بيان القاضي_ باحثة في الاعلام الرقمي
تنامى في الآونة الأخيرة الاهتمام البالغ من قبل واحات العلوم، والابتكار، والاستثمار، والتعليم باقتصاد المعرفة، في المجتمعات المتقدمة والنامية.
وقد أصبح اقتصاد المعرفة رافداً من روافد الازدهار في أي مجتمع متقدم، وهو لا يعني تطور رأس المال المادي، واقتصاد السلع والمنتجات فحسب، إنما أصبح محوره رأس المال البشري، والذكاء، والإبداع والابتكار، والتكنولوجيا، وطرق إدارة المعرفة وغيرها.
وهو كذلك يعني استخدام المعرفة لتوليد القيم الملموسة وغير الملموسة، أيضاً يعني استخدام التكنولوجيا وبالأخص تكنولوجيا المعرفة لتحويل جزء من المعرفة البشرية إلى آلات.
هذه المعرفة تستخدم من قبل نظم دعم القرار في مختلف المجالات، كما يمكن تفسير اقتصاد المعرفة بدون تكنولوجيا، حسبما أورده موقع ويكبيديا.
وقد تم تعريف اقتصاد المعرفة من قبل واحة العلوم في إيرلندا الشمالية، على نطاق أوسع من النشاط الاقتصادي، ويعني "إنشاء وتطوير وصقل وتسويق الأفكار الجديدة والناشئة، والتقنيات، والعمليات، والمنتجات، وتصديرها في جميع أنحاء العالم."
وأدرجت واحة العلوم في إيرلندا الشمالية العديد من الصناعات تحت مفهوم اقتصاد المعرفة، وهي: الصيدلة والتكنولوجيا الحيوية، أجهزة طبية، البرامج والمحتوى الرقمي، خدمات تكنولوجيا المعلومات، الاتصالات السلكية واللاسلكية، الحاسبات والالكترونيات المتقدمة، وسائل الإعلام (المحتوى الإبداعي والرقمي)، الفضاء ومعدات النقل الأخرى، الخدمات المالية-التكنولوجيا الفائقة.
إن الاقتصادات الزراعية الكثيفة، والاقتصادات كثيفة العمل، والاقتصاد العالمي يمر بمرحلة انتقالية نحو اقتصاد المعرفة، كامتداد لمجتمع المعلومات، والابتكار، في عصر المعلومات. لذا فالتحول الآن يتطلب إعادة رسم القواعد والممارسات اللازمة لنجاح الاقتصاد الصناعي، لتكون مواكبة للاقتصاد المعولم، والتفاعلات العالمية، حيث نجد أن اقتصاد المعرفة الذي يقود إلى الابتكار والاختراع، هو بمثابة الأسرار التجارية والخبرات، والموارد الاقتصادية الأخرى. كما يعد أيضاً المحرك الرئيسي للميزة التنافسية.
من هنا كان لابد للاقتصادات الوطنية والعالمية فتح آفاق رحبة للاستفادة من وسائل جديدة في حقل المنافسة، لزيادة مهاراتها التنافسية في المشهد العالمي. بالإضافة إلى ذلك عليها اتخاذ مسارات مميزة لخلق ميزة تنافسية، باستخدام ومشاركة عمليات المعرفة ومصادرها، باعتبارها رافداً أساسياً لعملية التنمية.
في ضوء ما سبق جاء تقرير مؤشر المعرفة العربي ليسلط التركيز على أهمية عمليات رصد تطور الأوضاع التنموية في مختلف الميادين الحيوية وتتبعها، ومن ثم تأكدت الحاجة تالياً إلى بناء مؤشرات عربية بمواصفات عالمية، تكون كبوصلة ترصد حركة التقدم في المنطقة العربية، وبالتالي تساعد على توجيه السياسات التطويرية نحو الاحتياجات الحقيقية للبلدان العربية وأولوياتها الوطنية.
وقد سعى التقرير إلى إماطة اللثام عن الآتي:
· كشف التقرير عن العديد من المفاهيم المحورية مثل: مفهوم المعرفة ومنطلقاته وأسسه، وطبيعة الأداء العربي في هذا المجتمع الكوني الجديد.
· أوضح التقرير حجم المخاطر والفرص التي تواجه المنطقة العربية في اكتساب المعرفة وإنتاجها وإبداعها وتوظيفها، باعتبارها أداة رئيسية للتنمية الإنسانية والنهضة، مع التركيز على التلازم بين ثلاثية التنمية والحرية والمعرفة.
· ينطلق التقرير من مسلمة أن النهوض بالأداء المعرفي العربي يكوّن مدخلاً إلى النهوض بالوضع التنموي في الوطن العربي. لذا جاء شعار تقرير مؤشر المعرفة العربي لعام 2015 "المعرفة من أجل التنمية".
· بخصوص قياس المعرفة، تعد مبادرة البنك العربي، وهي من المبادرات الرائدة في هذا المجال، منهجية تقييم المعرفة، ففي نطاق السعي إلى مساعدة البلدان على تحديد التحديات التي تواجهها، والفرص المتاحة لها في مسيرتها نحو اقتصاد المعرفة، طورت أداة مرجعية تفاعلية تستهدف رصد المستوى العام لاستعداد البلدان تجاه الاقتصاد القائم على المعرفة.
وتنتج هذه المنهجية على مؤشرين هما مؤشر المعرفة، مؤشر اقتصاد المعرفة: يمثل المؤشر الأول في المتوسط البسيط ثلاث ركائز هي نظام الابتكار، والتعليم والتدريب، والبنية التحتية لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، بينما يمثل المؤشر الثاني المتوسط الحسابي لأربع ركائز هي الثلاث المذكورة ومعها ركيزة النظام الاقتصادي والمؤسسي.
· بين تقرير مؤشر المعرفة العربي أن الاختيار المنهجي لمنظومة البحث والتطوير والابتكار عائد لعدد من العوامل منها:
. غياب ثقافة البحث والتطوير الصناعي والخدمية، ما يؤدي إلى صعوبة تطبيق نتائج البحث والتطوير في هذه المجالات، ومن ثم تراجع إمكانات إنتاج المعرفة والابتكار التكنولوجي في العالم العربي.
. ضعف الارتباط بين مؤسسات البحث والتطوير (عرض الخدمات البحثية) من ناحية، والشركات الإنتاجية ومؤسسات المجتمع المدني (الطلب على الخدمات البحثية) من ناحية أخرى.
. القصور الواضح في قدرات خريجي المؤسسات التعليمية في مجال البحث والتطوير، كأحد متطلبات أسواق العمل في العصر المعرفي في الألفية الثالثة.
. قصور البنية التحتية البحثية في العالم العربي، وعدم مواكبتها للتوجهات الحديثة، وعلى وجه الخصوص، البنى البحثية الرامية لربط البحث والتطوير بالمجتمع (مثل المنتجعات العلمية، ومراكز الابتكار البحثي، والحاضنات الصناعية).
. أشار التقرير إلى تأخر مؤشر البحث والتطوير في العالم العربي عن مؤشرات القطاعات الأخرى، ففي الإمارات بلغ مؤشر البحث والتطوير 50,076%، بينما وصل مؤشر الاقتصاد في الدولة 77,59%.
وجاء مؤشر البحث والتطوير في سوريا بنسبة 21,56%. ووصل مؤشر البحث والتطوير والابتكار في السودان لنسبة 16,10%. وبلغ المؤشر في السعودية 56,84%، بينما جاء مؤشر تكنولوجيا المعلومات في السعودية 69.58%.
ووصل مؤشر البحث والتطوير في ليبيا إلى 22,99%. أما في فلسطين فجاءت النسبة 18,18%. وبلغ مؤشر البحث والتطوير في العراق 24.56%.
ويتضح من هذه الأرقام الإحصائية أن قطاع البحث والتطوير والابتكار يتأثر بمجموعة من العوامل المؤسساتية والاجتماعية والاقتصادية والتنموية.
· أوضح التقرير نقص البيانات والأدبيات التي تركز على المعرفة في الوطن العربي، والتي يمكن من خلالها أن تكون أساساً فعّالاً للسياسات التنموية والتخطيط التنموي الصحيح.
· ركز التقرير على الحاجة الملحة إلى استنباط أدوات رصد وتقييم تأخذ بعين الاعتبار سياقات المنطقة العربية ومناخاتها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والبيئية والثقافية واحتياجاتها التنموية.
· كشف التقرير عن الحاجة إلى إنتاج مؤشر معرفة عربي، يسعى إلى بناء المعرفة في المنطقة العربية من منظور تنموي، يتناول الأبعاد المختلفة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والتنموية.
· مؤشر المعرفة العربي هو مؤشر يعمل على تطويره برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بالشراكة مع مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم.
· ميز تقرير مؤشر المعرفة العربي بين اقتصاد المعرفة والاقتصاد القائم على المعرفة، استناداً إلى تسارع التحولات الاقتصادية والتطورات التكنولوجية، ما أفضى إلى إعادة نظر بعض الباحثين الاقتصاديين في الدلالتين المختلفتين للمصطلح والتمييز بينهما على النحو التالي:
الدلالة الأولى: أن الاقتصاد المعرفي هو ما يتعلق باقتصاديات عمليات المعرفة ذاتها، أي إنتاج المعرفة وصناعتها، وعمليات البحث والتطوير، سواء من حيث تكاليف العملية المعرفية مثل تكاليف البحث والتطوير، أو تكاليف إدارة الأعمال الاستشارية، أو تكاليف إعداد الخبراء وتدريبهم من جهة، وبين العائد أو الإيراد الناتج عن هذه العملية باعتبارها اقتصادية مجردة، مثلها مثل اقتصاديات الخدمة السياحية أو الفندقية من جهة أخرى.
الدلالة الثانية: ينصب تعبير "الاقتصاد القائم على المعرفة" على معنى أكثر اتساعاً ورحابة، بحيث يشمل في دلالته حجم قطاعات المعرفة والمعلومات والاستثمارات داخل نسيج الاقتصاد، وكذلك مدى تغلغل المعرفة والتكنولوجيا في الأنشطة الإنتاجية. ويعتبر الاقتصاد القائم على المعرفة مرحلة متقدمة من الاقتصاد المعرفي، أي أنه يعتمد على تطبيق الاقتصاد المبني على المعرفة في مختلف الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية كالتزاوج بين تكنولوجيا المعلومات مع قطاعات عديدة كالاتصالات ( مثل تشخيص الأمراض عن بعد، وإجراء العمليات الجراحية عن بعد، والإنتاج عن بعد، وعقد المؤتمرات عن بعد)، وهذه كلها تجعل الاقتصاد مبنياً على العلم والمعرفة، فالبلدان الصناعية الكبرى التي استفادت من منجزات الثورة العلمية التكنولوجية وسخرتها في صناعات تولد لها معارف ومكتشفات جديدة وتقنيات متطورة، وصلت إلى مرحلة الاقتصاد المبني على المعرفة، أو ما يمكن أن يسمى مرحلة ما بعد الاقتصاد المعرفي، فيما لا تزال البلدان الساعية إلى إنتاج المعرفة، من ابتكارها واكتسابها ونشرها وتخزينها في طور الاقتصاد المعرفي. ولعل أقرب مثال حول تبني البلدان الصناعية الكبرى للمنجزات العلمية التكنولوجية لإنتاج واكتشاف معارف ونظريات جديدة هو بناء منظمة سيرن الأوروبية لأكبر مصادم جسيمات في العالم، وكان الغرض منه هو فهم المسائل المتعلقة ببناء الكون، عن طريق فهم الجسيمات المكونة للكون، أنواعها، وطرق التآثر بينها، أي فهم أعمق لقوانين الطبيعة، ونشأة الكون، قوانين التآثر بين القوى المختلفة المؤثرة على الجسيمات الأولية، وكيفية بناء الكون من تلك الجسيمات والزمان والمكان، والتأثير الكمومي لنظرية الكم والنظرية النسبية، طبيعة المادة المظلمة التي تشكل ثلاثة أرباع الكون. وقد أسفرت نتائج البحث العلمي للجسيمات الأولية في المنظمة عن اكتشاف جسيم "بوزون هيغز" الذي يلعب دوراً حيوياً في تشكيل الكون وتخليق المواد.
· كشف التقرير عن خصائص الاقتصاد القائم على المعرفة بالأمور التالية: الاستثمار في رأس المال المعرفي، الاعتماد على الجهد الفكري (اللاملموسات) بشكل أساسي في الاقتصاد القائم على المعرفة، ديناميكية الأسواق التي تعمل في ظل تنافسية مفتوحة، الرقمنة هي المحرك الأساسي للاقتصاد القائم على المعرفة، يهدف الاقتصاد القائم على المعرفة إلى وضع قيمة حقيقية للأجور، والتوسع في استخدام العمالة ذات المهارات العالية التي تتفاعل مع التعليم والتدريب المستمر، يمتاز الاقتصاد القائم على المعرفة بأنه اقتصاد وفرة تزداد موارده (المعرفة) بكثرة الاستخدام، خضوع الاقتصاد القائم على المعرفة لقانون تزايد العوائد (تناقص التكاليف) مع الاستمرار في الاستخدام، العلاقات بين الإدارات والقوى العاملة في الاقتصاد القائم على المعرفة يتسم بعدم الاستقرار، إذ ينتفي مبدأ التوظيف مدى الحياة، العلاقة بين قطاعات الأعمال والدولة في الاقتصاد القائم على المعرفة قائمة على التحالف والتعاون، الاقتصاد القائم على المعرفة ليس مقيداً بزمان أو مكان.
· سلط التقرير الضوء على قضية مصيرية: هي إعداد الشباب وتأهيلهم للمساهمة في عمليات نقل المعرفة وتوطينها، لبلوغ آفاق أرحب تتحقق فيها التنمية الإنسانية المستدامة. وبين أن على قطاعات التعليم، وسياسات المعرفة واقتصاد المعرفة، سياسات الإبداع والابتكار والاختراع، أن تدرج ضمن أجندتها الاهتمام بهذه الفئة المحورية، وتلبية احتياجاتها التنموية.
· تناول مؤشر المعرفة العربي عدداً من القطاعات الحيوية كالتعليم قبل الجامعة، التعليم المهني والتقني، التعليم العالي، تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، البحث والتطوير، الابتكار، والاقتصاد.
· يحتوي مؤشر المعرفة العربي على 304 مؤشر في مختلف القطاعات الحيوية الآنفة الذكر.
· أخذ مؤشر المعرفة العربي للمرة الأولى قطاعات محورية هي التعليم التقني، والتدريب المهني في المنطقة العربية، أيضاً درس التفاعل بين البحث والتطوير، والتفاعل بين القطاعات الحيوية السابقة، كيف تتشكل تفاعلاتها، وما مخرجات هذه التفاعلات، وكيف بإمكانها تقديم معرفة أصيلة مبتكرة ناتجة عن هذه التفاعلات في المنطقة العربية، من شأنها دفع سياسات وأغراض التنمية المستدامة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق