وكالة أرصفة للأنباء/ حسام السعيدي *
يلعب الاستقرار السياسي دورا مهما في استقرار التوازن الاقتصادي، ويمهد الطريق نحو التنمية بصورة أكثر استقرارا وديمومة، إن وجود اختلال في الاستقرار السياسي مقرون بتغييب دور الدولة أو انهيار مؤسساتها أو تعطيلها على الأقل، يفضي إلى نتائج سلبية على النشاط الاقتصادي بقطاعاته .
وقد شهدت بلادنا، اختلالات سياسية مختلفة في تأريخها المعاصر منذ قيام الثورة، التي خلقت واقعا اقتصاديا جديدا وملموسا، وخلال السنوات الماضية تعرضت لهزات سياسية كبيرة لعل أسوأها الأحداث الراهنة والتي خلقت مشاكل اقتصادية متباينة، ابتداء بتعطل أطر التخطيط الاقتصادي، وغياب دور مؤسسات التخطيط وفعالياتها، وتعطل الخطة الخمسية القائمة، وفشلها في تحقيق أهدافها، وتراجع حجم الناتج المحلي، وانعدام مناخ الاستثمار الآمن، ناهيك عن تدمير البنية التحتية، والخدمات الإدارية للدولة، إضافة إلى تأثر قطاع الأعمال، وتوقف الكثير من الأنشطة الانتاجية والخدمية ، وهروب رؤوس الأموال، والعمالة الأجنبية، وبالمقابل فقد تأثر قطاع الاستهلاك كنتيجة لتدهور دخول عناصر الانتاج، وتراجع مستويات الإدخار الخاص، وتدهور الوضع المعيشي لشريحة واسعة من السكان.
وتأثر جانب الحكومة ( الغائبة أصلا)؛ وكذا موقف ميزان المدفوعات المعبر عن التعاملات مع العالم الخارجي، وكذا تأثر الهيكل الاقتصادي، والمتغيرات الاقتصادية المختلفة، وفيما يلي نورد بعض التفاصيل :
: كان لسقوط الحكومة، ومؤسسات الدولة، ونشوب الحرب الداخلية الشعواء، ومن ثم دخول أطراف إقليمية في الحرب آثار عميقة في الجانب الاقتصادي، خاصة وأن الاقتصاد ريعي، وقليل الناتج، ضعيف الإنتاجية، وعلى الرغم من فرض حصار شبه كامل على حدود البلاد إلا أن نموذج تدفق السلع والنقود ( في اقتصاد مفتوح ) مايزال يوضح طبيعة سير التدفقات في الاقتصاد رغم الظروف الموجودة .
قطاع الاستهلاك والعمل : ( العائلي )
يمد هذا القطاع قطاع الانتاج بعناصر الإنتاج وأهمها العمل،ويمد الحكومة بالضرائب المفروضة عليه.
وقد تأثر هذا القطاع بصورة واسعة حيث انخفض الطلب على العمالة، وتم تسريح الكثير من العمال من مواقعهم الوظيفية، حتى بات عرض العمل أكبر بكثير من الطلب عليه، وهذا يعني تفاقم مشكلة البطالة التي كانت تمثل ظاهرة في الاقتصاد اليمني من قبل حيث تشير الأرقام المتوفرة إلى تجاوز معدل البطالة ل (50%) من إجمالي القوة العاملة في البلد، وهو رقم مرشح للزيادة، خاصة مع ازدياد عمليات التسريح للعمالة، في حين زاد معدل البطالة الكامنة بصورة واسعة في القطاع الحكومي.
ويتوقع زيادة نسبة الإعالة الاقتصادية ل ( 700%) بعد أن تجاوزت (500%) في عام (2010)م.
وكل هذا يقود إلى تدهور مستوى نصيب الفرد من الدخل القومي، وتفشي ظاهرة الفقر المدقع، والذي تجاوزت نسبته (40%) وفقا لتصريحات صحفية تنسب لمنظمة ( الفاو )، ولأن الاستهلاك يرتبط بمستوى الدخل المتاح في الاقتصاد بصورة رئيسية وفقا لبعض الدراسات التطبيقية، فهذا يعني تقليل جانب الاستهلاك، وخاصة لمحدودي وقليلي الدخل، وإن كان يلاحظ زيادة معدلات الاستهلاك بداية اندلاع الأحداث بغرض الاكتناز، إلا أن ذلك كان مصحوبا بحالة الهلع الأولى، ومقرونا بمستويات الادخار السابقة، و الثروة والأصول المختلفة.
وبهذا نلاحظ أن مستويات الطلب على السلع والخدمات، انخفضت بصورة كبيرة، وإن كان المعروض منها قليل بسبب الأضرار التي لحقت بقطاع الإنتاج المحلي، ووجود الكثير من القيود على الاستيراد نتيجة للحصار، إلا أن ذلك أكثر وضوحا بالنسبة للسلع غير الضرورية.
وهناك ملحوظة أخرى حيث لوحظ انتشار ظاهرة تهريب السلع وخاصة الأدوية، الأمر الذي خلق زيادة في المعروض، ومع ذلك فأن الأثر على الأسعار تبدى بصورة كبيرة في صورة ارتفاعات مستمرة، وبمعدلات شبه يومية، وكذا ظهور الأسواق السوداء.
.
: *قطاع الإنتاج :
يجب التنويه أولا إلى أن معظم الأنشطة الانتاجية والخدمية في بلادنا بيد القطاع الخاص، بينما يمثل القطاع العام نسبة ضئيلة خاصة مع تعثر الكثير من مؤسساته، وخصخصة بعضها الآخر، القطاع المختلط هو الآخر يمثل نسبة ضئيلة.
وعلى الرغم من ذلك فأن هذا القطاع ما يزال قطاعا بسيطا، ويعاني من مشاكل كثيرة، لعل أبرزها ضعف التنظيم الحديث، وتركز الأنشطة المنظمة في القطاع الخدمي، وعدم وجود الصناعات المتوسطة والثقيلة، ضف إلى ذلك مشاكل ضعف الاستجابة لمحفزات السوق بصورة قوية، وكذا ضعف القدرة على منافسة السلع المستوردة، وخاصة مع عدم ميل المستثمرين إلى الاندماجات بين المنشآت.
وكذا فأن دور المؤسسات المالية والجهاز المصرفي ما يزال ضعيفا.
وأثرت الأحداث الجارية سلبا على قطاع الأعمال بشقيه السلعي والخدمي، تأثيرا سلبيا، ويظهر ذلك في تعرض بعض منشآت القطاع الخاص إلى التدمير الجزئي او الكلي جراء القصف والاشتباكات في مختلف المحافظات، وكذلك فقد ارتفعت مستويات المخاطرة إلى معدلات عالية، وتعطلت قدرة بعض المنشآت على الإنتاج نتيجة لتوقف بعض اساسيات الإنتاج والنقل كالمشتقات النفطية، وكذا بسبب صعوبة الحصول على المواد الأولية والتي تستقدم عادة من الخارج، أو حتى تلك المتوفرة محليا، والتي حالت ظروف انعدام الأمن، والحرب دون توافرها .
وقد انعكس ذلك في تسريح العمالة، ومحاولة خفض التكاليف الجارية ، إلا أن التكاليف الثابتة ما تزال تثقل كاهل العديد من المنشآت.
ومع ضعف القطاع المالي، وتعرضه هو الآخر لهزات واسعة، ومشاكل عديدة، فقد لجأت بعض المنشآت إلى إعلان إفلاسها ومن ثم تصفية أعمالها.
وإذا أعدنا التفكير في حجم التكوينات الرأسمالية لوجدناها ضعيفة بالأصل، وبالتالي فأن هذه الأحداث قد رفعت من معدلات استنزاف المدخرات، وأضعفت القدرة على تحقيق فوائض مالية مستقبلية، تساهم في تنمية الاقتصاد.
ومن جانب آخر فقد لوحظ ارتفاع تدفقات رؤوس الأموال نحو الخارج، وهروبها من الاقتصاد المحلي.
وهذا يعني زيادة معدلات التسرب في الاقتصاد، مع غياب شبه تام لعمليات الحقن، حيث أن هروب المستثمرين وملاك رأس المال يعني على الأقل تسربا طويل الأجل، بالإضافة إلى ضعف دور القطاع الحكومي أو غيابه .. يتبع ...
* المصدر: النهار
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق