقة غاية في الصعوبة نظرا إلى الارتباط العضوي بين الوضع اللبناني والتطورات الإقليمية المحيطة. فالرئاسات الثلاث الأولى والثانية والثالثة نتاج موازين قوى كانت تفرضها المعادلات الإقليمية والدولية حتى قبل بداية الحرب عام 1975.

ومنذ دخول الجيش السوري رسمياً إلى لبنان عام 1976 كان لدمشق النفوذ الأقوى في انتخاب رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة وتشكيلته الوزارية وصولا إلى الانتخابات النيابية والتعيينات الأساسية.

وفي عام 2011 ظن البعض أن انشغال سوريا بالصراعات الجارية داخليا سيجعلها بعيدة عما يدور في الساحة اللبنانية. لكن حلفاء الحكم السوري في لبنان وفي مقدمتهم "حزب الله" حافظوا في الواقع على نفوذهم خصوصا أن الحزب هو التنظيم الوحيد الذي ما زال يحتفظ ببنية تنظيمية عسكرية متكاملة قادرة على بسط سلطتها وسيطرتها في أي وقت رغم أن رقعة عملياته امتدت إلى داخل الصراع الدائر في سوريا.

العقدة

ولكن ما علاقة كل ذلك بالرئاسة؟ الواقع أن في لبنان انقساما بين محور المعارضة السورية الذي يدعمه بعض دول الخليج، ومحور الحكم المدعوم من إيران وحزب الله وحلفائهما. من هنا كان الأفضل التأجيل لمعرفة إلى أين ستميل دفة الصراع في سوريا ومن بعدها تتحدد الهوية السياسية للرئيس وفقا لنتائج الواقع الجديد على الساحة اللبنانية، والاسم عندها لن يكون مشكلة.

فكان مرشحون لقوى 14 آذار وآخرون لـ8 آذار، ترتفع أسهمهم تارة وتنخفض تارة أخرى على وقع التوازنات الإقليمية وزئير المدافع والصواريخ التي تتطاير في سماء المنطقة.

ويهمس البعض بأن "حزب الله" قرأ الرسائل التي كانت تتطاير بين اللاعبين الكبار والتي تتحدث عن إعادة تقسيم سوريا والمنطقة إلى كيانات طائفية. عندها فهم الحزب أن لبنان لا يمكن ان يكون بمنأى عن هذه التطورات إن حصلت وبالتالي عليه أن يطرح مجددا حصة الطائفة الشيعية في النظام السياسي اللبناني التي لا يرى أنها تتناسب مع حجمها العددي والسياسي.

فكان هناك حديث عما عرف منذ شهور قليلة بالمؤتمر التأسيسي الذي يفترض أن يعيد توزيع التوازنات الطائفية وفق قواعد جديدة. وكان هناك رفض من الطوائف الأخرى التي تعتبر أن المساس بما نتج عن اتفاق الطائف سيطيح بالتوازنات التي قام لبنان على أساسها.

الحل الآتي من حلب

الأوضاع الإقليمية المعقدة شهدت تحولات كبيرة عدلت في كثير من المواقف تجاه الصراع القائم في سوريا. فدول الخليج أعادت صياغة مواقفها وفتح هذا نافذة كبيرة تركت بعض الانعكاسات على الوضع الرئاسي اللبناني.

وما حدث في الأسابيع الأخيرة قلب الأمور رأسا على عقب وبدل الاتجاهات. فمنذ وقوع الانقلاب الفاشل في تركيا والتحول الاستراتيجي للسياسة التركية وإعادة تطبيع علاقاتها مع روسيا، تطورات أحدثت تبدلا في المعطيات، قيل في بيروت إن من أبرز ثمارها الكيان الكردي في مقابل حلب. بمعنى أن تغض أنقرة الطرف عن حلب (التي كانت خطا أحمر بالنسبة إليها) في مقابل السماح لها بتعطيل المشروع الكردي المستند إلى وعود أمريكية، لإنشاء كيان مستقل.

