تقرير/خاص
أمهات يقطرن الغيم ليسكتن زلزال جوع أطفالهن وأباء يبحثون على صغارهم بين الركام... مشاهد تختزل الفاجعة في تعز..!
من نزيف الروح في محافظة تعز.. قصص تختزل مشاهد من البؤس والصمود.. منظمة أوكسفام عطرت بها أخر تقرير لها خصصت لتعز ما يليق بها.
إنها أم وليس لها ذنب غير أنها عشقت أن تلوي المدى وتهصره لتصبه عبقا حنونا في عمق شجر أطفالها.. الجوع مؤلم يا الله ما أقسى هذا البركان المتصاعد من جوف أم.
بوجع كامل وشحوب يضاهي وجه الخريف نضوبا في جفاف غيمه.. نازحة.. أم لثمانية أطفال يشربهم الجوع.. تفتش في الأرجاء عن قمر تعلقه على شفاة أطفالها.. لكن لا شيئ غير الفراغ ووحش يوغل في بشاعته وغيه.
اكتفت بتقديم نفسها ب ~ أم محمد.. مصرة على التمسك بأمومتها.. قالت: "لا نزال أنا وزوجي وأطفالي الثمانية نعيش في خيمة.. الجوع مؤلم بشكل رهيب.. استيقظ في معظم الليالي وأنا أفكر في الطعام الذي لا أملكه– لا يمكننا حتى شراء كيس من القمح.
تصرخ أعماق الصخور فاجعة عليها.. توقف أيها الى
وقت.. فيما هي تواصل حديثها.. أجد أحيانا الخبز الجاف فقط، وأقطعه إلى قطع صغيرة وأغمسه في الماء لإطعام أطفالي.. إنه لمن المولم جدا أن أرى أطفالي جوعى، ولا يمكنني القيام بأي شيء حيال ذلك.
يضيق المدى ويتمدد الوجع حين يغدو لا متسع في فؤاد الأم لأهازيج الإحتفاء ببسمة طفلها..
يا الله كيف ألج الضوء كي أنسل كغيمة إلى شهوة البوح, فينفطر الكلام تميمة يعلقها الزمان على جيد التلال..!
كيف لي أن أهب نحو فؤادها وهي لم تعد تحتفظ في تلافيف تكسرها غير إنفراط الحزن ~ على براعم فجرها~ كحبات عقد تناثرت فيروزه في قاع جرف عميق وبتوقيت ليل مكتظ بالظلمة ..!
منظمة أوكسفام وقفت على عتبات الجرح النازف بتعز وتدفق صهيله ليحط على آفاق متناثرة.. حكايات تختزل عالم من البؤس الذي لم يسبق أن ولد مثله.
أب ما زال يسأل: هل سأجد طفلتي.. توفيق، 35سنة، التمس الآمان في حبان بعد مقتل ابنته في قصف طال مسكنهم في محافظة تعز.. توفيق يقول "تركنا منزلنا مع مئات الآسر منذ بداية الحرب؛ فقد د مرت جميع المباني المحيطة بنا.
يضيف) كنت أحاول الحفاظ على سلامة عائلتي، لكن الصواريخ والقذائف كانت تسقط كالمطر، ولم أتمكن من إنقاذ ابنتي التي كانت تبلغ من العمر 14سنة فقط.
لم أتمكن من دفن طفلتي، و لازلت لا أعرف إذا ما كانت ستبقى تحت أنقاض هذا المنزل إلى الآبد.. كنت أحلم دائما أنها ستصبح معلمة ناجحة، قادرة على نشر رسائل التسامح والسلام".
"عندما غادرنا، كان علينا السير لأيام بحثا عن منطقة أكثر أمانا.. كنا ننام في الشوارع لعدة أيام، حتى وصلنا إلى قرية قوبان في حبان حيث كان الناس ودودين.
ويواصل توفيق حديثه: اعتدت الاعتماد على دراجتي النارية كمصدر للدخل، لكنها تضررتزودتنا منظمة أوكسفام بمياه الشرب، فقد كنا نستخدم مياه, أخرج يوميًّا للبحث عن عمل يمكن أن يساعدني على إطعام أطفالي، لكنني أرجع معظم الوقت دون شيء– ولا حتى حليبمن جراء الضربات الجوية.
وفي هذه النافذة وجع إم.. صار لسان حالها يردد الجوع مؤلم.. أم علي، 39سنة، هربت من تعز إلى حبان بعد أن دمر منزلهم بالكامل..
تحدثت إلى منظمة أوكسفام: "لا نزال أنا وزوجي وأطفالي الثمانية نعيش في خيمة.. الجوع مؤلم بشكل رهيب.. استيقظ في معظم الليالي وأنا أفكر في الطعام الذي لا أملكه– لا يمكننا حتى شراء كيس من القمح.
أجد أحيانا الخبز الجاف فقط، وأقطعه إلى قطع صغيرة وأغمسه في الماء لإطعام أطفالي.. إنه لمن المولم جدا أن أرى أطفالي جوعى، ولا يمكنني القيام بأي شيء حيال ذلك.
زوجي يبحث عن عمل كل يوم، لكن جهوده تضيع دائما سدى.. أنا أم، ولا أريد أن أرى أطفالي يعانون.. أتمنى أن أتمكن من العودة إلى منزلنا وحياتنا السابقة.. أتمنى أن يتمكن أطفالي من العودة إلى المدرسة، وتناول الخبز والخضر والدجاج".
وهنا شاب يشربه البؤس.. عمار عبد الباسط، 21 سنة، اضطر إلى الفرار من منزله بسبب النزاع.. لم يتمكن من إيجاد فرص عمل، وبدأ في نقل الآغذية من المدينة لبيعها في القرية.
عمار قال: أقمت مع أخي الآكبر في القرية.. لم اتمكن من العثور على عمل منذ بداية النزاع، والحالة تزداد سوءا.
وأضاف: أنا أمثل عبء إضافي على أخي "لقد نزحت بسبب النزاع، وأعيش لكسب بعض المال، بدأ عمار يذهب إلى السوق المحلية في الصباح الباكر لشراء الخبز، والكعك، والبسكويت، والخضفضروات، مع استخدام حمار لنقل السلع مرة أخرى إلى قرية نائية.
أسير على أقدامي لمدة ثلاث ساعات كل يوم من القرية إلى السوق "شعرت بالملل والإحباط لفترة، لكنني أصررت بعد ذلك على القيام بأي شيء لمساعدة نفسي وأجلب السلع لبيعها إلى القرويين.
واستخدم حمارا لنقل السلع، لن الطريق إلى القرية وعرة للغاية.. أبيع الخبز بسعر السوق، وأكسب بعض النقود.. لكنني أبيع الخبز بأسعار أعلى إذا استأجرت سيارة".
جواد.. تعثر بالصغار.. وللعلم إنه ليس حصان بل شاب من محافظة تعز اسمع جواد،20سنة، عمل في السوق لدعم نفسه بعد أن توفي والديه في حادث سيارة عندما كان تلميذا في المدرسة , يقول جواد"عملت في السوق، واعتدت على حمل الحقائب والسلع على ظهري .
قال لمنظمة أوكسفام: أكسب من هذا العمل 50ريالا للحقيبة الواحدة، واعتدت على حمل حوالي 20حقيبة والحصول على ألف ريال (4.66)دولار في معظم الآيام.
منذ عام تقريبا، كنت قد انتهيت من العمل، وشعرت بالإرهاق. عدت إلى المنزل لستريح، ثم أصابت المنزلقذيفة.
وذهب ببصره بعيدا ثم أضاف: لا أتذكر شيئا سوى رائحة البارود، ثم أصابتني غيبوبة. قيل لي أنني بقيت في وحدة العناية المركزة بمستشفى في تعز لمدة شهرين.
وعندما استيقظت، لم أكن قادرا على التحدث أو الاستماع. تلقيت العلاج في المستشفى، وبعدذلك ذهبت إلى البيت.. وعندما وصلت إلى البيت، كنت منذهلا لمشاهدة حجم الضرر ".
وبعد ذلك صار جواد عاطلا عن العمل، ويعتمد في طعامه على جيرانه.. غادر جواد مع مجموعة من جيرانه إلى منطقة أكثر أمانا في حبان، خارج مدينة تعز..
صدام عارف، 24سنة، هو الآكبر بين إخوته.. توفى والده قبل ثلاثة أعوام، وكان على صدام أن يترك المدرسة ويعمل سائق سيارة أجرة في مدينة تعز لدعم والدته وإخوته الخمسة كانوا تمكنوا من تحقيق الاكتفاء الذاتي، وذهب الآطفال إلى المدرسة.. عندما تصاعدت حدة النزاع، فر صدام وأسرته إلى قرية مجاورة.
ويضيف جواد"كان علينا أن نستقل أربع سيارات للوصول إلى القرية، حيث أغتلقت جميع الطرق" .
وفي القرية أخذ الوضع يزداد سوءا.. لم اتناول الفاكهة منذ سنة تقريبا.. نحن نأكل وجبة واحدة فقط في اليوم أو وجبتين في أحسن الآحوال.
ويتكأ جواد على تصبره ويقول: (نأكل العصيدة).. خليط من الماء المغلي والدقيق~ لكنني أتوقف أحيانا عن تناول الطعام وأنا لا أزال جائعا حتى يتمكن إخوتي الآصغر سنا من الحصول على ما يكفيهم".
وأصيب أخي صدام برصاصة في ساقه ويسير بعكازين، ويبقى في المنزل .. "سأعود إلى مدينة تعز، ما أن استرد عافيتي، للبحث عن عمل حتى إذا كانت الحرب مستمرة؛ ذلك أن الوضع أصبح لا يطاق، وحالتي البدنية والنفسية تزداد سوءا يوما بعد يوم".
شحيح بل أشح من الشحيح ما يتدفق من الأحاديث السابقة من بؤس ووجع يشرب الأرواح في محافظة تعز, فيما وحش أو بالأصح مسوخ صالح والحوثي يوغلون في بشاعتهم ليس لشيء غير أن تعز عميقة في الرفض للعبودية.
تعز ومهما صب المسوخ جم حقدهم عليها.. ومهما نزت روحها وزفت كتائب العشق نحو مثواهم لن تساوم ولن تقبل أن تكون راكعة في بلاط المسوخ.. فلتصدح السماء لك المجد يا تعز..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق