اخر الاخبار

بين حربين


وضاح الجليل

"بين حرب وحرب وُجدنا، كانت الفجيعة عنوان الحكايات، والخوف وشم على جلدها، وكنا بَعِيدَين، كلٌ في مدينة تدخل في الحرب أو تخرج منها، وكلٌ على حافة زمن تنزلق منها مصائر الكثيرين، ولا أحد يلتفت إليها إلا في لحظة الصرخة الساقطة إلى المجهول؛ التفاتة فزع يظن صاحبها أن الصرخة تعنيه، وأنه مصيره هو الذي هوى.

في الحرب الأولى، انكسرت أحلامي لأول مرة، وبعدها لم تعد قادرة على النمو، في الحرب الأخيرة انفجرت لوعتك على طول الطريق بين مدينتينا، وفيها أيضاً التقينا، وامتزجت لهفتانا.

لم تكن الحرب سوداء أو رمادية كما يقولون؛ إنها تحمل كل الألوان، تأملتُ لون الدخان فيها فكان أبيضاً ورمادياً وأسود، ورأيت النيران فوجدتها حمراء وبرتقالية وزرقاء أحياناً، أما الأسلحة فمنها الأسود ومنها الأبيض، أما الثقيلة منها فتكون خضراء وزرقاء وبنية.

والحرب تأتي كما يحدث لرأس كائن حي حين ترتطم فجأة بجسم صلب، أو يسقط عليها حجر، لحظة الارتطام تلك يكون العقل والبصر والسمع وكل الحواس خارج السيطرة، وفي اللحظة التالية يكون الجسد كله في محاولة امتصاص الصدمة، لكنه معزول تماماً عن الفكر السوي، والحرب هكذا، تأتي فيفقد الجميع حواسهم، تدخل عقولهم في هوة من التشوش والذهول، ثم وحدها الغريزة تعمل منفردة، بعد ذلك يبدأون التعاطي مع وحشية الأمر الواقع".

من مخطوط رواية "امرأة تنقصها مدينة" التي لن تكتمل..


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

وكالة أرصفة للأنباءجميع الحقوق محفوظة 2016