مصطفى ناجي الجبزي
غادرت المكتبة الساعة السابعة مساء.. لم أتمكن من البقاء أطول.. اشعر بإرهاق تحت تأثير ضغط الانتهاء من الكتابة..
خرجت الشارع وكان الجوء دافئاً لدناً والشمس ما تزال بكامل عافيتها تلفح الوجوه وتلسع الابصار..
دخلت الميترو انفاق وانتظرت القطار. زاغ بصري في الضفة الاخرى انظر في المنتظرين..
لقد اخذوا حلةجديدة مع قدوم الصيف وتبرجت النساء واسفرن عن اجساد بضة طرية..
دخلت المقصورة وجلست احمل في يدي رواية فرنسية وشرعت اقرأ.. وجدتني لا افهم من التعب وقررت ان اتفرس الوجوه ففيها ما يسر ويعيد الروح الغائبة.
كان يجلس امامي شاب أملح بوجه صاف وجبهة لامعة كان شارد الذهن يزم شفتيه وعليه ملامح حنق وتعنج.. وتجلس إلى جواري صبية جميلة تكتب رسائل بهاتفها وتقضم أظافرها الصغيرة..
ألقيت نظرة اخرى على الرواية حيث كنت قد توقفت عند الصفحة ٨٦ حيث يتحدث السارد عن أنه لا يحب أغاني اديت بياف عن الحب وطريقة لفظها للـ R ..
شردت قليلا افكر في الاغاني تسألت لماذا لم تعد نفسي شغوفة بالأغاني ولا تعلق كلماتها بذاكرتي.. كيف ذوت هذه الرغبة مع الأيام ؟
انتقلت إلى الميترو الأخر ولست ادري كيف مضى الوقت حتى وصل إلى المحطة الأخيرة.. أخذت في صعود الدرج نحو المخرج. تفاجأت بصوت مطر يهطل بغزارة..
كانت مفاجأة للجميع إذ لم يكن يخطر على بال أحد أن يهطل المطر في يوم يزدان بشمس سخية وسماء صافية..
وقفنا جميعا أمام السلّم الاخير قبل الخروج نتبادل نظرات افتتان ودهشة بالمطر..كان المطر يهطل بغزارة
وتتساقط القطرات على درجات السلم ترتطم بسعادة وتتفرقع مشكِّلة أقماعاً جذلة تذوي سريعا مفسحة المجال لاخرى.
كانت تقف الى جواري عجوز أنيقة الملبس. قلت لها: هذا غير متوقع.. ابتسمت وقالت: نعم. وارتدتكنزتها السوداء.. وقفت تتأمل قطرات المطر وانشأت تغني..
حاولتُ أن اصيخ السمع وتبين لي إنها تغني أغنية بلغة ليست فرنسية.. ربما بلغة روسية. ربما أغنية من اغاني الطفولة الخاصة بالمطر لعلها كانت ترددها في طفولتها في ريف اوكرانيا..ظلت تترنم وجسدها يهتز رقصاً خفيفا على وقع المطر..

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق