اخر الاخبار

اليمن.. أسر تعيش على بقايا فضلات الآخرين وأخرى تتضور جوعاً خلف الجدران



وكالة أرصفة للأنباء/ وليد عبد الواسع


أمام مشهد أطفاله المتكرر مساء كل، وهم يحملقون في وجهه كلما عاد إليهم، بينما يتشبثون، بالأكياس التي يمسكها بيده باحثين فيها عن طعام يسدون به جوعهم، لايجد المواطن صادق سليمان، منفذاً لغصته ووجعه، إلا أن يتمنى الموت..

يقول صادق، وهو أحد النازحين الهاربين من نيران الحرب في محافظة تعز إلى طور الباحة بمحافظة لحج جنوبي اليمن:" أتمنى الموت في اليوم ألف مرة، لاسيما عندما أعود إلى أولادي وأنا بدون طعام"، وتكاد الغصة تخنقه..

يحاول أن يخفي وجعه قبل أن يعاود حديثه:" فعندما يسمعوا صوتي قبل وصولي إليهم يهرولون إلي مسرعين ويقومون بتفتيش الأكياس التي أحملها في يدي يبحثون عن طعام ولم يجدوه"..

في ظل الأوضاع الاقتصادية والأمنية الناجمة عن استمرار الصراع في اليمن منذ أكثر من عام، باتت المجاعة واحدة من أكبر مهددات البقاء بالنسبة لـ 25 مليون مواطن تعصف بهم مآسي إنسانية، وصادق عينة واحدة لمئات أخرى تنهشها المجاعة..

أسر كثيرة باتت تخرج بمجملها إلى أرصفة الشوارع بحثا عن الرغيف بعد أن سدت جميع الأبواب على العائلين فيها، الحرب الدائرة في هذا البلد منذ عام وسعت دائرة الفقر، وحاجة الناس للمساعدة.

إلى جوار صادق القادم من منطقة الضباب، يسكن أكثر من "200" نازح  هربوا من نيران الحرب من مناطق مختلفة بمحافظة تعز، تحت خيام من "الطرابيل"، ويواجهون صعوبات يومية في البحث عن فتات من الأطعمة لسد رمق قرقرة أمعائهم، لاسيما "الأطفال" في حين الأغلبية لا تمنعهم الحاجة من جمع بقايا أطعمة المطاعم.

واقع مأساوي
لا يكاد يمر يوم إلا ونشاهد أو نسمع عن قصص حزينة ومؤلمة بسبب واقع الحال، لكن ليس آخرها  العثور على أسرة في صنعاء فارقت الحياة جوعاً.

فمن خرج يبحث عن العمل في ظل الأوضاع الراهنة لسد احتياجات أسرته لم يجد عملاً  بعد تعطل الحركة والحياة وعمت الفوضى، هو الآخر سوف يصاب بحالة إذا لم نقف إلى جانبه..

أحد العمال الذين أتوا من محافظات بعيدة طلباً للعمل لتوفير مصاريف لأسرهم، يحكي وعلامات الحزن وعيونه امتلأت بالدموع.. فمنذ شهر قدم للبحث إلى محافظة عدن للبحث عن عمل، لكنه لم يحصل عليه وأسرته بحاجة إلى مصاريف، حد أفادته..

يقول:" كيف أعود لهم بدون مصاريف وهم منتظرون، الحال يا أخي ضاق والموت أفضل في ظل هذا الوضع".

يعلق أحد الناشطين المتابعين:" نحن نمر بأزمة إنسانية حقيقية، وهذه الأزمة بسببها قد تنتج وحوش سيتحولون إلى خطر على المجتمع الذي تجاهلهم ونسيهم"..

يعلل الناشط هذا التحول المخيف:"لأننا بدلاً من أن نعينهم وندفعهم إلى الخير، نتركهم وسيتجهون لسلوك الشر، وفي ظل الوضع القائم الذي وصلنا إليه بفعل تصرفات المجردين من الرحمة والغارقين في حب السلطة قد تحتضن جهة هؤلاء ويتحولون إلى وحوش وخطر"..
 
فيما تبعث إحدي النساء بمحافظة حجة، شمال غربي اليمن مفادها:" والله إن أسراً بأكملها لا تجد كفافها".. تقول إحداهن: والله إن بعض الأسر لا تجد ما تأكل إلا البقايا في صحون الزبائن الذين يرتادون مطاعم العاصمة صنعاء ، وأنها رأت من يأكل من براميل القمامة.

يروي آخر عن "أم" في صنعاء، تسكب فضلات طعام زبائن المطعم في كيس- تحت نظرات استهجان وصرخات من صاحب المطعم- لتذهب به إلى صغار يتضورون جوعاً في بيت خاوٍ على عروشه..

أزمات متفاقمة
تعيش اليمن أزمات متفاقمة جراء سوء إدارة الدولة واستغلال مواردها بشكل سيء، لتزداد اليوم معاناة الناس جراء الصراع وغياب الدولة، حيث تشهد الأسعار ارتفاعات غير مسبوقة..

إلا أن المخاوف زادت حدتها الآن خاصة بعد أن حدد البنك المركزي اليمني مؤخراً سعر صرف الدولار الواحد بـ250 ريالاً في اجتماعه بالبنوك المحلية وشركات الصرافة، من أجل السيطرة على تدهور العملة الوطنية، إلا أن أسعار الصرف في السوق السوداء تشهد ارتفاعات تصل إلى 280 ريالاً للدولار الواحد.

وزارة التخطيط والتعاون الدولي تقول في نشرة المستجدات الاقتصادية والاجتماعية الصادرة مطلع أبريل 2016، إن 14.4مليون شخص يواجهون انعدام الأمن الغذائي، و1.8 مليون طفل معرضين لخطر سوء التغذية..

في حين أن 21.2 مليون وبما نسبته 82 % من إجمالي السكان يحتاجون إلى مساعدة إنسانية منهم 9.9 مليون طفل..


الأمم المتحدة، في تقارير سابقة لها، أشارت إلى أن نحو 7.6مليون يمني على حافة الجوع بالتزامن مع عدم قدرتها على جمع المساعدات الإنسانية الكافية لهم والتي تقدر بنحو 2 مليار دولار أميركي.

توقعات وإنذارات
في أبريل توقعت دراسة حدوث مجاعة في اليمن خلال الأشهر القادمة، وتشير الدراسة التي أعدها الباحث الاقتصادي/ كمال الخامري إلى أن الحرب التي تعيشها البلد حالياً تسببت في تفاقم معاناة المواطن اليمني، خاصة في ظل فقدان الوظائف والأعمال والدخل للكثير من المواطنين، إلى جانب الارتفاع الكبير في أسعار السلع وخاصة المشتقات النفطية وانخفاض القوة الشرائية لمعظم المواطنين الذين استنفذوا كل مدخراتهم التي جموعها خلال السنوات السابقة، مما يدلل على أن هذه الأوضاع تهدد الشعب اليمني بحدوث مجاعة خلال الأشهر القادمة.

الباحث الاقتصادي مرزوق عبد الودود يرى أن هبوط العملة الوطنية إلى مستويات كبيرة تنذر بالخطر، وتهدد حياة الملايين من اليمنيين، خاصة أن اليمن تعتمد على الخارج بنسبة كبيرة وتحتاج إلى النقد الأجنبي لتغطية متطلباتها الاستيرادية.

تؤكد البيانات الرسمية أن اليمن تستورد سنوياً ما نسبته 86% من احتياجاتها من القمح، في حين الإنتاج المحلي لا تتجاوز نسبته 14% ويغطي احتياجات السوق لمدة شهرين فقط.

وفقا للنشرة الموجزة "الاحتياجات الإنسانية لليمن في العام 2016"الصادرة عن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) في ال24من نوفمبر/تشرين الثاني 2015 فإن 21.2 مليون يمني من السكان بحاجة إلى نوع من المساعدات الإنسانية لتلبية  احتياجاتهم الأساسية.

تفيد النشرة أن 14.4  مليون يعانوا من انعدام الأمن الغذائي، و7.6مليون يعانوا من انعدام الأمن الغذائي الحاد’ ويعاني ما يقرب من (320) ألف طفل من سوء التغذية الحاد.

وقدرت الأمم المتحدة على لسان مساعد الأمين العام للأمم المتحدة للشراكة الإنسانية في الشرق الأوسط ووسط أسيا رشيد خيلكوف"أن المتضررين من الحرب في اليمن بحاجة إلى  1.2مليار دولار".

بؤس الحياة

 في طور الباحة يسكن النازحون القادمون من محافظة تعز تحت الخيام التي تحوي كافة أفراد أسرهم متقاسمين بؤس الحياة وشظف العيش في أماكن متفرقة في نطاق المديرية، بعيداً عن الاهتمام الحكومي ودور المنظمات الإنسانية المحلية والخارجية - مستمرين في جهاد يومي لأجل البقاء على قيد الحياة.

الأوضاع التي خلفتها الحرب الدائرة في تعز، فرضت على المواطن/ بسام أحمد غالب، أن يصطحب طفله الرضيع ذي الـ"3أشهر" من  منزله الواقع في منطقة "نجد قسيم"، هارباً من نيران الموت حتى استقر فيه الحال تحت خيمة مكونة من "طربال" نصبها في زقاق ضيق خلف مبنى مستشفى طور الباحة العام..

يقول بسام:" جئت إلى هنا قبل أكثر من ثلاثة أشهر أنا وزوجتي وأولادي وطفلي الرضيع، خوفاً من القصف العشوائي الذي كان ينهال على منطقة "نجد قسيم" من قبل الحوثيين"..

يضيف:" تركت منزلي بكل محتوياته، هارباً بأولادي الثلاثة، خوفاً على حياتي لأن من الذي با يشقي عليهم إذا تعرضت لأي مكروه لاسيما وأنا بلا وظيفة حكومية ومهنتي الوحيدة هي "حمال" بالأجر اليومي"..

المواطن/ بسام غالب، إلى جوار خيمته تتواجد "6" خيام وكل خيمة تسكنها أسرة ولكل أسرة قصة محزنة وأكثر وجعاً..

يرى بسام غالب- الذي يجد صعوبة بالغة في توفير الطعام لأولاده الثلاثة- بأن وضعه المعيشي في أفضل حال نظير ما يعانيه زميله صادق يحي سليمان- الذي يسكن في جواره بخيمة مع  أولاده الستة الذين لم يحصلوا على الثلاث الوجبات اليومية بسبب ظروف والدهم وغياب أهل الخير في مساعدته.

يتوزع النازحون في مستشفى طور الباحة وجوار ورش الهندسة ومباني مواطنين مهجورة، وما يقارب "80" أسرة يسكنوا في العراء ويعانون حالة إنسانية في غاية الصعوبة وكذا  أمراضاً وضيقاً في المعيشة وبحاجة إلى سرعة إنفاذهم في وسائل الإيواء والغذاء.

خلل خطير
الكثيرون يتسللون إلى براميل المخلفات ليلا خوفا من رؤية الناس لهم لكي يطعموا أبنائهم الذين فتك الجوع بهم، هؤلاء لا يستطيعون مد أيديهم إلى أحد فيلجئون إلى تلك البراميل الممتلئة بمخلفات الطعام غير الصحي بالطبع- يؤكد مراقبون.

يقول مسئول أممي إن حوالي 7.6 ملايين نسمة من اليمنيين يعانون من خلل وصفه بالخطير في الأمن الغذائي وهو قريب من المجاعة، وأن 2.5 مليون آخرين نزحوا جراء الأزمة منذ يناير/كانون الثاني 2014..

موضحا أن الناس يموتون في اليمن الآن بسبب أمراض يمكن الوقاية منها لأن أدويتها غير متاحة لهم، أو بسبب محدودية توافر تلك الأدوية.

المسئول الأممي، سبق أن حذر من تفاقم الوضع الإنساني في اليمن لضعف اهتمام المجتمع الدولي بأزمته، وأنه لم يتم توفير سوى 16% من قيمة المساعدات المطلوبة والتي تقدر بـ1.8 مليار دولار.

ودعا مدير العمليات في مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) جون كينغ -في مؤتمر صحفي- الدول والمؤسسات المانحة لسرعة المساهمة في النداء الإنساني الأممي لاستكمال المبلغ المذكور، لضمان تغطية الأنشطة الإنسانية للمنظمة الدولية في اليمن خلال العام الجاري.

وقال المتحدث إن المبلغ المذكور (1.8 مليار دولار) مخصص لتغطية حاجات 13 مليون يمني، واصفا مستوى التجاوب مع النداء بأنه "متدن إلى حد صادم".

وأضاف جون كينغ- بعد عودته في مارس الماضي، من مهمة استمرت ثلاثة أيام في اليمن مع ممثلين لمنظمة الصحة العالمية وبرنامج الأغذية العالمي- إن الوضع الإنساني تدهور بشكل خطير.

زاد المسؤول الأممي أن 7.6 ملايين يمني يعانون من خلل وصفه بالخطير في الأمن الغذائي وهو قريب من المجاعة، وأن 2.5 مليون آخرين نزحوا جراء الأزمة منذ يناير/كانون الثاني 2014، موضحا أن الناس يموتون في اليمن الآن بسبب أمراض يمكن الوقاية منها لأن أدويتها غير متاحة لهم، أو بسبب محدودية توافر تلك الأدوية.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

وكالة أرصفة للأنباءجميع الحقوق محفوظة 2016