هذا التطور يضع مشروع الكيانات الطائفية على الرف لأن استعادة الحكومة السورية سيطرتها على حلب أو معظمها يبعد سيناريو الكيان السني الذي كان من المفترض أن تكون حلب مركزه، فتعود الأمور إلى المربع السابق: صراع بين القوات الحكومية والمعارضة المسلحة بمفهومه التقليدي العسكري وخطوط تماسه القائمة، أي بعيدا من خرائط السياسة الكبرى التي تبدل الحدود، أقله في الوقت الراهن.

هل انتهت الأزمة؟

من هنا نُفّذ الاستحقاق الرئاسي اللبناني. وفهم النافذون على الساحة اللبنانية أن وقت تغيير موازين القوى لم يحن بعد، وبالتالي أصبح من الممكن انتخاب رئيس.

كان لا بد أن تستمر مؤسسات الدولة خصوصا أن مجلس النواب الممدد له، بقيت له شهور قليلة ليصبح بعدها مطعونا في شرعيته، وفي ظل حكومة معطلة غير قادرة على تسيير حياة الناس اليومية.

وإذا كان لا بد من انتخاب رئيس لإدارة الأزمة ضمن الحد الأدنى من الأطر الدستورية، فإن ذلك لا يعني أن الأزمة في لبنان قد وصلت إلى نهايتها، فالرئيس المنتخب والمحسوب أصلا على تيار الثامن من آذار المؤيد لحزب الله وسوريا عقد اتفاقات مع تيار "المستقبل" وحزب "القوات اللبنانية" اللذين يقفان في الجانب الآخر.

ميشال عون رئيسا

وانتخب البرلمان اللبناني العماد ميشال عون رئيسا للبلاد، منهيا حالة الجمود السياسي التي أدت إلى فراغ المنصب لأكثر من عامين، وحصل عون، الذي ينتمي للطائفة المسيحية المارونية، على 83 صوتا، من بين الـ128 صوتا، أعضاء مجلس النواب، في محاولتهم الـ46 لانتخاب رئيس للبلاد، بعد جولتين من التصويت.


ودعم ترشيح عون جماعة حزب الله اللبناني الشيعي ذي النفوذ القوي، ولكن تيار المستقبل المنافس كان رافضا لهذا الترشيح، حتى توصل إلى اتفاق أوائل هذا الشهر، ويتوقع أن يتولى سعد الحريري، زعيم تيار المستقبل، بناء على الاتفاق، رئاسة الوزراء.

وأدى جمود الوضع السياسي إلى شلل الحكومة، التي تكافح من أجل التعامل مع الانقسام الذي سببه الصراع في سوريا على مدى السنوات الخمس الماضية، ونزوح أكثر من مليون سوري إلى لبنان هربا من القتال.

من هو الرئيس اللبناني الجديد ميشال عون؟

وقد ظل منصب الرئيس في لبنان شاغرا منذ مايو/أيار عام 2014، بعد فشل الكتل السياسية في الاتفاق على مرشح يخلف الرئيس المنتهية ولايته، ميشال سليمان، وينص الدستور اللبناني على أن يكون رئيس الجمهورية من الطائفة المسيحية المارونية، ورئيس الوزراء مسلما سنيا، ورئيس مجلس النواب مسلما شيعيا.

ولم يحصل عون في الجولة الأولى من التصويت على ثلثي أصوات النواب الحاضرين، وعددهم 127، فأجريت جولة ثانية، فاز فيها بالأغلبية البسيطة المطلوبة.

وتم التوافق على ترشيح عون، البالغ من العمر 81 عاما، في 20 أكتوبر/تشرين الأول بعدما صرح الحريري بأنه سيدعم ترشيحه من أجل "حماية لبنان، وحماية النظام السياسي، وحماية الدولة والشعب اللبناني".

وصعد نجم عون، زعيم التيار الوطني الحر، في الحرب الأهلية اللبنانية، باعتباره قائدا للجيش اللبناني ومناوئا للنظام السوري، وعينه الرئيس أمين الجميل، في عام 1988، رئيسا لحكومة انتقالية، قبيل انتهاء فترته الرئاسية، ولكن المسلمين رفضوا سلطة عون، وتمسكوا بحكومة سليم الحص.

وأعلن عون بعدها "حرب التحرير" ضد القوات السورية في لبنان، وعلى الرغم من انتخاب رئيس جديد، عام 1989، لم يتنح عون عن رئاسة الحكومة، إلا بعدما أخرجته قوات مدعومة من سوريا من القصر الرئاسي، ثم غادر البلاد إلى المنفى بفرنسا، عام 1990.

وعاد إلى لبنان بعد انسحاب القوات السورية في عام 2005، تحت ضغط دولي، إثر اغتيال رئيس الوزراء السابق، رفيق الحريري، والد سعد الحريري.

وعلى الرغم من معارضته الطويلة للنفوذ السوري في لبنان، عقد عون تحالفا سياسيا مفاجئا مع حزب الله، حليف سوريا القوي، عام 2006، ووقف أيضا إلى جانب حزب الله في دعمه للرئيس السوري، بشار الأسد، في قمع الانتفاضة في بلاده، أما تيار المستقبل، بزعامة سعد الحريري، فيعارض وجود قوة عسكرية لحزب الله في لبنان، وتدخله في سوريا.

من هو ميشال عون؟

وانتخب مجلس النواب اللبناني ميشال عون رئيسا للبنان بعد عامين ونصف من شغور المنصب، فمن هو عون الرئيس الثالث عشر للجمهورية؟.. ولد عون في 18 فبراير/ شباط عام 1935، في حارة حريك في الضاحية الجنوبية لبيروت.

تلقى دراسته الابتدائية في مدرسة حكومية، ثم انتقل إلى مدرسة "الفرير" الخاصة" ثم مدرسة "القلب الأقدس"، حيث حصل على شهادة في الرياضيات، تخرج من المدرسة الحربية ضابط مدفعية عام 1955، وشارك في دورات في فرنسا والولايات المتحدة، إلى أن حصل على رتبة "ركن" عام 1980 إثر عودته من دورة التدريب في باريس.

عين قائدا للجيش اللبناني عام 1984 ، وتولى في نهاية سنوات الحرب رئاسة الحكومة اللبنانية الانتقالية (1988) ، بقرار من الرئيس أمين الجميل، ورفض عون التنازل عن رئاسة الحكومة الانتقالية بعد تنصيب إلياس الهراوي رئيسا للبلاد على إثر توقيع اتفاق الطائف الذي أنهى الحرب الأهلية وانتخاب النواب رينيه معوض رئيسا للجمهورية.

وغادر القصر الرئاسي إلى السفارة الفرنسية عام 1990 تحت ضغط عسكري سوري، ثم إلى فرنسا بعد تسعة شهور، وشكل "التيار الوطني الحر" عام 1996، اثناء إقامته في باريس، خاض الانتخابات بمفرده بعد عودته من باريس وحصل على 21 مقعدا، وشكل هذا مفاجأة لخصومه السياسيين.

ووقع عام 2006 اتفاقية تفاهم مع حزب الله وزار سوريا عدة مرات، بما شكل انقلابا على مواقفه السابقة وتحولا في علاقته بسوريا، وبعد التوقيع على اتفاق الدوحة في 21 مايو/أيار 2008 شكلت حكومة وحدة وطنية تمثل كل الفئات اللبنانية نالت كتلة عون النيابية فيها خمسة وزراء.

وعاد عون إلى البرلمان اللبناني عام 2009، على راس أكبر كتلة مسيحية فيه، نال عون دعم سمير جعجع رئيس الهيئة التنفيذية للقوات اللبنانية ومن ثم سعد الحريري رئيس تيار المستقبل كمرشح لرئاسة الجمهورية ، وانتخبه اليوم مجلس النواب اللبناني رئيسا للجمهورية.


بي بي سي- وكالة أرصفة للأنباء رصد خاص

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

وكالة أرصفة للأنباءجميع الحقوق محفوظة 2016