إلى الواقفين بأحذية من ذهب على مناجم الثروات..الوحش: ثورة الشباب لا بد أن تزهر..!

دردشة على الرصيف/ نبيل الشرعبي*

"الوحش" ليس مجرد رقم يعيش على هامش جغرافيا اسمها اليمن ويتمزقها صراع المتسابقين على التفرد بثرواتها وكرسي الحكم, بل نبض وطن يتوق الغالبية من مواطنيه إلى الخبز والأمن والأستقرار والنهوض..

لا يكل من الصبر والبسمة وإجالة النظر على طول الفراغ المحيط به.. الوحش: إنسان كثير وشموخ يضاهي الجبال صمودا.. يقف على عتبات منتصف العشرينيات من العمر..

في ليلة مقمرة فيها القمر كان يتوسط السماء في تمام اكتماله.. نحت في شعاب الروح وجعا إضافيا, كان تقويم العام يشير إلى أن التوقيت حط رحاله على تاريخ 21مارس 2016..

عيد الأم.. دخلنا اليوم..? هكذا سأل وتوارى لحظات ثم عاد وسأل مرة أخرى: يا عبده زيد.. والذي أمه قد ماتت ماذا يعمل من أجل أن يحتفل بأمه..?

الزميل عبده زيد وقد خنقته الغصه أجاب: الله يرحمها.. يا أخ محمد برك هذا بأمك هو أجمل وأفضل احتفال لا تشغل بالك بهذا الموضوع.. اليوم هي مثل كل الأيام, والأمهات كل أيامهن أعياد وفرحة..

قاطعه: لكن يا عبده زيد, أنا تعبان نفسيا كان بودي يجي يوم وأنا معي فلوس وأمي ما زالت حية وأشتري لها هدية وأخليها تفرح وتقول إبني محمد جاب لي هدية, الله يحفظك يا إبني ويسهل أمورك..

"الوحش"
دردشة على الرصيف وينشر حصريا على موقع {مكس نيوز} و [وكالة أرصفة للأنباء]
إلتقت محمد عبده علي بشر القباطي.. الوحش وهو شاب من محافظة تعز في الأسابيع الأولى من اندلاع الثورة الشبابية السلمية, ترك المقاول الذي كان يعمل معه حمال طوب وأسمنت و...إلخ بالأجر اليومي وانضم إلى صفوف الثوار..

منذ انضم إلى طابور الثورة الشبابية لم تفته مسيرة واحدة.. تعرض للاختظاف مرات عدة وكذلك لاصابات خفيفه وحالات تسمم واختناق بالغازات.. ولكن الله كان لطيف به ورفيق به..

عوضه الله حنان رباني.. لأنه فقد والديه وهو ما زال طفلا.. جدته تكفلت بتربيته وبسبب صعوبة الحياة وشحة ذات اليد لم يتمكن من الالتحاق بالتعليم..

ليس له إخوان.. كثير ما يفجعك وهو يردد على مسمعك: يا أخي الذي عنده إخوان صغار مرتاح.. ثم يغادرك كومة من صمت..

ما أجمل البنات والأولاد الصغار.. ما أجمل الواحد لما يكون معه أخت صغيرة ويمشي معها وهو ماسك بيدها ويشتري لها حلويات ولعب"عروسة".. يااااالله ما أحسن ذلك..

طوال أسابيع ومحاولاتي استدراجه إلى حديث يدوم لبضع دقائق تفشل وتكلل ببكاء يعقب رحيلي عنه.. لكوني عاجز عن الإجابة على جنون تساؤلاته..

لم أفشل في إدارة حوار قصير كما وجدت نفسي مع محمد القباطي الذي صار يحلو له أن أناديه بالوحش.. هذا اللقب الذي رغبت من خلاله أن أجسد كثير محمد في تصبره وشموخه ب"وحش الصبر والشموخ"..

" كسرني أنيق صدقه"
في الأول من شهر إبريل 2016.. ومن على جغرافيا الوطن الذي عشقه محمد القباطي "الوطن.. الشجرة".. كنت أتحدث على الهاتف مع والدتي الغالية..

لم أكن أدرك أن القباطي يستمع بكثير من العشق وأنا أغني لأمي على الهاتف رائعة فائزة أحمد "ست الحبايب".. وأنا مشدوه بنشوة سعادة نظرت إلى جواري.. كان محمد القباطي قد غادر مكانه ليقترب مني وهو يبتسم بسعادة تفوق سعادتي بقرون من الازدهار..

انهيت مكالمتي مع أمي الغالية.. والقباطي مد يده وصافحني ولم أستطع سؤاله..! سبقني إلى سؤال: أنت تحب أمك كثير..?

تلعثمت لكنه قال بجد أنت تحب أمك ولكن هي تحبك أكثر.. تصدق يا نبيل الشرعبي أنا اليوم مرتاح وما أقدر أصف راحتي.. تعرف السبب, حركت رأسي مندهشا..

أجاب لأني سمعتك تكلم أمك وتغني لها وحسيت أني أنا الذي يتصل بأمه وليس أنت, ربي يحفظ أمك أمنا الغالية ويحفظك لأمك.. يااااالله كم أنا مرتاح..

أغرورقت عيناي بالدمع وواريت وجهي حتى لا يراني.. ثم تحججت بأن لديا موعدا مع صديق بخصوص عمل وغادرت المكان كي لا يراني زميلي محمد القباطي..

عدت في المساء ووجدته.. ناد عليا يا "وحش" أنا أشكرك.. اليوم خليتنا أشعر وكأن أمي موجودة.. كسرني زاهي وأنيق مشاعره وصدقه وعجزت عن قول شيء غير أمي هي أمك..

" كلمة ثورة الشباب"
خمس سنوات ولم يكل من الإيمان بأن الثورة الشبابية السلمية اليمنية ~ثورة 11فبراير 2011~ ما زالت وستزهر يوما ما..

أواخر شهر مارس 2016.. كانت الساعة تشير إلى العاشرة وبضع دقائق مساءا.. المكان مخيم شباب الثورة المرابطين~ ساحة التغيير صنعاء~ إقترب محمد القباطي مني والزميل عبده زيد المقرمي وجلس جوارنا وقال: اسمع أنت يا عبده زيد وأنت يا نبيل, أشتي أتعلم القراءة والكتابة..

وأضاف لا تستغربوا طلبي كل يوم واحساسي يزداد يقين أن ثورة الشباب السلمية ستزهر وأنا أشتي ألقي كلمة الشباب في أول حفل بالثورة وأعلم الذين يسخرون منا أن ثورتنا لا تموت وأن جلسونا هنا ليس عبث كما يتوهمون ويقولون..

صرت لا شيء أمام هذا الإنسان الكثير العشق لثورتنا.. "الوحش" في الأمل واليقين والطموح والإصرار..

وأضاف "الوحش.. اليقين".. لا تتأثروا بكلام الناس الذين يسخرون منا.. والله سيأتي يوم يتمنون يرجع الزمن للوراء من أجل يجلسوا في هذا المكان..

صمت القباطي وساد المكان هدوء جم.. ثم قال كل حلمي أقرأ كلمة الشباب في حفل الثورة الشبابية ولا أريد منصب ولا فلوس ولا سيارة ولا ...إلخ.. وأرجع أشوف لي أي عمل والوطن قد نهض ولا أجد حتى شخص واحد في اليمن يطلب من الناس يتصدقوا عليه..

ورفع صوته بألم لماذا لا تكون اليمن مثل بقية الدول المتطورة ولا يوجد فيها شخص جائع.. أشتي أشوف بلدي اليمن وهو أفضل بلد..

" نبض وطن"
محمد القباطي "الوحش" ليس مجرد رقم يعيش على هامش جغرافيا يتمزقها صراع المتسابقين على التفرد بثرواتها وكرسي الحكم, بل نبض وطن يتوق الغالبية من مواطنيه إلى الخبز والأمن والأستقرار والنهوض..

هل فكر المتشدقين بالوطنية والحرص على اليمن بقبول أن يكونوا ولو لحظة واحدة مثل هذا الوحش ~محمد القباطي~ في عشقه لوطنه, وهم في قصور فارهة ويقفون بأخذية من ذهب على مناجم الثروات, وليس وهم مثل الوحش لم يذق قطعة لحم منذ خمسة أعوام, وينام تحت الشمس والمطر ولم يكفر يوما بل لحظة واحدة بهذا الوطن الذي لم ينل منه غير البؤس بسببكم..

فيا معشر الواقفين على مداخل الوطن ضمانا للتأكد من ذبحه من الوريد إلى الوريد, هل فيكم ولو ذرة شجاعة والتعلم من هذا البائس والذي لا يقبل إلا أن يكون واحد من عامة اليمنيين البسطاء..

"رسالة"
هذه أخلاق وإيمان أحد ثوار 11فبراير 2011 الذين ما زالوا يرابطون في مخيم الاعتصام~ ساحة التغيير صنعاء~ فهل يكفي لتعرفوا من ما زال مرابطا في هذا الكيلو الأول من وحي الحرية...!

* تنويه:
ينشر بالتزامن موقع "مكس نيوز" و "وكالة أرصفة للأنباء"..