اخر الاخبار

ممرات ضيقة"الأخيرة 5"




قصة_ ناجي ناجي
___________&

إنتشر وجهاء الفئارنة بين تجمعات الشوادنة، وأنهالت العروض والإغرائات على أهلها، استطاع الآحادي المفرد شراء جزء منهم، وفاز فأرون الثاني بجزء ثاني، وانحازت قلة إلى خانات العشرات، وتشردت البقية الباقية  في ممرات الجبانة بلا مأوى ولا طعام ولا شراب، واعتقد الجميع أن الخطر قد زال، ولم يدركوا مايعمل في الخفاء، بدت الجبانة خالية من المتشردين، لكن التشرد لم يكن تشردا بل حيلة للالتحاق سرا بفأرون الأول شودني.

دبت الحياة في بطون الاودية، خلف الجبال، تجهيزا وتدريبا للايام القادمة، ومدينة الفئارنة  لاتسمع ولاترى، مكتفية بما تم، راضية بالنتائج، غير أن النتائج كانت مختلفة عن التقارير المرفوعة، كانت العمليتان الناجحتان قد ألهبت حماس عدد من البجاشنة والشوادنة للالتحاق به سرا ثم علانية، وقد تبين ذلك من خلال العملية الثالثة. 

فبعد التجهيز والتدريب، شقت المجاميع طريقها في وسط المدينه عبر الممرات الضيقة  بقيادة فأرون الشودني باعداد كبيرة، وتوجهوا إلى قصر فأرون الأول، واطلقوا الرصاص على الدار وسورِه، ثم غادروا بدون اصابات، وهتافاتهم تعلوا (يسقط الديوان والمداعة)، كان دخولهم المدينة وخروجهم منها بطريقة استعراضية، عنوانها التحدي، هي رسالة تقول إنهم قادرون في الوصول إليه وسميه، في أي وقت، توالت عمليات السطو على الجبايات المتحصلة لفأرون الأول والثاني حتى وصلت إلى ادنى مستوياتها، ممازاد من اعداد الملتحقين بالجبال.

وفي صباح خانق من صباحات الصيف، كان رجال الشودني قد تواردوا من الممرات والازقة الضيقة إلى الشوارع الواسعة واقتطعوا الجزء الجنوبي من المدينة، اختل الميزان فدارت معارك دامية، سقطت اعداد من القتلى والجرحى، لم يتمكن الشودني من توسيع أرضه، في حين لم يتمكن الفئارنة من طرد الشودني. 

.            ***       

نهض فأرون الحادي عشر لاداء مهمته واتمام دوره بايعاز من فأرون الأول والثاني، فاعلن دعواته للتهدئة تمهيدا للمصالحة، فقام بزيارات مكوكية بين شمال المدينة وجنوبها، يدعمهما دعوات خارجية، وكان الشتاء قد أقبل بارديته الثقيلة.

وفي صباح أحد أيام الشتاء القادم مبكرا عن ميعاده، رفرفت الاعلام وزينت الشوارع بالصور، وتقدمت الجوقات، وطافت الجمال المحملة بالكعك والحلويات، طافت على الشوارع والأزقة، توزع هدايا التهدئة والصلح، على سكان المدينة، سار فأرون الأول شودني،  وحوله نخبة من رجاله في الشارع الرئيسي للقاء فأرون الأول لاتمام التهدئة والصلح، وسط ترحيب الجماهير النائمة في عسل الأوهام، صرخ احدا من بين الجماهير محذرا: إحذر ستدخل ضيفا وتخرج لص.

لم يسمعها فأرون الأول شودني، فمن ناحية كانت الجماهير تردد نشيد السُكر(ما لنا إلا فأرون)، فغطت على ما عداها، ومن ناحية أخرى كان شعور الزهو بالانتصار، فالدار التي كان سيدخلها على جماجم الرجال، سيدخلها،  بالورد والياسمين، لكن الصوت راح يلاحق موكبة، حتى حاذاه، كشف عن نفسه تخفيه ورفع صوته بكل ما يستطيع: احذر.. ستدخل ضيفا وستخرج لصا، 

رددها ثلاثة مرات.

التفت فأرون الأول شودني إلى مصدر الصوت، كان بجاش الأول متخفيا بين الجماهير، ابتسم له،  ابتسامة سخرية، أراد أن يقول له: كنتَ مخلصا، لكنكَ لم تمتلك الارادة الثورية.. أما أنا، فالحمدلله لا ينقصني شيئ من هذا القبيل. 

تسمر في مكانه وابتعد الموكب،  وأعاد رداء تخفيه، وذاب بين المشردين، من زقاق إلى زقاق، فقد تكون عيون فأرون الأول قد رصدته حين كشف عن نفسه. 

.         ***

التقى الأعيان والزعيم القادم من خلف الجبال في الشارع الفاصل، وسار الموكب المهاب وسط الجماهير المحتشدة على الجانبين، والتي لم تستطع ظبط انفعالاتها فراحت تمسح دموع أفراحها، وهي لا تعلم أنها تمسح دموع أحزانها القادمة، لتدفع ثمن انتقالها من السكون إلى الحركة،  ثمنا، قد يكون باهظا، لكن الشعوب بدون استثناء، تدفع ثمن انتقالاتها إلى المستقبل، قانونا يسري على الجميع. 

نزل فأرون الأول شودني في دار فأرون الأول، وقد افرد له جناحا خاص به، تنازل فأرون الأول شودني عن حارته، والتزم تفريق اتباعه. 

وفي لحظة تبسط وانشراح، تذكر فأرون الأول شودني ما قاله بجاش الأول، وارسل قهقة عالية، والتفت الى فأرون الاول موضحا اسباب ضحكته، فقال: تذكرت بجاش الأول، رأيته في يوم الصلح والاتفاق، كان بين الجماهير يحذرني منك 

فتسائل فأرون الأول: اتعتقد أنه في المدينة؟؟ 
- ربما 
نادى فأرون الأول رجاله وأمرهم بالبحث عن اللص بجاش الأول. 

ثم بدأت مضايقات فارون الأول شودني، في اكله ومشربه، في دخوله ومخرجه، وفي يوم قام فأرون الحادي عشر بدس ساعة فأرون الأول ووضعها في جيب فأرون الأول شودني، وأعلن القصر في كل المنابر والمساجد، عن فقدان الساعة الذهبية، وأنه قد تم استدعاء العوبلي للكشف السارق، وعن غير قصد ادخل فأرون الأول شودني يده في جيب بنطاله فوجد الساعة، فظيحة (بجلاجل)، ترك حاجاته ومحتاجاته وفر من القصر، وخرجت قوافل الرجال بحثا عن السارق الفار 

في طريق هروبه صادف بجاش الأول، قال له بصوت مرتفع: نصحتك فلم تتقبل النصية.
رد عليه  بصوت عال: كنتُ... 
ولم يكمل، مشيحا وجهه، ومواصلا فراره، لايريد أن يتذكر نصيحته الايجابية، فمرر أصبعه على خانة مسح، فالإنسان يتذكر نصائح اصدقائه السلبية ويمسح النصائح الايجابية، لكن الجهاز لم يستجب، وظلت الذكرى تؤرق لياليه، وتفجر ينابع الحسرة من مأقية.. 
إنتهت القصة..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

وكالة أرصفة للأنباءجميع الحقوق محفوظة 2016