وكالة أرصفة للأنباء- تقرير: وليد عبد الواسع
تظل السياسة المالية واحدة من أوجه العجز التي
تعانيها حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي، بحسب اتهامات مراقبين وخبراء اقتصاد
يشيرون إلى أن أبرز هذه الأوجه تتمثل بانحسار وظيفة البنك المركزي اليمني في إدارة
العوائد والإيرادات المالية المنعدمة أصلاً، وفشلها في تفعيل وظائف المصرف الأساسية
في الحفاظ على الاستقرار النقدي وتمويل استيراد احتياجات السوق المحلية من السلع الأساسية.
فضلاً عن سياسية التمويل بالعجز التي انتهجتها الحكومة
لمواجهة العجز في النقدية، وإقدامها على خطوة تحرير سعر الصرف بقرار سياسي، والاستمرار
في ضخ المزيد من العملة المطبوعة وبكميات كبيرة دون غطاء نقدي أو سقف قانوني، وغيرها
سلبيات رافقت عمل المصرف المركزي منذ نقله إلى العاصمة المؤقتة عدن قبل عام.
وأمام غياب كل هذه الأفق وانعدام مصادر الإيرادات
التي سترفد خزينة الدولة بمبالغ ضخمة، ومن شأنها أن تعين الحكومة في إدارة شئونها،
عملت الحكومة على طبع الأموال لمواجهة عجزها في صرف مرتبات الموظفين في بعض
المناطق المحررة، وإنفاقها في جوانب لا تخدم التنمية والدولة بتاتاً.
وكانت الحكومة اليمنية قد طبعت مبالغ ضخمة من العملة
اليمنية من دون غطاء مالي من العملات الصعبة وهو الأمر الذي أدى إلى تضخم العملة المحلية
في السوق مقابل انعدام للعملة الأجنبية.
ويعيب مراقبون على تصرف حكومة بن دغر مع الأموال الواصلة
إليها، والتي أنفقتها على جوانب لا علاقة لها بخدمة المواطنين، وبذلك ظلت كل مؤسسات
الحكومة ومرافقها سواء المركزية أو في المحافظات، عاجزة وفاشلة في تأدية مهامها، وغير
قادرة على النهوض، وفقاً للاتهامات.
انهيار وعجز
ويواصل الريال اليمني انهياره، في ظل عجز حكومي عن
وضع الحلول المناسبة لوقف تدهور العملة الوطنية ولجوءها لإجراءات غير مجدية، حد
اتهامات مراقبين وخبراء اقتصاد.
واعتبر رئيس مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي/ مصطفى
نصر أن الاقتصاد اليمني ضحية فشل الحكومة الشرعية وحكومة الحوثي وصالح في صنعاء.
وأكد أن تدهور سعر الريال مثال واضح لعجز البنك المركزي بعدن ومزيد من السحب على المكشوف
والتجريف للاقتصاد اليمني في صنعاء.
ويعتقد نصر أنه بإمكان الحكومة والتحالف العربي
الداعم لحكومة الرئيس هادي عمل شيء للتخفيف من هذا الخطر، وأول الخطوات دعم البنك المركزي
ليستعد السيطرة على السوق المصرفية. وأوضح إن إدارة البنك المركزي الحالية غير مؤهلة
لذلك والتحديات المحلية والإقليمية اكبر من أن يواجهها طرف أو مؤسسة بمفرده.
ويأتي تدهور قيمة الريال في ظل استمرار حكومة بن
دغر في طباعة العملة المحلية ما يزيد من عملية الانهيار، كما تقوم حكومة صنعاء بسياسة
مالية عبثية عبر الدين، حيث طالبت من البرلمان المصادقة على تمويل عجز الموازنة من
السحب المكشوف من البنك المركزي اليمني بصنعاء.
وحذر خبراء اقتصاديون من أن استمرار السياسة المالية
العبثية لكل من حكومتي صنعاء وعدن سيقود إلى كارثة قد تمتد إلى أجيال قادمة.. معتبرين
تلّويح حكومة بن دغر باتخاذ إجراءات منها إغلاق محلات الصرافة غير المرخصة، غير مجدية
لوقف أو حتى وضع حد لانهيار العملة المحلية كونها لا تمتلك أي احتياطي من النقد الأجنبي.
كما طالبوا بإقالة مجلس إدارة البنك المركزي الحالية
التي فشلت في إدارة السياسة المالية والنقدية للبنك. داعيين الحكومة اليمنية إلى التدخل
وعمل حلول من شانها أن تعيد للريال اليمني عافيته واستقراره أمام العملات الأجنبية،
بدلاً من الاستمرار في طباعة المزيد من العملات دون سقف أو غطاء قانوني.
اعتراف بالفشل
وخلال الأيام الماضية ظهر محافظ البنك المركزي
اليمني/ منصر القعيطي في لقاء له على قناة العربية السعودية ليؤكد عجز البنك عن توفير
السيولة وحاجته لـ "10" مليار دولار العام القادم.
ولفت إلى "أن الاقتصاد
اليمني بحاجة إلى مزيد من السيولة، وتوفر البنكنوت من كل الفئات خلال العام القادم
2018، بما يوازي تريليون ريال يمني (وهي تعادل نحو 5 مليارات دولار أميركي) لتوفير
السيولة اللازمة، وتريليون ريال آخر لاستبدال العملة التالفة من الأسواق، ولتجاوز حالة
الاختناقات الكبيرة التي يمر الجهاز المصرفي الذي لا يستطيع أن يوفر السيولة اللازمة
للجمهور.
وكشف خبراء اقتصاديون أن الحسابات الحكومية في الخارج
مجمدة من قبل المؤسسات المالية الدولية، مشيرين في الوقت ذاته، إلى أن حسابات الحكومة
في الخارج تصل إلى أكثر من "615" مليون دولار أميركي، مؤكدين أنه حتى في
حال تم الإفراج على حسابات الحكومة الشرعية في الخارج من العملة الصعبة فإنه لن يتوقف
تدهور العملة المحلية، كون هذا المبلغ قليل جداً.
ويطالب خبراء اقتصاديون دول التحالف بالضغط على عدد
من الدول والمؤسسات الدولية النقدية بالإفراج عن حسابات الحكومة اليمينية في الخارج
والسماح للحكومة بأخذ جزء من الأموال التي لديها في البنوك الخارجية لوقف هذا الانهيار
للعملة المحلية.
ترتيبات المواجهة
إلى ذلك كشف البنك المركزي بالعاصمة المؤقتة عدن عن
ترتيب لطباعة كميات من مختلف الفئات النقدية، وذلك لاستبدال التالف، ورفد الاقتصاد
بالسيولة، ولسداد المرتبات للموظفين والمتقاعدين بشكل منتظم.
وبحسب تقرير سنوي للبنك نشرته وكالة الأنباء
الحكومية "سبأ"، تُقدر العملة التالفة في السوق بنحو 90 بالمائة من حجم النقد
المتداول.
وقال التقرير إن البنك كان مكبلاً ويرزح تحت الهيمنة
والتهديد من قِبل الحوثيين في صنعاء. وتطرق إلى جملة من التحديات التي واجهها البنك
المركزي منذ نقل مقر إدارة وعمليات البنك إلى العاصمة المؤقتة عدن، لأن فكرة النقل
كانت بمثابة تأسيس بنك مركزي جديد.
ونوه خبراء اقتصاد إلى أن الحكومة تحتاج لدعمها من
قبل دول التحالف والمجتمع الدولي بوديعة في البنك المركزي بعدن لا تقل عن ملياري دولار
إضافة إلى إطلاق حساباتها في الخارج، لكي يستعيد البنك دوره في ضبط سعر صرف الدولار
وبقية العملات الأجنبية مقابل الدولار.
ويهاجم اقتصاديون بشدة، فشل الحكومة الشرعية في تفعيل
وظائف البنك المركزي منذ نقله قبل عام، وإقدامها على خطوة تحرير سعر الصرف بقرار سياسي،
في خطوة للفت الانتباه وتدمير ما تبقى من حياة في جسد الاقتصاد المتهالك.
دور مفقود
وينتقد اقتصاديون غياب دور البنك للقيام بوظائفه الأساسية
في الحفاظ على الاستقرار النقدي وتمويل استيراد احتياجات السوق المحلية من السلع الأساسية.
وكان لغياب دور البنك المركزي اليمني، بعد نقله إلى العاصمة المؤقتة عدن، وكثير من
البنوك عن مزاولة أنشطتها بشكلها الطبيعي، أن تسبب في انتشار كبير وغير مسبوق لشركات
ومحلات الصرافة بشكل يدعو للاستغراب في ظل عدم استقرار الوضع في البلاد وارتفاع صرف
العملات أمام الريال اليمني الذي أوعز ناشطون أن أحدى أسباب انهياره انتشار شركات الصرافة
وعدم تدوير العملة في البنك المركزي.
ويعزو مراقبون انتشار شركات ومحلات الصرافة خصوصاً
في محافظة عدن لأسباب مختلفة، منها عدم الرقابة من البنك المركزي ومتابعة تصاريح فتح
الشركات ومزاولة الأعمال فيها. وقال خبراء اقتصاد إن انتشار محلات الصرافة في ظل تدهور
الوضع الاقتصادي للبلاد ودون ترخيص لهذه المحلات والتلاعب بسعر الصرف للعملة المحلية
ينذر بكارثة اقتصادية.
ويصف اقتصاديون سياسة تقويض عمل البنك المركزي
بعدن بالمدمرة والتي أدت إلى تفاقم كارثة انهيار وتدهور الريال اليمني مقابل العملات
الأجنبية حتى وصل سعر صرف الريال اليمني مقابل الدولار الأمريكي 401، فيما وصل الريال
السعودي إلى 110 ريالات في أسوأ وضع وصل إليه الريال اليمني منذ بدء الحرب.
مؤشر خطير
مواصلة الريال اليمني تدهوره غير المسبوق والمستمر
أمام العملات الأجنبية، وتحديداً الدولار الأمريكي والريال السعودي، يعده خبراء
اقتصاد مؤشر حتمي لمرحلة جديدة من التضخّم، ستؤدي بدورها إلى مضاعفة معاناة المواطنين،
حيث تبدو نسبة الفقر في ارتفاع متواصل في أوساط المجتمع لدرجة لم تشهدها البلاد قط.
ويؤكد متابعون أن الحكومة اليمنية تتحمل مسؤولية عدم
وضع حد لتدهور العملة المحلية مقابل العملة الأجنبية، وخاصة في المحافظات المحررة،
رغم ضخ طبعات جديدة للريال اليمني من الخارج، وتوفر كميات كبيرة من السيولة.
وفي اعتقاد مراقبين فإن عدم تحمل الحكومة مسؤوليتها،
وعلى رأسها محاربة المتلاعبين بصرف العملات والجشعين من التجار ممن يستغلون الظروف
القائمة في البلاد، ساهم في انهيار العملة ومضاعفة معاناة المواطن والتاجر وغيرهم من
شرائح الشعب.
ويرى خبراء اقتصاد أن قرار البنك المركزي تعويم الريال
هو تحصيل حاصل لفقدان البنك وسائل السيطرة، بمعنى افتقاره للنقد الأجنبي وكذلك السيولة
من العملة المحلية، ويشيرون إلى أن البنك يواجه العديد من المشكلات التي أجبرته على
اتخاذ قرار التعويم، في ظل حالة انتشار محلات الصرافة، وربما حالة المضاربة التي قد
تتم على الدولار، وارتفاع سعره.
مطالبات
ويطالب خبراء الاقتصاد الدولة باتخاذ إجراءات لإعادة
استقرار سعر الريال، ووضع حد لانهيار الاقتصاد، من خلال إعادة تأهيل حقول النفط والغاز
وإعادة التصدير، لاعتبار هذه الموارد تشكل 70% من موارد العملة الصعبة، وتفعيل عملية
تحصيل الموارد المركزية والمحلية من الموانئ والمطارات والضرائب والجمارك، وتشغيل مصافي
عدن وغيرها من الموارد بما يساهم في ضخ السيولة في شرايين الحياة الاقتصادية للبلد
وعبر توريدها للبنك المركزي.
وكما تسود السوق المالية والاقتصادية مخاوف كبيرة من
استمرار انهيار الريال اليمني، تأتي تحذيرات خبراء الاقتصاد من مخاطر الانهيار المتسارع
للعملة الوطنية، وآثاره في تفاقم معاناة المواطنين المعيشية في بلد يشهد حالة حرب مستمرة
توقفت خلالها أهم الأنشطة الاقتصادية والاستثمارية.
ويشدد مراقبون على ضرورة قيام الحكومة، وتحديدًا البنك
المركزي اليمني، بممارسة دوره في ضبط السياسة النقدية في البلد، لا سيما وأن البنوك
المحلية تعاني من تكدس العملات الأجنبية بالدولار والريال السعودي، ولم تتمكن من نقلها
منذ بداية الحرب.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق