اخر الاخبار

عيد تعز.. غصة وبهجة واحتفاء رغم الأوجاع



وكالة أرصفة للأنباء- تقرير خاص/ وليد عبد الواسع
للعام الثالث، استقبلت مدينة تعز، وسط اليمن، عيد الفطر وهي تعاني تداعيات الحرب والحصار، وأطل على سكانها مثل كابوس وهم مطاردون بأزمات لا تهدأ، في ظل أوضاع إنسانية صعبة للغاية..


ابتلع غالبية سكان المدينة غصة في حلوقهم، وأنستهم الحسرة على أوضاعهم الأيام والمناسبات لتمر دون اهتمام أو احتفاء بها..



عيد فطر ثالث، بنكهة الرصاص وأصوات المدافع التي أزاحت مرح الأطفال ومشاكساتهم البريئة المزينة أجواء المناسبة بحضورها، مر على أبناء تعز، وسط غياب المعايدات والتهاني..



ورغم الأوضاع والأوجاع الكثيرة، التي أنهكت سكان المدينة، إلا أنها عاشت بهجتها من بين روائح البارود، ومشاهد الدماء القانية.



ليؤكد التعزيون أن لا أحد قادر على كسر إرادتهم الجماعية لتجاوز تداعيات الخراب الكبير ويوميات النزيف الدامي، بعيد فطر استعادت من خلاله المدينة، قدرتها المتفردة على صياغة الحياة وبهجتها من بين بارود ودم وأنقاض حرب..



في تعز، الكثير من الأسر، لم تتمكن، بسبب الظروف المعيشية الصعبة والمتدهورة، من التحضير للعيد، لأنها بالكاد تقاتل من أجل الحصول على القوت الضروري.

لكن أسر عديدة، حاولت جاهدة توفير قليل من المال، لتشتري الملابس الجديدة لأطفالها.. ويكفي أن ترى الأم التعزية أطفالها مبتهجين يوم العيد..

 الحصار والحرب يسرقان الفرحة
ولا تزال الحرب- التي تشنها مليشيا الحوثي وقوات الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح على مدينة تعز جنوبي اليمن- تسرق فرحة العيد من السكان للعام الثالث على التوالي.

وجاء العيد هذا العام في ظل استمرار التصعيد العسكري والحصار الذي يشهده عدد من أحياء المدينة، وارتفاع معدلات الفقر الشديد بين المواطنين بسبب توقف صرف رواتب الموظفين.


وفي حين غيبت الحرب وحصار الحوثيين للمدينة، بهجة الناس بالعيد وإحياء طقوسه المعتادة. سرقت المخاوف الأمنية فرحته من مدينة تعز جنوبي اليمن، إذ يستقبل أهلها عيد الفطر للعام الثالث على التوالي بمزيد من التدهور في الأوضاع الأمنية والاقتصادية والإنسانية.

شراء الملابس الجديدة والحلوى وغيرها من الطقوس التي كان الجميع يحرص عليها في هذا الوقت من العام، لم يعد يقدر عليها إلا عدد قليل من السكان رغم مظاهر الحركة في الشارع.

أما غالبية سكان المدينة فيبتلعون غصة في حلوقهم سببها حصار جعل طموحهم يقتصر على توفير الاحتياجات الأساسية لأسرهم.

محاولة للاحتفاء رغم الوجع
ولا تقتصر صعوبة الاحتفال بالعيد في تعز على المخاطر المرتبطة بالقتال والقصف العشوائي للحوثيين، فاستمرار الحصار على المدينة جعلها تفتقر لأبسط الخدمات الأساسية مثل المياه والنظافة والكهرباء، ناهيك عن غياب الحدائق وأماكن الترفيه.


حسرة التعزيين على أوضاعهم مع استمرار الحرب للعام الثالث دون أن تلوح في الأفق بوادر انفراجة للوضع الذي أنساهم كثيرا من ضرورات معيشتهم وحياتهم من قاموسهم وبرنامج حياتهم، جعل الأيام والمناسبات تمر دون اهتمام يذكر بها أو احتفاء مثلما كانوا يبدون قبل نشوب الحرب.

فقد أتي عيد الفطر على سكان أهالي مدينة تعز هذا العام في ظل أوضاع إنسانية صعبة يعانون منها جراء الحرب المستمرة منذ عامين ونصف والحصار المفروض من قبل مليشيا الحوثي والمخلوع صالح الانقلابية.

وشهدت أسواق مدينة تعز قبيل العيد تحرك لا باس به، لكن التسوق اقتصر على شراء ألبسة الأطفال وحاجياتهم والتخلي عن حاجيات الكبار، وفقاً لتجار.

وشهدت البسطات في شارع 26 سبتمبر إقبالاً كبيراً لما تقدمه من أسعار أقل من المحلات التجارية، فظروف الحرب القاسية ومعاناة الأوضاع المادية الصعبة أفقدت الأهالي فرحتهم وبهجتهم بالعيد.


ورغم ذلك أكد مواطنون أن الحرب لن تثنيهم عن إصرارهم للاحتفاء من وسط ظروف الحرب، وأنهم سيرسمون الفرحة والبهجة على وجوه أطفالهم ، وتوفير لهم مما يتمنون في عيد الفطر.

ويحاول مواطنون وسكان مدينة تعز نسيان آلامهم وأحزانهم وجراحهم، بفعل الحرب المستمرة، والتغلب على الأوضاع الإنسانية الصعبة بإدخال الفرحة على بعضهم البعض خاصة لدى أطفالهم، وأطفال الشهداء والجرحى.

موظفون بلا فرحة
أتي عيد الفطر المبارك هذا العام فاقداً للبهجة بعد انقطاع مرتبات الموظفين منذ أكثر من تسعة أشهر، في ظل ظروف اقتصادية ومعيشية بالغة الصعوبة والتعقيد، جراء الحرب الدائرة في البلاد منذ أكثر من عامين.

وأثرت أزمة الرواتب في تعز على جميع نواحي الحياة خاصة مع قدوم مناسبة عيد الفطر المبارك، كون الموظف يحتاج إلى مستلزمات كبيرة، منها كسوة العيد وشراء الأغراض المنزلية والحلويات والعيديات للأقارب و الالتزامات المنزلية الأخرى، إضافة إلى الديون التي باتت حملًا ثقيلًا على كاهل الموظف.

ووقف موظفون حكوميون من تعز عاجزين أمام طلبات أبنائهم الصغار الذين أصروا على ارتداء ملابس جديدة في العيد. ويحمل موظفون الحكومة الشرعية المسئولية بأنها لم تفي بوعدها، كونها المسؤول الأول عن دفع المرتبات، وبالرغم من أن تعز تعتبر محافظة محررة، إلا أن رواتب الموظفين لم تصرف فيها أسوة بالمحافظات المحررة.

عيد فقير بلا ملابس جديدة
أطل عيد الفطر على التعزيين كباقي الأيام العادية- بل، أشد بؤساً منها- حزينا وخاليا من مظاهر الفرحة ودون مشاعر البهجة، وقد باتوا غارقين في الفقر ومطوقين باليأس والإحباط الشديد بسبب إطالة أمد الحرب والحصار على المدينة.


واستقبلت مدينة تعز عيد الفطر للعام الثالث وهي تعاني تداعيات الحرب، وأطل على سكانها مثل كابوس وهم مطاردون بأزمات لا تهدأ، يصارعون الفقر والجوع ويعانون من تدهور الأوضاع الاقتصادية وتوقف مصادر الدخل، وفاقم ذلك كله توقف رواتب موظفي الدولة للشهر التاسع.

هموم أمنية واقتصادية متزايدة غيبت فرحة العيد عن تعز بسبب الحرب والحصار الذي تشنه مليشيا الحوثي والمخلوع صالح الانقلابية على المدينة.

ووجدت آلاف الأسر نفسها عاجزة عن شراء ملابس جديدة في العيد لأطفالها واعتمدت على مساعدات جمعيات ومؤسسات خيرية تقوم بتوزيع كسوة العيد، وفي حين مر العيد على أخرى حزيناً وباهتاً بلا ملابس وبدون حلويات، لجأت عائلات إلى شراء ملابس قديمة من أسواق "الحراج".

وأعادت الحرب ترتيب أولويات التعزيين، كما هو حال اليمنيين عموما، في عمليات الشراء والتسوق بمناسبة العيد، ولم يعد التسوق وشراء الملابس أولوية، كما غابت الحلويات والمكسرات عن قائمة متطلبات العيد.

عيد بلا طعم
وغاب العيد بشكل كلي واختفت مظاهره تماما في مدينة تعز التي تشهد معارك مستمرة ويفرض الحوثيين حصارا عليها بسيطرتهم على المنفذين الشرقي والغربي، فيما تهدد عصابات مسلحة حركة التسوق وأدت إلى إحجام العائلات عن الخروج إلى الأسواق، خاصة بعد اختطاف امرأة خمسينية تعمل مديرة مدرسة أهلية، قبيل العيد، وسرقة مصوغاتها وقتلها ثم رميها في ممر لمجاري السيول.


ووصف مواطنون العيد هذا العام بأنه لا طعم له في تعز، فلا زال الحوثيون يقصفون الأحياء السكنية عشوائيا، والذي بدوره منع الناس من الخروج أو الاحتفال أو القيام بزيارات للأقارب، كما أن حديقة الألعاب الوحيدة التي تمثل متنفس للسكان في العيد لا تزال مهجورة كونها تحت سيطرة الحوثيين الذين حولها إلى موقع عسكري.

ورغم اكتظاظ شوارع المدينة بتجار البسطة والمحال، خصوصاً في أواخر شهر رمضان المبارك واقتراب موعد عيد الفطر إلا أن حركة الشراء كانت الأقل منذ سنوات.

وشكا تجار ملابس من ركود السوق الذي لم يشهدوه بهذا الشكل منذ سنوات، وبدت حركة الشراء أضعف مما يتوقعها أحد.

أطفال تعز.. أوجاع عيد
في مدينة تعز بدت أوجاع الطفولة كثيرة في عيد الفطر المبارك.. ولم يجد أطفال تعز سوى الأسلحة البلاستيكية للتعبير عن فرحتهم بالعيد في مشهد يلخص تأثيرات الحرب عليهم.


وبدلاً من الملاهي والحدائق اتجه أطفال إلى مقابر المدينة، التي تحولت إلى مزارات عيدية ملفتة ليلهون ويزاورون أحباء لهم سقطوا في الحرب.. "أطفال ‫‏تعز في السابق كانوا يذهبون حدائق الألعاب ليستمتعوا بفرحه العيد، واليوم يذهبون حدائق الشهداء (القبور) ليتذكروا من كانوا يذهبون بهم إلى الحدائق، وجع": يعلق أحد الناشطين..

وغابت مظاهر الاحتفال بعيد الفطر المبارك هذا العام عن حدائق ومتنزهات مدينة تعز، واقتصرت على زيارة المستشفيات والمقابر. فآلة الحرب التي تدور رحاها في تعز ما زالت تحصد عشرات الضحايا. وفي مقبرة المدينة يترحم الزوار على ذويهم ويستحضرون ذكريات ما برحت تفاصيلها عالقة بأذهانهم، في وقت رسمت وحشة المكان الدهشة على ملامح الأطفال وعكرت عليهم صفو الاحتفال بالعيد. 
 
وبدا تأثير الحرب على أطفال اليمن واضحا، إذ انهمكوا في معارك وهمية فيما بينهم بشوارع تعز مستخدمين أسلحة بلاستيكية، لكنها تشيع البهجة في نفوسهم لا الموت. ولا يخفى على أحد أن الحرب في المدينة قد تركت آثاراً سلبية كبيرة على الأطفال.. ومن لم تصبه رصاصة قناص، أو قذيفة مليشاوي.. حتما لن يفلت من خطر هذه الحرب.. وسيتضرر نفسيا أو صحياً أو اجتماعيا أو اقتصادياً.



وهو ما بدا واضحاً على بعض أطفال المدينة في طقوس احتفاء عيد الفطر من خلال اقتناء ألعاب من المسدسات والكلاشنكوف وغيرها من لعب الأسلحة المقلدة وتقليدهم لمواجهات أطراف الصراع.. فطول أمدِ الحرب ألقى بظلاله على حياة السكان، وأثر على سلوكيات الأطفال وألعابِهم التي بدت محاكاةً لواقع المدينة بتفاصيلِها المعقدة.

بهجة بين بارود ودم
من بين ركام الحرب التي اغتالت الفرحة لدى الناس، وتسببت بنزوح آلاف المدنيين، وتجويع أضعافهم، كانت شوارع المدينة المحاصرة تحتفي بالبهجة بعيد الفطر المبارك. ومن وسط الحصار والأوجاع والمعاناة صنع أبناء تعز الأحرار الشرفاء من الأوجاع والمعاناة فرح وسرور.


ورغم آلة الموت التي تكاد تسرق حياة المدينة، إلا أن فعاليات وأنشطة، مجتمعية وشبابية وترفيهية، أقيمت في المدينة، تأكيداً على أن تعز لم تقهر.. وأنها تحيا من بين الأنقاض..

وبرعاية مكتب الشباب والرياضة بتعز وضمن برنامج صيف تعز إصرار وحياة نفذت مبادرة، آمالنا أعمالنا للتدريب والتنمية، المهرجان العيدي الأول، وذلك بهدف بث روح الفرح لدى المواطنين والأطفال خاصة وإشعارهم بأجواء العيد رغم ما تعيشه المدينة.


في حين احتضنت مدينة التربة بمحافظة تعز فعاليات مهرجان "عيدنا غير 2" والذي يقام للعام الثاني على التوالي، وسط أجواء  بهيجة وبحضور جماهيري كبير. وحظي المهرجان برعاية العديد من الجهات الداعمة كرسالة مضمونها أن جميع أبناء وتجار تعز يسعون لإيصال رسالتهم بان مدينتهم كانت وستضل صاحبة رسالة حياة لا موت، وأنه رغم الوجع إلا أن مساحة الحياة والفرحة ستظل موجودة.

كما نظمت مبادرة فاعل خير عشية العيد في مدرسه مجمع صينه للبنات المهرجان الترفيهي بهجة عيد برعاية مكتب الشباب والرياضة، وذلك ضمن برنامج صيف تعز، الهادف لإدخال السعادة إلى نفوس الأطفال في هذا اليوم، وكسر الوضع الذي تعيشه المدينة، في ظل الحصار والحرب والأوضاع التي تعيشها المحافظة وعدم قدرتهم على الذهاب إلى الأماكن الترفيهية الواقعة تحت سيطرة الانقلابيين.

مشاريع تكافل إنسانية
لم تقتصر الفعاليات والمبادرات المجتمعية في العيد على الأنشطة الترفيهية، بل شهدت مدينة تعز مشاريع التكافل الإنسانية، كما هي فعاليات أخرى، وتنوعت المبادرات المجتمعية بتنوع أفكار أصحابها.

ومثل حلول عيد الفطر المبارك مناسبة استعادت من خلالها تعز، بفعالياتها المجتمعية، قدرتها المتفردة على صناعة مفردات حالة مؤثرة من التكافل الإنساني أسهمت في التخفيف من معاناة الفئات الأشد فقراً في المدينة والتي تسبب الحصار والقصف اليومي في فرض تعقيدات إضافية على أوضاعها المعيشية الصعبة.

ولتخفيف وطأة الفقر التي يرزح تحتها اليمنيون جراء الحرب المستمرة منذ أكثر من عامين، دأب فاعلو الخير على تقديم ما تجود به أياديهم من هدايا للأطفال ومبالغ مالية لعشرات العائلات التي فقدت أقارب لها بسبب الصراع المحتدم بالبلاد.

صياغة الفرحة
من بين روائح البارود، ومشاهد الدماء القانية، ودوي القذائف، المتساقطة بجنون سعار قاذفيها، على رؤوس المدنيين، احتفى سكان مدينة تعز اليمنية، وسط البلاد، هذا العام بعيد الفطر..

رغم الأوضاع المادية الصعبة، والأوجاع الكثيرة، التي أنهكت سكان المدينة، بسبب الحرب والحصار المفروض عليهم، عاشت المدينة بهجتها..


فشلت قذائف الانقلابيين وانتهاكاتهم المتصاعدة في كسر الإرادة الجماعية لسكان تعز على تجاوز تداعيات الخراب الكبير ويوميات النزيف الدامي.. بعيد فطر استعادت من خلاله تعز، قدرتها المتفردة على صياغة الحياة وفرحة العيد من بين بارود ودم وأنقاض حرب..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

وكالة أرصفة للأنباءجميع الحقوق محفوظة 2016