اخر الاخبار

ولائم رمضانية على جنائز تعز



وكالة أرصفة للأنباء: تقرير- وليد عبد الواسع


في تعز أب يرقد بجانب جثة ابنه الشهيد، الذي قنصته مليشيات الحوثي وصالح غرب المدينة، يبكيه بحرقة وقهر..

أم تجثو على جثة طفلتها وتصرخ: "ياااااااا ولدي قوووومي لا تسيبينيش لحالي، أني تعبان وأني أربيك، أني يا ولدي شحقق كل أحلاميك.. قووووومي نروح"..

في تعز قصة شهيدة من المهمشين يعرفونها بخديجة قضت هي وأبناءها بفعل قذيفة هاون حوثية سقطت على حارة الشماسي ليلة السادس من يونيو الجاري..

طفل يدعى ياسر عرفات، يلفظ آخر أنفاسه وهو على أعتاب مستشفى الحكمة، بعد أن تعب أهله وهم يبحثون عن أكسجين لإنقاذ حياته.

وآخر لم يتبق من رأسه سوى النصف، والنصف الآخر اندثر وتوزع في أرجاء شارع حوض الأشراف الذي كان يلعب فيه الطفل، قبل أن تسقط عليه ورفاقه إحدى قذائف مليشيات التمرد.

"كيف سيستطيع أبناء تعز أن ينسوا كل هذا الوجع..؟!" يتساءل ناشط صحفي.. وبغصة يصرخ أحد أطباء المدينة:" يا الهي كم يلتهمني القهر"..


غصص مخنوقة
لم تكد تجف دماء الطفل/ عادل منصور سفيان- 10 سنوات، مثله العشرات، من على إسفلت حوض الإشراف، في جريمة مساء الأول من يونيو الجاري التي ارتكبتها مليشيا الحوثي وصالح..

لتأتي صرخات أم الطفلة أرزاق التي قضت في مجزرة الجمعة القانية الثالث من يونيو مدوية: "ياااااااا ولدي قوووومي لا تسيبينيش لحالي، أني تعبان وأني أربيك، أني يا ولدي شحقق كل أحلاميك.. قووووومي نروح".. بينما تجثم الأم على جثة طفلتها الممزقة بوجع حارق يلسع الأرواح وغصة تكاد تبلغ الحناجر.

"كانت خديجة جارة المستشفى وأبناءها المهمشين كانوا دوماً يتعالجوا لدي وكانت دائماً تخبرني ألا أتعب نفسي واكتب لها علاج تشتريه من خارج المستشفى لأنها لن تشتريه فهي لا تملك قوت يومها": يقول الطبيب أحمد الدميني.

"قاومت خديجة الفقر والجوع وتحملت هي وأبناءها المرض ولكن لم تقوى على تحمل خُبث ودموية الميليشيات"" يضيف الدميني..

إنسانية مسفوحة
تعيش محافظة تعز أوضاعا إنسانية بالغة السوء منذ بدء الحرب عليها في 14 إبريل من العام الماضي وانتهاءً بالحصار الخانق على مداخلها، ومنع إدخال أي مواد غذائية، استهلاكية، أدوية، أو مستلزمات طبية أو مياه شرب أو حتى اسطوانات أكسجين للجرحى والمرضى في المستشفيات عبر الطرق الرئيسية.


يعيش الأطفال في تعز، اليمن، تحت ضغوط هائلة، ويفتقرون إلى أي شعور بالأمان أو الحياة الطبيعية بسبب الحصار والقتال عنيف: تقول منظمة الأمم المتحدة للطفولة- يونيسف.

مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان أدانت بأشد العبارات، سلسلة الهجمات الصاروخية وقذائف الهاون على العديد من المناطق السكنية والأسواق في مدينة تعز اليمنية والتي وقعت بين الثالث والثامن من حزيران/ يونيو الجاري، وأسفرت عن مقتل 18 مدنيا، من بينهم سبعة أطفال، وجرح 68 آخرين.

وقالت رافينا شمداساني المتحدثة باسم المفوضية في جنيف أول من أمس الجمعة، "تعرض العديد من الأسواق للقصف فيما كانت مكتظة بالناس الذين كانوا يتسوقون قبل شهر رمضان".

وفقا لعدة ضحايا أصيبوا خلال هجوم وقع بالقرب من سوق ديلوكس في الثالث من حزيران/ يونيو الجاري، أفادت شمداساني أن قصفاً انطلق من تلة في الجزء الشرقي من مدينة تعز، الذي تسيطر عليه حاليا ما اسمته اللجان التابعة للحوثيين والقوات الموالية للرئيس السابق عبدالله علي صالح.

"وقد استمر القصف على المناطق المدنية حتى مساء الرابع من الشهر ذاته وتجدد في السادس منه، حيث تعرضت عدة منازل في مناطق التعزية والقاهرة للهجوم، مما أسفر عن مقتل ثلاثة مدنيين وإصابة 12 آخرين، من بينهم تسعة أطفال": أضافت المسئولة الأممية.

المتحدثة باسم المفوضية أشارت إلى حادث آخر بالغ الخطورة وقع في ساعة مبكرة في الثامن من حزيران/ يونيو عندما أصيبت مدرسة قريبة من مستشفى الثورة جراء القصف، مما أسفر عن مقتل خمسة أشخاص، من بينهم ثلاثة أطفال.

وأضافت:" ينتمي جميع الضحايا إلى مجتمع "المهمشين" ولجأوا إلى المدرسة بعد أن أجبروا على الفرار من منازلهم بسبب أعمال العنف الجارية".

ومنذ 26 من آذار/ مارس من العام الماضي وحتى الثامن من حزيران/ يونيو الجاري، وثقت المفوضية مقتل 3539 مدنيا وإصابة 6268 آخرين.

التنكر لتعز

لم تكاد تخفو أوجاع التعزيين على وقع مشاهد الدم وصرخات المقهورين لتصحو على وجع آخر .. فصرخة "لا تقبروني" التي كانت آخر استغاثة لطفل تعزي أزهقت روحه قذائف قصف الحوثيين وحليفهم لمساكن مدنيين، ماتزال حاضرة في أذهان التعزيين، وقد حولت حرب صالح وحلفائه على الشعب اليمني إلى انكسار نفسي وازدراء شعبي وستكتب عما قريب شهادة وفاة أحلام الهيمنة والاستبداد.

يقول الدكتور/ محمد لطف الحميري: كثيرون استكثروا على تعز الانتصار لكرامتها التي أهدرت على مداخلها خاصة مدخل وادي الدحي الذي كان أكثر قسوة وهمجية فاقت كل ممارسات قوات الاحتلال الإسرائيلي في المعابر التي تحاصر سكان قطاع غزة رغم فارق التشبيه.

ويضيف:" مهما تكن وجاهة الآراء أو خيبتها ومجانبتها للواقع، فستبقى حقيقة أن تعز خطبت ود الجميع ولم يخطب ودها أحد، هتفت باسم الرئيس عبد ربه منصور هادي وصوتت له رئيسا شرعيا لكنه تنكر لها وتركها وحيدة تقاوم ترسانة الحوثيين العسكرية بسلاح خفيف تشتري رصاصه جيوب المعدمين والفقراء ذلك أن الكرامة هي أعز وأغلى ثمنا وفي سبيلها يرخص النفيس"..

يتابع: تركتها قوات التحالف العربي تواجه مصيرها المحتوم تحت مبررات أيديولوجية واهية ولم ترق قلوب من بيدهم القرار وهم يسمعون حشرجة أنفاس مكتومة من رئة طفلة مريضة تحتاج إلى أسطوانة أكسجين..

يقول الباحث والخبير العسكري عبدالعزيز الهداشي: إن معركة تعز تكتسب أهميتها نتيجة الثقل السكاني والسياسي والثقافي والاقتصادي والإستراتيجي، فعدد سكانها يمثل خمس سكان اليمن، وأغلب الكوادر السياسية والحزبية والاقتصادية منها.

يضيف الهداشي أن هذه المحافظة اكتسبت أهميتها الإستراتيجية من إطلالها على أحد أهم الممرات الملاحية في العالم، وبالتالي أدركت قوى الانقلاب (الحو- عفاشية) أهمية هذه المحافظة فرمت بكل ثقلها وبقواتها الضاربة سواء الحرس الجمهوري أو كتائب الحسين (قوات النخبة الحوثية) لبسط هيمنتها على محافظة تعز بشكل عام وتعز المدينة بشكل خاص.


مدينة يحاصرها الوجع
هو الألم يوزع بالأطنان على سكان تعز ولم يأبه لوجعهم أحد، لذلك لم يجد المقاومون بدا من الاعتماد على إرادتهم وثقتهم بالله فكان النصر حليفهم، وعندما احتفلوا بثمرة نضالهم لم ينسوا أن يقتسموه مع قوات التحالف التي كانوا يشعرون بإسنادها المعنوي رغم غياب طائراتها في كثير من الأحيان عن أجواء مدينتهم التي تلوثها كل يوم أدخنة الدبابات والمصفحات الحوثية.

يوضح أستاذ علم الاجتماع السياسي بجامعة صنعاء- الدكتور/ عبد الباقي شمسان أن الرئيس السابق علي صالح أدرك أهمية المدينة الديموغرافي والمعرفي والرمزي الوطني والاقتصادي وحاول إضعافها في مستويين الأول معرفي وثقافي وسياسي من حيث إضعافها كمركز وعاصمة ثقافية وأضعاف تمثيلها السياسي والحزبي، من خلال أضعاف ممنهج للأحزاب بشكل عام وكذا تمثيل تعز بشخصيات تحمل ولاء للسلطان وليس لها أو الوطن.


يشير شمسان إلى أن المستوى الثاني يتمثل في تقويضها اقتصاديا كما هو معروف في التاريخ المعاصر أن تجار هذه المدينة لعبوا دورا اقتصاديا ووطنيا من خلال مشاريعهم الاقتصادية الحديثة ومن خلال دعمهم التاريخي للحركة الوطنية التحررية، وأنه من خلال المسارين قام صالح بتصفية الرموز الاجتماعية والتحديثية الجامعة لها من خلال.

يقول بأن أبناء هذه المدينة اكتشفوا بشكل جزئي أنهم قوة ديموغرافية ومعرفية محدودة الأثر، ولكنهم أدركوا أنهم منزوعي القوة وأنهم في سجن كبير مطوق بجملة من المعسكرات من الخارج وبجملة من الأجهزة الأمنية من الداخل ترصد تفاعلاتهم.

يرى شمسان بان ذلك الواقع القاسي فرض عليهم انتظار الإنقاذ والذي لم يأتِ، وبعدها بداء التفكير بالاعتماد الذاتي لرفع الحصار والدفاع عن النفس أولا بالقدرات غير الرسمية من خلال المقاومة ومن ثمة القوة العسكرية التي تم تدريبها وأعدادها من خلال السلطة الشرعية ودوّل التحالف..

*ينشر بالتزامن مع صحيفة أخبار اليوم

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

وكالة أرصفة للأنباءجميع الحقوق محفوظة 2016