الموت المدفون يتربص بحياة الأبرياء
تقرير خاص- حسن الفقيه
ذات مساء عاد العم صالح القطيش، إلى منزله بمحافظة
مأرب، بعد أن توقفت الحرب.. كان برفقة أسرته، وكلهم شوق وفرح فيما رب العائلة يدلف
بأول قدم له باب منزلهم.. وملامح وتعابير وجهه تقف عند رسم هذه الفرحة الكبيرة، بعد
أشهر طويلة من النزوح.
وبينما كان القطيش يتوزع في غرف المنزل مع زوجته وأطفاله،
انفجر لغم في إحدى الغرف، ليودي بحياة زوجته وطفلتها الصغيرة وأحد أولادها، وإصابة
أحد أفراد العائلة.
50 ألف ضحية
كثيرون هم الناس الذين يفكرون بالعودة إلى منازلهم
التي غادروها مجبرين تحت وقع الحرب، وخرجوا من مناطقهم خوفا على حياتهم، من أن يسقطوا
ضحايا في حرب ليس لهم فيها ناقة ولاجمل..
عندما تضع الحرب أوزارها ويعود هؤلاء الناس إلى منازلهم
ومناطقهم، يجدون أنفسهم مجددا في مواجهة موت يغتال حياتهم بشكل مرعب ودون سابق إنذار.
تعد الألغام من الأسلحة التي تهدد وتتربص بحياة الناس،
وتجعلها في خطر داهم وموت محقق، وحتى بعد انتهاء الحرب بعقود طويلة في مناطق الصراع
والحروب حول العالم.
تعود البداية التاريخية إلى دخول الألغام على خط الصراعات
في اليمن، إلى حرب المناطق الوسطى في سبعينيات القرن الماضي.
وطبقا لرئيس لجنة شؤون الألغام/ قاسم الأعجم فإن السجل
الوطني للألغام الذي حدد (592) منطقة متأثرة بالألغام في 19 محافظة، حيث بلغ عدد ضحايا الألغام نحو (50) ألف ضحية 96% منهم
من الأطفال.
تركة ثقيلة
ما تفتأ آلة الموت أن تحصد عددا من الأبرياء والضحايا
بين الحين والأخر، فالألغام تعد موتا أحمرا يفتك بالإنسان والشجر والحجر..
كما أنها تحول ببين النازحين وبين منازلهم ومزارعهم
التي تركوها، نتيجة للحرب، فما أن يفكروا بالعودة إلى منازلهم، إلا وهي من أول مستقبليهم،
لتفتك بحياتهم، والتي ما أن تسر أعينهم بعودتهم إلى ديارهم، إلا وسرعان ما تعمل الألغام
الفردية على إغماض تلك العيون النازحة ، إلى الأبد.
وتشير تقارير إلى أن الألغام التي تم زراعتها بكثافة،
في أماكن وأحياء آهلة بالحياة ومكتظة بالسكان والمارة هي جنبات الطرقات المعبدة بـ"بالإسفلت"،
وفي الأراضي المخصصة للزراعة، وكذا في عدد من المنازل التي تم هجرها والنزوح منها في
فترة المواجهات.
وجود الألغام في المناطق السكينة والأحياء الآهلة بالحياة
خطر يهدد حياة جميع الناس على السواء، فمن لم ينفجر به اللغم اليوم سينفجر غدا..
ومن نجا من الموت، فلن ينجو من الإعاقة الدائمة، ويجد
نفسه بدون أطراف، معاقا لا يقدر على إعالة نفسه فكيف بأسرته.
وتزداد مشكلة الألغام المزروعة تفاقما،في ظل الوضع
القائم، حيث تغيب المنظمات المحلية والدولية، التي تحذر من خطر الألغام، وتحد دون سقوط
مزيد من الضحايا، في حقل الألغام، وذلك بوضع حواجز.
وتعد الألغام من إرث الحروب الثقيلة،، حيث تشكل خطرا
كبيرا على حياة المدنيين، وخصوصا النساء والأطفال.
وتؤكد منظمات متخصصة على أهمية تقديم المساعدة الطبية
وخدمات إعادة التأهيل إلى الضحايا، بما يشمل التدريب على مهارات العمل وإتاحة فرص التوظيف.
مأرب حقل آخر
لا زالت الآلاف من الألغام هنا تحول دون عودة النازحين
إلى المناطق التي جرت فيها المواجهات، مفضلين البقاء في مخيمات النزوح، على العودة،
خصوصا مع سقوط عدد من الضحايا في صفوف الأسر، التي عادت إلى مناطقها، بعد توقف الحرب.
في محافظة مأرب التي جرت فيها مواجهات طيلة أكثر 5
شهر، تم زراعة الآلاف الألغام، خصوصا في منطقتي الفاو والجفينة.
ورغم الجهود الحثيثة التي تبذلها الفرق الهندسية المتخصصة
في تفكيكك الألغام، إلا أن الألغام، قد أودت بعشرات الضحايا بين قتيل وجريح، بعضهم
من النساء والأطفال.
