عمار الأشول
_____
لا يوجد ذو ضمير يؤيد الدهس الذي حدث، يوماً، في مدينة نيس الفرنسية، ولا الطعن الذي حصل، قريباً، في لندن. الشرق والغرب يدين مثل هكذا جرائم، ولا يطيقها على الإطلاق. المفارقة هنا، أن الشرقي رخيص، ودمه شبه مباح إن لم يكن مباحاً، مقارنة بالدم الغربي.
في بورما يُذبح الآلاف، وتُشوى جلودهم، وأكثر شيء قدمه لهم العالم هو صور تضامنية على مواقع التواصل الإجتماعي. نحن أمام مجازر وأكل أكباد بالمجان، ومع ذلك تسير عجلة المذابح مهرولة دون أن تجد من يكبح جماحها بموقف واضح وصريح. حتى دعاة حقوق الإنسان صمتوا وابتلعوا ألسنتهم بلا خجل.
هذا في بورما. أما في اليمن، فقد أصبحت القنابل العنقودية التي يرمي بها «التحالف» على المدنيين كثمر الرمّان، ولو أن القنابل تنبت وتثمر لتفوقت على الرمان من حيث العدد. قتلى بالآلاف، جرحى آلاف مؤلفة، أمراض وأوبئة منتشرة لا تفرق بين صغير أو كبير، وجوعى بالملايين. أكثر من ثلثي السكان، أي ما يقارب 19 مليون نسمة، يعيشون تحت خط الفقر، وبحاجة ماسة إلى مساعدة عاجلة، بحسب الأمم المتحدة، ولا من يسأل أو يتكلم، سوى «الشعور بالقلق»، هذه العبارة فقط التي يجيدها العالم المنافق، حتى أن اليمني بات يشعر بالقرف عند سماعها.
سوريا هي الأخرى، نصف شعبها مهجّر، والباقي ما بين نازح في وطنه، ومدفون في ترابها. الناجون يعيشون حالة فقر وبؤس ورعب. لم يبقَ في هذا البلد إلا الذين ماتوا، أما الأحياء فقد دفنوا أنفسهم في الغربة.
كذلك هو حال ليبيا، نصف سكانها مشتت بين مصر وتونس والجزائر، والنصف الآخر يعيش في أرض بلا سكان وبلا رحمة، فما عمله «الناتو» في ليبيا يرقى إلى «هولوكوست» جديدة، ولكن: ما أرخص الإنسان في الشرق!
العراق هو الآخر، أصبح مقتل 100وجرح ضعفهم فيه خبراً عابراً يمر مرور الكرام، مثله مثل نشرة الطقس المسائية، وكأن أهل هذا البلد خُلقوا ليموتوا قبل موعدهم. أما فلسطين فهي بداية الحكاية، لو أن العربي والشرقي عموماً قال فيها كلمته، وأنصف ترابها وأهلها، لما رخص الشرق كل الشرق. فهذا كله الذي نحن فيه ما كان له أن يحدث لو أننا لم نصمت إزاء مذابحها، خاصة نحن العرب.
تمر علينا اليوم الذكرى الـ16 لهجمات 11 سبتمبر، تلك الجريمة الإرهابية التي أدانها العالم كله، ولا زال الشرق وحده يدفع ثمنها حتى اللحظة. فبعد أن سقطت، بسببها، دول، ووئدت أحلام شعوب، ها هي تبتز اليوم دولاً شرقية، مهددةً لها من خلال قانون «جاستا»، الذي أُقر مؤخّراً، بالمحاسبة ودفع التعويضات. هذه الجريمة أصبحت كابوساً يؤرّق الشرق أكثر مما أوجع الغرب في لحظة عابرة.
الغرب لا يَنسى، والشرق يُنسى. حادثة «لوكربي» ليست بعيدة عن أذهاننا، لكننا نسينا كم أحدثت من ابتزاز. فبرغم أن الغرب لم يجد دليلاً واحداً ضد النظام الليبي السابق، إلا أنه ظل متحفّظاً على عبد الباسط المقرحي، المتهم الوحيد بتفجير طائرة ركاب أمريكية أثناء تحليقها فوق قرية لوكربي الإسكتلندية، فيما عُرف بقضية لوكربي من تاريخ 21 ديسمبر 1988 حتى عام 2009، بالإضافة إلى دفع ليبيا مليارات الدولارات كتعويض لأهالي الضحايا.
قد نتساءل، ومن حقنا أن نتساءل: لماذا في الشرق بالذات الماء أغلى من الدم؟ فيجيب علينا المتنبي قائلاً: «مَنْ يَهُنْ يَسْهُلِ الهَوَانُ عَلَيهِ... ما لجُرْحٍ بمَيّتٍ إيلامُ».
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق