اخر الاخبار

الفنان - النجمة



  
حامد السقاف
__________


حين يموت فنان، تشعر أن نجمة كانت تراقبه من فوق عليائها، وأنها حزينة لهذا الفراق، لأنه الوحيد الذي كان يرفع رأسه نحو السماء. أعلنت النجمة وجاراتها الحداد، حتى يأتي فنان آخر، يقيم علاقة عشق مع كواكب السماء.

       وجد خلاصه الأخير، نافضا عن جسده، المرارات، الخيبات، والآلام المبرحة، وتلك الخيانات الدسيسة والرخيصة، التي آلفتها أجهزة السلطة، في تكدير حياة الإنسان، خصوصا أولئك الذين يحملون القلم والريشة! 
           ما الذي يجعل الريشة أمضى من البندقية؟ ولماذا كل هذا الخوف من فنان، تحرمه حد الكفاف، وتوفير حقه الشرعي في العلاج والراتب، والموت دون تسول؟ 
     القتلة، لا يشعرون أنهم يخّلدون الفنان بغبائهم!
     ولكن هل هذا يعني أن نتقبل الموت بصمت؟               
            كنت أسميه زنجي الوسيم، حين كان يحمل لوحاته الفنية، محاطا بطالبات قسم الفنون الجميلة والموديلات، في دمشق، في شارع العباسيين، كما أعتقد، في ذلك القبو وكنت أمر من هناك باتجاه منزلي في منطقة القصاع- تجارة .  
           كان منزله الطلابي المشترك في دمشق، ملجأً لكل شارد، جائع، لا يجد قوت يومه، ولا تكفيه المنحة. كان الجبزي المهندس الذي لا يشبع ضحكا وطعاما، يتصدر كل مجاميع الموائد التي لا تنقطع! محمد المحمودي، علي الرياشي، أحمد الحداد، فضل الحامض، وحتى صديقي الفوهرر سعيد عبده غانم، كان يطوف بمزار البيت.، ويمنحه نمنمة الموازييك، وتداخل الأطياف الطلابية. 
       كان بيت الطلبة... والمجاهد الفنان الأكبر، يتربع المشهد بكرشه الذي بدأ يتشكل، لزوم الفن، والشعر المقعش- المنفوش، بتسريحة أنجيلا ديفيز، تلك الزنجية الثائرة، ومرسمه- غرفته، المتناثرة اللوحات. 
      كم كنت أتمنى لو جعلته يرسمني، في ذلك الزمن البعيد من فردوسنا الذي لا ننساه في بلاد الشام، دمشقنا الذي كان المجاهد فيها جوكر المدينة، بطيبته، وسماحته، وقلبه الطاهر. 
      الباب الكبير- باب موسى-  المظفر- مملكة آل رسول، وذلك الطاقم المتوارث من الفقهاء والعلماء والقضاة... ومنزل آل أبو طالب (المهدي لاحقا)، بيت الباشا، المحلوي، عبدالملك منصور، وفترات النضال الطلابي.. كل هذا كان إرثا خالدا في ذاكرة الفنان، لم تستوعبه مراحله الأولى ربما، ولكنها ساهمت بشكل فعّال في رسم خارطة طريقه، نحو المجد والحرية والديمقراطية، والعدالة التي لا تنتهي. 
          ما الذي تبقى لنا من الصديق العزيز، زنجي الوسيم، عبد الله المجاهد، غير لوحاته التي تستحق أن تنتشر في جداريات الوطن، كي تكون شعار الفن الذي هزم البندقية. 
        رحلت.. ولكن عبقك الفواح - ليست تلك الرائحة الخاصة لإبطيك في شقة التجارة - بل شذى عطرك الفني، وروحك الطاهرة، لن تغادرنا طويلا. 
        
القاهرة - أيلول ٢٠١٧ م

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

وكالة أرصفة للأنباءجميع الحقوق محفوظة 2016