مصدر مسؤول بالمقاومة الشعبية أفاد أن الفرق الهندسية
تمكنت من تفكيك أكثر من 600 لغم أرضي على اختلاف أشكالها وأحجامها في يوم واحد فقط
،مختلفة الأشكال والأحجام، وذلك من أمام "حمة المصارية"، والتباب المجاورة،
وخط صرواح.
منظمة متخصصة في مجال الألغام أشارت إلى مقتل 17مدنيا
وإصابة 21 آخرين إثر انفجار عدد من الألغام زرعها مسلحو جماعة الحوثي وقوات صالح بمديريتي
صرواح ومجزر ومختلف المناطق التي المواجهات
في محافظة مأرب".
تقول مبادرة شاهد، التي تنشط في مجال حقوق الإنسان
أن المواطنين في بعض المناطق جنوب غرب المحافظة ومديريتي صرواح ومجزر بعثوا إفادات
بوجود ألغام في مناطقهم تم زرعها من قبل قوات الحوثي وصالح، وهو ما أكدته التقارير
الأولية لراصدي المبادرة عقب نزولهم الميداني إلى تلك المناطق.
المبادرة أوضحت أن الألغام التي زرعت في مناطق كانت
تحت سيطرة الحوثيين وقوات الرئيس السابق صالح تهدد حياة المدنيين من الفلاحين والنساء
والأطفال، لا سيما وأن معظم هذه المناطق هي مناطق زراعية وآهلة بالسكان وقد تكون آثارها
طويلة اﻷمد".
على خط التجريم
من الناحية القانونية فإن القانون الدولي يجّرم زراعة
الألغام، في مناطق الحروب، وذلك عبر الاتفاقية الدولية لحظر الألغام المضادة للأفراد،
والتي تعرف بـ"اتفاقية أوتاوا"، التي عُقدَت في عام 1997، حيث تعد من أكثر
الاتفاقيات شهرة في هذا المجال.
ونتجت الاتفاقية عن فرض حظر كامل على الألغام المضادة
للأفراد، إذ أن أكثر من 1400 منظمة غير حكومية تنشط في هذا المجال وذلك تحت إطار شبكة
باتت تعرف باسم الحملة الدولية لحظر الألغام الأرضية، إضافة إلى الحكومات والدول ومنها
بلادنا.
في اليمن يجرم القانون اليمن زراعة الألغام المضادة
للأفراد ووضع عددا من الإجراءات الرادعة والصارمة.
ينص القانون رقم (25) لسنة 2005 بشأن حظر إنتاج الألغام
المضادة للأفراد و حيازتها و استعمالها و نقلها و الاتجار بها في اليمن.
القانون في مادته الثالثة يؤكد: أنه يحظر على أي شخص
القيام بأي عمل من الأعمال الآتية: زراعة الألغام المضادة للأفراد أو حيازتها- إنتاج
أو تصميم الألغام المضادة للأفراد.
كما يحظر استيراد أو تصدير الألغام المضادة للأفراد-
الاتجار أو النقل للألغام المضادة للأفراد- حفظ أو تخزين أو إهداء الألغام المضادة
للأفراد.
وسن القانون جملة من العقوبات تتمثل بالسجن والتي تبدأ بمدة لا تقل عن عام، كأيسر
عقوبة، ولا تقل عن 3 سنوات كحد أعلى من العقوبة.
رئيس مركز إسناد الحقوقي- المحامي/ فيصل المجيدي، في
تصريح خاص، يقول أن القانون ينظر إلى زراعة الألغام خصوصا التي تستهدف المدنيين باعتبارها
جريمة، لافتا إلى أنه تم إبرام اتفاقيات لحظر زراعة الألغام خصوصا في المناطق المدنية.
ينوه المجيدي إلى أن تكلفة اللغم حسب التقديرات لا
تصل قيمته إلى 3 دولارات في حين تكلفة نزعه حسب بعض التقديرات تصل تكلفة اللغم الواحد
بين 3 دولارات إلى 75 دولار في حين تقدر تكلفة نزعه ما بين 300 إلى 1000 دولار".
يؤكد أن القيام بهذا الفعل خصوصا في المناطق المدنية
يعد جريمة دولية باعتبار اتفاقية حظر الألغام الموجهة ضد الأفراد والبرتوكولات الموقعة
بهذا الشأن.
إرث الحرب
وما بين خطر زراعة الألغام المضادة للأفراد على حياة
الأبرياء والمدنيين، وبين القوانين التي تجرم فعل ذلك..
يبقى الموت المدفون في باطن الأرض على صورة ألغام،
يتربص بحياة الأبرياء، ويحصد مزيدا من أرواحهم، كل يوم، في بلاد ضنّت على ذويها، بوسائل
الحياة الآمنة والسلمية وجادت لهم بوسائل القتل والقصف والقنص..
ومن لم يأخذ نصيبه مما سبق، فإن عشرات الآلاف من الألغام
في انتظاره، ليكون الموت هو المصير، ولا سواه لمواطني هذا البلد التعيس.

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق