اخر الاخبار

تذكرتهم الجدران وخذلهم المتشدقون بالحرية لا نملك صورة لوالدي المخفي قسريا ويكفي وجع غيابه..!!





وكالة أرصفة للأنباء/ محمد عبدالله عيضة
_________

 

  تعرفت إليها عبر زملاء.. تتحدث بلطف قائلة: هؤلاء ابنائي مشيرة إلى الزملاء.. تضيف نعم أشعر إنهم ابنائي رغم أني لست أم ولا أحب أن أخوض هذه التجربة لأسباب ____ وتوقفت عن الحديث..!!
أبصرت في عينيها غصة.. حاولت الهروب بها بعيدا إلا أني قدتها إلى عمق الكهف الذي يصعقها..
ناديتها.. انظري حملة الجدران تتذكر وجوههم فكرة رائعة.. اجابت أكره أن أمر من هذا المكان.. وكلما مررت به أشعر أن وجها غائبا يسحبني نحوه..!!

لم افهم.. ماذا قلتي.. وكيف وجه غائب.. هل تعرفين أحد من هذه الوجوه.. قالت لا لا أعرف أحد..  زدتي الأمر تعقيدا..
أفضل أني زدته تعقيدا هكذا قالت.. همس زميل في أذني لا تناقشها بالموضوع.. والدها أحد المخفيين قسريا من بعد حرب صيف عام 1994..
فيما هي ابتعدت عنا.. أضاف الزميل والدها كان قائد عسكري محنك.. وهو مخفي من بعد حرب 94.. وهي لا تعرفه..
قررت بأن اتبعها.. تقدمت عليها ووقفت أمامها قاطعا عليها الطريق.. وبكل وحشية بأس سألتها بحياتك من والدك بين هؤلاء الوجوه.. اجابت غير موجود لم نكن له صوره..لذلك ليس موجودا بين هذه الوجوه..
سألتها معقول لا تملكون صورة له.. قالت نعم لأنهم حين داهموا منزلنا بعد لعنة 94 كما تخبرني أمي احرقوا كل ما فيه.. وحينها كنت ما ازال جنينا في بطن أمي..
مرارة.. وأنت قد صرتي في هذا العمر ألم تجدي له صورة.. نعم لم أجد ولا أحب أن أجد يكفي وجع الغياب.. لا طاقة لوجع إضافي..
ما جدوى الصورة إن كان معرفة مصير والدي محرم عليا والاصرار على معرفة المصير لن يجلب لنا غير الويل..
لكن.. قاطعتني لكن .. لا مجال لتعميق الجرح.. تخيل أنك مكاني وولدت وعندما بدأت تعي الحياة كنت تسأل اين ابي فيقال لك بالعمل.. وطال العمل وتعود لتقول طيب الذين بالعمل يعودون في الاعياد.. ويكون الرد العمل بعيد..
تنتظر ولا يعود.. تكرر السؤال كيف عادوا كل الأباء إلا هل مات.. ويكون الجواب والله لا.. وفي هكذا متاهة تكون غارق لتكتشف وأنت في أول عام تدخل فيه المدرسة أن والدك مخفي.. لكن اين لا احد يعرف..
تحاول البحث فيحذرك الحريصون عليك بأن لا تفتح الموضوع لأنه قد يقتلوك, فتظل تعيش رعب غياب والدك ورعب أن تموت ورعب الصمت..
اخبرتها أني سأتناول قصة والدها.. رفضت وتوسلت بأن لا أفعل.. حاولت دون جدوى.. لماذا لأنها لا تريد أن ترى والدها وقد حدث له ما حدث للمخفي قسريا محمد المسربة وقد صار في حالة تبكي الصخور..
تقول أول ما شاهدت صور محمد المسربة قبل الاعتقال وصوره في المعتقل السري.. قررت أن أنسى موضوع والدي وفوضت أمره إلى الله..
ابنة المخفي قسريا محور النقاش.. حملتني أمانة أن لا أفجعهم بسرد تفاصيل قصة اعتقال واخفاء والدها قسريا وذكر اسمه و....الخ.. ولا مانع من تناوله بشكل يحفظ الخصوصية.. فكان ما سلف من نقاش لا أكثر هو المتاح لي لعرضه هنا..
وعليه لم استطع غير  قول هناك كثير فقدوا آباءهم أو إخوانهم أو أحد أقرباءهم في اليمن، منذ مطلع السبعينات، نتيجة المتغيرات السياسية التي اتسمت بها تلك الفترة، لتبلغ ذروتها عقب الأحداث التي تلت اغتيال الرئيس محمد ابراهيم الحمدي.
وكان قد يخبو الاخفاء القسري لنصف عقد من الزمن لتأتي احداث 13يناير1986 ويعود المشهد للواجهة..
ثم بدء المد يتراجع قليلا ليهيج ويصعد ذروته عقب حرب صيف 1994.. ومن عايشوا الأشهر الأخيرة من العام 1978، يؤكدون اختفاء كثير من القيادات القومية، أي الناصرية والبعثية في اليمن..وكذلك من عايشوا الاحداث التي ذلك..
وظل إلى ما قبل العام 2011، الحديث عن المخفيين قسرياً، يٌصنف ضمن المحظور، إلا قليل من التداولات ولم يسلم من حاول الخوض في فتح ملف الاختفاء القسري وضحاياه من التنكيل والملاحقة.
ثم بدا الأمر يخرج عن السيطرة شيء فشيء، ومع ميلاد ثورة الشباب السلمية في 11فبراير 2011، فٌتح على مصراعيه ولم يعد أحد يخشى بطش النظام، جراء التعاطي مع قضية المخفيين قسرياً.
وكانت منظمة الكرامة ذات الأصول السويسرية، التي تنشط في هذا المجال، قد دشنت فتح الملف جراء التواصل معها من قبل ناشطين وأقارب ضحايا، وبسبب التستر الكبير الذي كان ينتهجه النظام السابق، حيال القضية لإخفاء ملامح الجريمة، كان من الصعب الحصول على معلومات ولو شبه مؤكدة.
وفي المقابل عدم استلام أقارب ضحايا الاختفاء القسري جثث ذويهم، أو تسلم بلاغات تفيد بموتهم، جعل بعض منهم وخاصة الذين اكتسبوا ثقافة قانونية تخول لهم حق الحصول على جثث ذويهم وغير ذلك، خاضوا تجربة كان يصفها كثير بأنها جنون، ولكن تسريبات شديدة السرية، ويقين كبير كان يساورهم بأن ذويهم ما زالوا أحياء، جعلهم يصعدون من تقصيهم وبحثهم كشفاً للحقيقة.
حملة الجدران
وأواخر العام 2011، تم تناقل معلومات تفيد بوجود سجناء سياسيين في سجون الأمن السياسي، وأكد مٌفرج عنهم من تلك السجون التي قضوا فيها سنوات، أنهم تعرفوا إلى أشخاص في السجن، مر على سجنهم خارج القانون ما بين عقد إلى عقدين إلى ثلاثة عقود من الزمن حتى صار ذويهم يعدونهم كمفقودين.
ومع حملة "الجدران تتذكر وجوههم"، التي دشنها الفنان التشكيلي، الشاب مراد سبيع، مٌفرج عنهم من سجون الأمن السياسي، أكدون أنهم تعرفوا على وجوه في السجن، تحمل نفس ملامح الصور التي على الجدران..
مبتدأ
فإلى سيظل هذا الملف طي التكتم والتجاهل.. ولماذا... وهل معتقل غوانتناموا الذي يقال إنه سيئ الصيت الأسوء أم معتقلات اليمن السرية..
فعلى أقل تقدير في غوانتنامو يسمح للجان الحقوق الإنسان زيارة المعتقلين وحمل رسائل منهم لأسرهم, فيما باليمن لا شيئ غير المجهول..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

وكالة أرصفة للأنباءجميع الحقوق محفوظة 2016