دردشة على الرصيف/ نبيل الشرعبي*
كيف سيغدو بإمكانك أن تكون شاهدا على انهيار بلد وأنت تقع تحت مقصلة الكلاشينكوف وتتنفس البارود ولا نوافذ للضوء مفتوحة أمامك..?!
آفق يختصر في فوهة بندقية.. هذا كل ما يمكن أن يهيج في مسمعك وأنت تسمع ذاك إجابة على سؤال: كيف تصف واقع الحريات والإعلام بل والحياة العامة بشكل عام في اليمن, منذ سبتمبر2014 وحتى إبريل2016..
الناشط الشبابي اليمني وأحد رواد ثورة 11فبراير2011.. محمد صالح الأسعدي ~ ويحلو له لقب أبو صخر, ذكر ما سبق.. في دردشة خاصة على الرصيف..
لا يقبل أن يقف على وجعه بل يبتسم بلطف ثم يقطب حاجبيه ويقول إن الحديث على واقع الحقوق والحريات في اليمن, تجسده عبارة "الحياة تحت فوهة كلاشينكوف".
الأسعدي.. يشغل منصب منسق عام مبادرة "الوطن قضيتنا" وهي أحد أهم المبادرات المجتمعية اليمنية~ هذا إذا لم تكن المبادرة المجتمعية الأولى بإمتياز..
إن سألته من اين أنت ~ وقصدك من أي محافظة يمنية~ تكون إجابته مغايرة تماما للمألوف~ حيث يجيبك قائلا: هل هذا سؤال.. ألا تراني أتحدث اللغة العربية..
ويضيف: إن كنت مصر على أن تعرف من اين انا سأجيبك حسنا~ أنا أممي الإنتماء عربي اللسان يمني الإقامة.. عالمي كل بقعة وطئته قدم الإنسان الإنسان.. لا أحمل هوية لأن هويتي إنسان..
إنتسب الأسعدي أبو صخر إلى المؤسسة العسكرية اليمنية قبل عقد من الزمن.. وفي فبراير2011 أعلن انضمامه إلى الثورة الشبابية السلمية.
شارك في غالبية المسيرات والأنشطة الثورية وتعرض للإعتداءات والمطاردة والإحتجاز, وكان ضمن طاقم الاسعاف الفدائي..
أبو صخر.. كما كنيته قوي لا يشتكي لجور ما تعرض له, لكنه يصير هش للغاية إن سحبته إلى صميم التنكيل الذي تعرض له شباب ثورة 11فبراير 2011..
ينشطر ويذوي صوته ولا يبقى غير غزير من دموع وشحوب يتوشح كامل وجهه وحضوره.. يصارع التماسك لكنه يفشل ويعتذر لك مؤكدا إنه إنسان ولا يمكنه أن يعيش بعيدا عن العامة من البؤساء..
تعرض للاعتقال عدة مرات خلال بضعة أشهر من العام الجاري 2016.. في 30يناير أعتقل مع 7من رفاقه المرابطين في ساحة التغيير صنعاء, وقضى في المعتقل حوالي 24ساعة في ظروف اعتقال مهينة.
في فبراير2016 اعتقل مرة آخرى من الشارع قرب مكان اعتصامه مع زملائه في ساحة التغيير صنعاء, وتم الإفراج عنه في نفس الليلة.. وتكرر في نفس الشهر اعتراضه وايقافه في الشارع عدة مرات.
وفي الأسابيع الأولى من شهر مارس اقتحم مسلحون بلباس مدني وأخرين بزي عسكري مخيم اعتصامهم, وقاموا بتفتيشه مع زملائه بشكل مهني..
ولم يكد تمر أيام ليعاود المسلحون اقتحام المخيم والتحقيق معه وزملاؤه.. وحدث نفس الأمر في شهر إبريل حيث تم مداهمة مخيم الاعتصام خلال هذا الشهر مرتين..
وفي كل مرة يتم أخذه على إنفراد وإخباره بمضمون ما ينشره على شبكة التواصل الاجتماعي~ فيس بوك.. تويتر.. واتساب.. في إشارة إلى أنه متابع..
من أبرز الأسئلة التي توجه له: هل أنت تكتب منشوراتك ومقالاتك أو معك دكتور يكتب لك.. من يعطيك الأفكار.. لماذا لا تكتب على انتصارات الجيش واللجان الشعبية في الحدود وعلى الدواعش..?!
ثم يوجه إليه عتاب ولوم.. كتاباتك يا أبو صخر موجعة.. وتسبب إرباك.. أنت تربكنا وتوجعنا بكتاباتك..
يبتسم ويجيب على الأسئلة الموجهة إليه بتساؤل: هل ما أكتبه كذب أو غير واقعي.. لو كان كذلك فمن حقكم محاكمتي وإن تطلب الأمر إعدامي حتى شنقا..
أنا لا أكتب إلا ما يؤلم المجتمع اليمني وأنا واحد من هذا المجتمع المسلوب حقوقه في العيش والحياة وحرية التعبير والرأي, فلماذا لا تسمعون نداءاتنا..?
لماذا تتركون الفاسدين وناهبي ثروات الوطن والقتلة والمجرمين يعيثون فسادا بالوطن وتفرغتم لمراقبة المشردين والجوعى والبؤساء في الشوارع والأرصفة..
أليس من حقنا أن نعيش.. نحن لم ننهب ثروات البلد ولم ننتهك القوانين والدستور بل العكس نحرص على الإلتزام بها حد التقديس.. فكيف تحول حبنا لوطننا الغالي إلى جرم ..!!
ما الذي تريدوه منا.. حتى ونحن في الشارع مشردين ما زال تشردنا يقلقكم.. عودوا إلى رشدكم.. إننا باقون في مخيم اعتصامنا إلى يقضي الله أمر كان مكتوبا.. بهكذا ينهي محمد أبو صخر نقاشاته مع من يقومون بالتحقيق معه كل مرة يتم ايقافه أو اعتقاله أو مداهمة مخيم اعتصامهم..
"لا عهد لساسة اليمن"
وفي رده على سؤال كيف تنظر إلى واقع ما يجري من مشاورات ومفاوضات بين الأطراف اليمنية التي تدعي كل أحقيتها بالتفرد بحكم اليمن.
قال الأسعدي أبو صخر إن الصلح بين الساسة اليمنيين هو مكسب خاص بهم ويعالج قضية المتصارعين سياسيا ويمكنهم من ثروة البلد وتقلد المنصب وهذا هو الخداع الذي ما زال مستمر ويؤمن به الساسة العملاء واصحاب المصالح محدثي الصراع والفوضى بكل زمان ومكان.
ويضيف وهو صلح غير وطني ولا إنساني وانما صلح لإرضاء الغرب وسياسة الامم المتحدة العجوز العاثرة والمتسولة من أموال الشعوب.
ولذلك وفق الأسعدي فإن الصلح الحقيقي لليمنيين هو صلح داخلي بين كل الفئات والشرائح بعيدا عن الاحزاب والجماعات ورؤسها العملاء ومن يعبثون بهذا البلد.
ويؤكد الأسعدي أن عدالة قضية المجتمع اليمني لن تتم إلا بمحاسبة كل قادات الاحزاب والجماعات والمتورطين في تأجيج الصراعات ومثولهم أمام البسطاء من المجتمع اليمني الذي عانئ من صراعهم واستحواذهم على الدين والنظام والقرار السياسي ايضا وتسلطهم.
إضافة إلى ايقاف العبث بالثروة والمال العام وتحويل ذلك لخدمة كل اليمنيين وايقاف استمرارهم بالقمع للمجتمع والسطو والسيطرة على آراء الآخرين بكتم الافواه والرقابة المشددة على خاصية كل يمني رغم انهم قد سيطروا على كل شيء .
وحسب الأسعدي فإن الحاصل على أرض الواقع هو أن من يتراشقون بالوطن يتفاوضون بالدم والمال العام والمناصب فلا عهد لساسة اليمن من يدعون الحمى أو التحرير او الوصاية أو الشرعية فالمجتمع اليمني ليس عبدا في مزاد الطغاة من حكام العمالة والخليج والغرب.
ويشير الأسعدي إلى أن ذلك لا تعني أن المجتمع لا يعي ما يحصل بل هو مجتمع يعي كل حدث ويهتم لذلك, لكنه لم يمتلك القرار السياسي.
وفي المقابل المجتمع اليمني ~كما ختم به الأسعدي حديثه~ يمتلك القرار الوطني والحتمي وهذا بحاجة لاستبيان لمعرفة ميول وحلم وطموح المجتمع اليمني الثائر الذي لم يكن خلط الاوراق من صالحه, في حين أن الواقع هو في صالح مجتمعنا وطريق الخلاص من الطغاة ومن يديرون هذه الصراعات والفوضى والعبث.
تنويه:
* ينشر بالتزامن موقع "مكس نيوز" و "وكالة أرصفة للأنباء"..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق