علي
هلال*
-----------------------
(سيف
رسام).. هذا الصعلوك المعتكف رصيف الصباحات وهو يتغزل خشوعا بابتسام العابرات دروب
التلاشي إلى كبريائه وفنائه العدمي..، يحلم باختلاس بهجة مضيئة من وراء اللثام..
(سيف..)
هذه الضحكة القلقة.. الراحل في هذيان المساءات المثقلة بذكريات الصفو الملبدة بالفرقة
والحنين إلى أصدقاء يتساقطون كل يوم بخناجر الود وعنفوان السراب.. اﻷقسى من مرارة الكتابة
على أطلالٍ من ورق..
(سيف..)
هذا العاشق الذي فقدته الحبيبة.. يكتب بعطر الدهشة المتكسرة مقدما قلبه قربانا للحرمان..
كوردة مصلوبة على أسوار الوطن العجوز ؛ الغارق في سبات المراثي قصائدا تمتدح الحفاة..
( سيف..)
هذا الفجر القابع في غرفة من ثلاثة جدران رابعهم القصيدة.. كوخٌ.. لا يتسع لقصائد
(سيف رسام) كان كافيا ﻷن يسكن به العالم في بيت لعروة بن الورد أو رسالة ﻷبي العلاء
المعري..
(حطام
الوردة).. هو عنوان (سيف رسام) الشاعر.. وضياعه المشرق من ضلوع الشتات.. هدوء غاضبٌ
.. واشتعالات هادرة انطفاء جريء على حجر البراءة..
هكذا
حين تنشق القصيدة من روح الشاعر قمرا مكتملا في فضاء خارج الوجود.. يتحول انتماء الشاعر
إلى كينونة ظل أكبر من مفهوم الوطن وأقل إنبعاثا من فانوس الحلم المنقدح من تنهداته
أنثى تتشكل منها كل ثنائيات التوحد بالغياب.. وﻷن القصيدة هي الناقد الحقيقي لصورة
الصوت المضطرب في حنايا القصيدة فلا أفكر أن أجعل من هذه الكلمات إسقاطا ناقدا على
نص ما.. بل شاهدا شعوريا على خيال النص و وعيا فنيا بمدركات الرؤيا حيث قصيدة (إنشطار..)
للشاعر / سيف رسام.. تماثلا عاكسا لما سبق..
فنراه
يقول :
(غامزتني ..
ولست الذي يقرأ الشوك..
مثل دربي هنا يا سحاب
لا أداري إظطرامي
بلادي ..
وأنشق من سدرة المنتهى؟!).
هكذا
انتهى انتماء ما.. لمقام غير تحديدي مجرد المكنون في نفسية متبعثرة على علائق واقعية
لخيال تراكمي خصب الشعور يقول في قصيدة (حنايا..):
(أطل الفجر
من ياقوتة عذراء
تشعل ماتبقى
من خراب العمر...)
إلى
قوله :
(ضمدي..
ما سال من عرق الفجيعة
علّه..
يلد أنكسار الشمس)
ووقوفا
عند هذه الفلسفة كثيفة اللاوعي تكمن اللامنطقية المجردة من وعي الشاعر بنقطه تأمل حالكة
الشعور بمدرك اﻵخر ﻷبجدية غير متكاملة في نفسية واقع الولادة المتعثرة.. فيختتم الشاعر
القصيدة بقوله:
(يا أنت..
تعبرني الجهات إليك
من أقصى ارتعاشات "المدى المفتوح.."
ضميني..
فإن اليأس مشكاة الحقيقة
حين نحلم بالحياة؟!)
وﻷن
اليأس رابط لا موضوعي بالحقيقة فإن شيخوخة الحياة المخلوقة من حلم الشاعر بالرحيل إلى
نشوة اكتماله بذاكرة اللحظة.. تماهي انسيابي في التعبير عن مجاز ما داخل ذاتية الزمن
.. وتكتمل حالة الفراغ بحضور الضمير المجرد من التأويل كما في قصيدة ( ) ... "الفراغ" الدالة على مجهول
متعدد الوجوه .. يقول الشاعر :
(الفراغ..
الذي
يحتلني..
هو أنت..؟!)
ربما
كان اﻹيحاء ﻻ يوحي بشيء كما يوحي الشيء في فراغ اﻷكتمال بالعاطفة المنكسرة بالمعلوم
الغامض في الضمير كما أن الفراغ قد يمثل سجن طلق الرؤيا كما ينظر الشاعر للعزلة اثناء
حالة القلق أنها.. معبد للتأمل اللاملموس.. الملامس بتراكمات النسيان العائدة من زمن
افتراضي إلى وطن عاكف في القصيدة.. والمتناثر في حطام المجهول الذي ﻻ يشبه سوى ثورة
الشاعر.. ضد التقاليد المقنعة بعبقرية التخلف ودكتاتورية الفقر الهادمة لما شيده الشاعر
من حطام لم يكن غير وطن الشاعر المبني من أبجدية مؤجلة لكائنات قاحلة اللون.. غزيرة
القيود.. ﻷفاق ﻻ يعز فيها النهار ولهذه الوقفات..
أكثر
من محطة مع الشاعر / سيف رسام.. في كتابته لمجموعة الومضات الشعرية المعنونة ب..(توصيف..)
والتي جعلتني أقرأ من اسم (سيف..) صفة فعلية.. ل.. سيف.. يكتب بعطر الدهشة المتكسرة..
كأني أرى هذه التوصيفات تدل على شخصية راهب
يلبس جبة عتيقة وفيلسوف... طرزت أحاسيسه بدموع الفقراء.. وأحلامه بفتاة الفجر
المتشحة بالوطن البعيد يقول الشاعر :
1-(القبيلة..
أنثى لموت واحد..
هو الوطن؟!).
2-(الوطن..
شاعر..
يتسول موته؟!).
3-(الموت..
قصيدة مؤجلة؟!).
4-(الزمن..
كاهن..
يشتعل
بين أصابعه العمر؟!).
5-(اللحظة..
كبوة جرح..
في نتوءات العدم).
6-(الفناء..
صياغة عالم آخر ..
في ذاكرة المنسي).
7-(القصيدة..
روح تكتملني..
قبل أن يحلم العشب).
8-(الفقر..
دكتاتور بليغ..
عيناه مصلوبتان على اﻷرض
وقلبه..
معلق..
في السماء؟!).
9-(بلادي..
التي تقدم أبناءها
قربانا..
لسيادة العرف؟!).
10-(المغادرة..
رجع صلاة..
تعربد
في خاتم
العشق).
وكمابدا
الشاعر /سيف رسام.. متبعثرا في تنهداته الخصبة بروح الغربة واﻷمل اليأس من هذا الوطن
المستعار كان لبداية تواصيف هذا الوهم المضيئ بتوهج الحرف الرافض والكلمة النابضة بالعشق
واﻷلم النبيل..
كان
لبداية (توصيف..) ختام (سيف..) هذا الوطن الذي كان غدا في نهود السماء وردة ثائرة فكان
لبداية توصيف (الكون..) عنوان القصيدة المطلة من شرفة اﻻنكسار قوله :
(الكون
..
وجود انثوي..
ينسحق..
في مخيلة الشاعر
موتا..
نابضا..
لكينونته؟!).
مؤكدا
بأن هذه هي المحطة اﻷخيرة للفشل.. وﻷن الفشل صفة انفعالية للحظة عاطفية متمردة بما
يولد الصواب عن نزوة ما.. حكمت على صاحبها بالجنون
فألقى عليها
قصائده
ثم ولى
ولكنه
لم يودع أحد..
وﻷن
الوردة هي الوطن المقيم داخل (سيف رسام) والمهاجر إليه أضع هذا النص القصير للشاعر
الهندي الشهير (طاغور) مرآة كهذه الكلمات.. يقول طاغور:
(كيف
نقدر على التحرر من أنفسنا
ونحن
ﻻ نستطيع أن نحرر وردة؟!).
______________________
* شاعر و كاتب من اليمن .




ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق