وكالة أرصفة للأنباء/ حسام السعيدي*
يلعب الاستقرار السياسي دورا مهما في استقرار التوازن الاقتصادي، ويمهد الطريق نحو التنمية بصورة أكثر استقرارا وديمومة، إن وجود اختلال في الاستقرار السياسي مقرون بتغييب دور الدولة أو انهيار مؤسساتها أو تعطيلها على الأقل، يفضي إلى نتائج سلبية على النشاط الاقتصادي بقطاعاته.
وعليه فأنه ومع ضعف الانتاج المحلي اليمني، فأن الزيادة في معدل التضخم قد تشير للوهلة الأولى إلى إمكانية تحقيق عوائد عالية لقطاع الأعمال، ولكن هذه الفرضية تخفت إذا أدركنا بأن معظم السلع الرائجة هي سلع مستوردة غالبا، ويتم احتكار المتاجرة فيها فقط لكبار التجار، أو النافذين.
هذه إحدى زوايا التحليل في هذا القطاع، إلا أن الأثر السلبي للحرب والأحداث المصاحبة لها يزداد حدة إذا حاولنا معرفة نتائجه على مستوى قطاعات الإنتاج الرئيسية والفرعية، فنلاحظ أن القطاع الزراعي مُني بخسائر فادحة نتيجة توقف التصدير لبعض المنتجات، وخاصة أثناء شهور الحرب الأولى، ويعود ذلك خاصة إلى تأثر المخزون من السلع الجاهزة للتصدير بشكل مباشر، وضعف الطلب المحلي.
هذا إلى جانب غياب المشتقات النفطية واهمها الديزل، وزاد من حدة الخسائر الجفاف الذي ضرب بعض المناطق في الجمهورية.
أما قطاع التشييد فقد ناله نصيب واسع من الآثار السلبية حيث توقف هذا القطاع بصورة شبه كاملة، وأدى ذلك إلى انهيار الكثير من المنشآت العاملة في ذلك المجال، وتسريح العمالة فيها.
ولم يختلف الحال في بقية القطاعات كثيرا.
ومع ذلك فقد تأثر ذوو المهن الصغيرة، وأصحاب المتاجر الصغيرة، والحرفيين، وتجار التجزئة بصورة واسعة نتيجة الأحداث وضعف مستويات الطلب، مع العلم أن المشتغلين في ماتم ذكره يزيد عن ( 2000000 ) شخص تقريبا.
كما تأثرت العديد من المنشآت السلعية والخدمية نتيجة مغادرة العمالة الأجنبية، علما بأن عدد العامالين الأجانب في اليمن يزيد عن (12000) شخص تقريبا، ويشتغلون في وظائف دقيقة ومتخصصة غالبا.
ويعاني المستثمرون في القطاع المالي، من ارتفاع معدلات التضخم، وزيادة مستويات المخاطرة.
والخلاصة، فأن هذا القطاع يعاني بصورة واسعة من التعثر، وارتفاع مستويات المخاطرة، وزيادة التكاليف وتراكمها، وهذا بدوره يؤثر على التدفقات النقدية إلى القطاع العائلي، وكذا يقلل من القدرة على زيادة المعروض من السلع والخدمات أو العودة لمتسوياته التي سبقت الأحداث.
كما يؤثر ضعف قطاع الأعمال على القطاع الحكومي أيضا حيث تقل قدرته على الوفاء بالتزاماته بدفع الضرائب، وكذا الرسوم المختلفة، وهذا ما سنتطرق إليه في بند القطاع الحكومي التالي.
:* القطاع الحكومي :
يمثل القطاع الحكومي أحد أهم القطاعات في الاقتصاد، وله أيضا مجموعة من العلاقات المتشابكة مع بقية القطاعات، ولعل من المفيد معرفة أن وسيلة القطاع الحكومي في التأثير على النشاط الاقتصادي تتجلى بصورة كبيرة في الموازنة العامة، وكذا في إصدار التشريعات المنظمة للحياة الاقتصادية.
وقد زاد الاهتمام بدور الحكومة الاقتصادية بصورة اكبر عقب ظهور الآراء الكينزية والتي أعقبت ظهور الكساد الكبير، والتي نسفت آراء الكلاسيك حول حياد الدولة، واقتصار تدخلها على وظائفها الأساسية فقط وعلى رأسها الدفاع والأمن، ونادت بضرورة تدخل الدولة في حال اعترت آلية السوق اختلالات مختلفة.
وفي بلادنا فأن القطاع الحكومي ما يزال يملك بعض أدوات التدخل المباشر في الأسواق عن طريق مؤسسات وشركات القطاع العام، إلى جانب الزيادة النسبية لدور السياسة المالية بأدواتها المختلفة المباشرة منها وغير المباشرة في التأثير على النشاط الاقتصادي.
ويمكن معرفة أثر الأحداث الجارية على القطاع الحكومي من خلال تحليل بعض العناصر المهمة في الموازنة العامة، وكذا مناقشة بعض المستجدات حول الدور الحكومي في الاقتصاد.
ولعل من أبرز المشكلات عدم صياغة الموازنة العامة لهذا العام، وعدم إقرارها..
وإذا بدأنا بجانب النفقات العامة :
سنلاحظ أن جانب الإنفاق يسير بصورة متخبطة وعشوائية، حيث توقف الإنفاق الاستثماري، وذلك نتيجة الحرب، ومن أجل توفير المال، إلا أن هناك تدفق للنفقات في الجانب العسكري الرسمي منه وغير الرسمي، ونلاحظ أيضا أن هناك توقفا شبه تام للإنفاق الاجتماعي، حيث تخلت السلطات عن دورها في دعم المشتقات النفطية، تحت مسميات مختلفة، إلا أن الواقع يعني تخليا واضحا عن الدعم الاجتماعي علما بأن سياسات الدعم تثير جدلا حول أهميتها ومدى ملاءمتها وضرورتها، مع العلم أن مبالغ الدعم الحكومي للمشتقات تجاوزت نصف تريليون ريال في العام 2010 على سبيل المثال، وبغض النظر عن مدى صحة هذه السياسة، أواخفاقها، إلا أن إلغاء الدعم يخلف المزيد من الفقر، حيث يزيد العبء على كاهل الفقراء، خاصة اذا عرفنا أن الإنفاق على شبكة الحماية الاجتماعية قد توقف.
ما يزال الإنفاق الجاري قائما ويأخذ حيزا واسعا من إجمالي النفقات، ولعل أبرز وجوهه الإنفاق على المرتبات والأجور، ونعرف مسبقا بأن حجم بند الأجور كبير أصلا، فقد زاد عدد موظفي الجهازين الإداري والقضائي للدولة عن ( 522000) موظف.هذا إلى جانب العسكريين. بالإضافة إلى المصروفات العبثية، التي يتم تداولها في الإعلام، والتي تذهب إلى جيوب النافذين.
وبالنسبة لجانب الإيرادات:
فأنه أكثر قتامة، حيث توقفت مصادر الإيرادات الرئيسية للدولة وعلى رأسها إيرادات النفط، بصورة كاملة وهي التي كانت تمثل ما يقرب من(80%) من إجمالي الإيرادات العامة، كما اصبح من الصعب تحصيل الضرائب وهي المورد الأهم للدولة بعد النفط، والغاز، وتمثل حوالي (15%) من إجمالي الإيرادات.
وذلك نتيجة للظروف التي تحيط بالمنتجين، وتعطل الكثير من المؤسسات عن أعمالها، ومع هذا فما يزال تحصيل بعض الضرائب قائما، إلى جانب ضرائب الدخل، وعلى الرغم من أن الضرائب تمثل المورد التقليدي في الدول، إلا أن حجم الفاقد الضريبي يصل إلى حوالي النصف من إجمالي الإيرادات المتوقعة، وقد زادت الأحداث من عشوائية، وصعوبة التحصيل، و وجود قنوات تحصيل غير رسمية، تذهب الكثير من متحصلات الضرائب إليها، أو يتم تحصيل الضرائب تحت مسميات عسكرية، او حربية مختلفة، غير قانونية.
وبسبب توقف الاستيراد للعديد من السلع فأن إيرادات الجمارك قد انخفضت بشكل كبير جدا.
هذا إلى جانب توقف العديد من مؤسسات الدولة، ومرافقها ومشروعاتها الإدارية وكذا الخدمية، فعلى سبيل المثال، توقف الكهرباء، فهو إلى جانب تعطيله للكثير من المؤسسات والمشاريع، والمرافق، قد أدى إلى حرمان الحكومة من مبالغ كثيرة كرسوم، وقيمة الخدمة ، وتطول القائمة في سرد العديد من المشاريع والمؤسسات التي تعاني ذات المشكلة.
وعليه نلاحظ صعوبة موقف الموازنة العامة للدولة، حيث يتوقع حدوث عجز كبير، على الرغم من انخفاض النفقات، والإيرادات على السواء.
ونلاحظ مما سبق أن إمكانية استخدام السياسات المالية من أجل حفز الاقتصاد او معالجة اختلالات الركود الذي يعانيه، اصبحت غير واضحة المعالم، بل ومشلولة، فمن الصعب الحديث عن إنفاق استثماري كسياسة للدولة. حيث أن الإنفاق من أجل التشغيل والتنمية متوقف تماما.
ومن جهة أخرى فأن المعونات الاقتصادية أصبحت قليلة جدا، وتوقفت المؤسسات والدول عن منح القروض للسلطات الحالية بشكل كامل تقريبا.
بالإضافة إلى أن الإصدار النقدي هو الآخر غير متاح بيد السلطات الحالية، على الرغم من أضراره التضخمية، إلا أنه في حال كان ممكنا لتم استخدامه بشكل واسع لتغطية العجز في الموازنة، خاصة مع أن التمويل بالإقتراض هو الآخر يلاقي صعوبات كثيرة على رأسها ضعف المدخرات المحلية، وغياب الثقة في السلطات الحاكمة حاليا.
:*العالم الخارجي :
بعد مناقشة أهم قطاعات الاقتصاد على المستوى المحلي يظهر سؤال مُلّح حول مدى تأثر كل من الصادرات والواردات بالأحداث الجارية، ومدى الترابط بين العالم الخارجي، وقطاعات الاقتصاد المحلي.
يعكس ميزان المدفوعات كافة المعاملات الدولية للدولة والمقيمين فيها، ويتكون من حسابين :
+ الحساب الجاري، ويشمل الميزان التجاري والذي يسجل معاملات السلع المنظورة، وميزان الخدمات، ويشمل المعاملات الخدمية.
+الحساب الرأسمالي، ويشمل تدفقات الأموال والأصول المالية الداخلة والخارجة من البلد.
بالإضافة إلى حساب السهو والخطأ، ويتم معالجة العجز أو الفائض في الميزان عن طريق الاحتياطيات الدولية التي يحتفظ بها البنك المركزي.
وفي بلادنا ونتيجة للأحداث الحالية، نلاحظ أن حجم الواردات قد تناقص بسبب تناقص الطلب جراء تناقص الدخل، وكذا بسبب القيود على المعروض نتيجة الحصار الاقتصادي، ومع ذلك فما تزال بعض السلع الضرورية وغيرها تدخل إلى البلد، وتوزع في الأسواق.
بينما في جانب الصادرات هناك توقف شبه تام للتصدير إلى الخارج، نتيجة الحصارالاقتصادي.
وتمثل الواردات حوالي (30%) من اجمالي الناتج المحلي، بينما تمثل الصادرات وطنية المنشأ حوالي ( 21%) من اجمالي الناتج المحلي، إلا أن الأوضاع الحالية ستغير الكثير في النسبتين أعلاه، وخاصة نتيجة الحصار، وتعقيدات الإجراءات المتعلقة بالاستيراد، ومستويات المخاطرة.
وعليه نتوقع وجود عجز في الميزان التجاري، مع انخفاض في حجم كل من الصادرات والواردات .
وفيما يتعلق بالحساب الرأسمالي، فأننا نتوقع أيضا أن تكون التدفقات إلى الخارج أكبر، وأن يعاني الحساب من عجز أيضا، وخاصة مع زيادة معدلات التضخم، وارتفاع معدلات المخاطرة، على الرغم من الثبات في معدلات العائد على الودائع الريالية.
وعليه فأن موقف ميزان المدفوعات سيكون العجز، مع ملاحظة صعوبة تمويل العجز عن طريق الاستدانة، للأسباب التي سبق ذكرها من قبل، كما أن المعونات النقدية الدولية لا تصل إلى السلطات، لعدم الاعتراف بها.
وفي ظل توقف الصادرات النفطية، والكثير من الصادرات غير النفطية، فأن الحصول على العملات الأجنبية يصبح أكثر صعوبة، خاصة مع اضطرار البنك المركزي إلى توفير قيمة المشتريات من المواد الغذائية، والمشتقات النفطية بالعملات الصعبة.
وبهذا يتم تمويل العجز عن طريق بيع الأصول والاحتياطيات الدولية، والتي بدورها قد تناقصت عن مستوى الأمان ( تغطية واردات 3 أشهر ) وتعاني من استنزاف واضح وبشكل مستمرر.
وبناء على ما سبق فأن تحليل التدفقات السلعية والنقدية بين قطاعات الاقتصاد، وكذا العالم الخارجي يوضح، أن حجم تلك التدفقات اصبح قليلا مقارنة بالأعوام السابقة، بالإضافة إلى مواجهة مشكلة التسرب، وغياب القدرة على الحقن في الأجل القصير على الأقل.
* الدين العام :
لا يمكن القول بأن الدين العام مشكلة عويصة بحد ذاتها وإنما يعتمد ذلك على حجم تلك الديون نسبة إلى الناتج المحلي وإلى الصادرات وتتضح الخطورة إذا تعدت النسبة (50%) ، (70%) على التوالي.
وفي ظل الأوصاع الحالية في بلادنا، التي بلغت مديونيتها حوالي (14) مليار دولار، فأن التخوف حول مشكلة الديون يصبح أكثر واقعية، فإذا تمكنت السلطات الحالية من الحصول على القروض، فإن ذلك يمثل بالنسبة لها وسيلة سهلة لتجاوز الضائقة الاقتصادية الحالية، ولكن المشكلة في حال ذهبت تلك القروض إلى المجال العسكري والإنفاق الجاري.
ومع هذا فأن خيار الحصول على قروض يصتدم مع مشكلة الاعتراف الدولي، حيث أن السلطات الحالية لم تحظ بالاعتراف الدولي، ويُخشى من تنصلها أو الحكومات القادمة من الديون المترتبة عليها.
وعموما فأن الديون تصبح عبئا ثقيلا على الأجيال، كما أن خدمة الدين، وجدولته تؤدي إلى ابتلاع الفوائض المالية، وتعيق التنمية الاقتصادية.
يتبع ......
* المصدر النهار
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق