حامد السقاف
________&
الإهداء: للمرأة التي انتظرت ليلة القدر، فانتبذت في مجرى السيل.
كانت المدينة سادرة في غيها، تحاول أن تتغلب على محنتها، وتجاوز ما تعيشه يوميا من رعب القذائف، وصواريخ الموت المتصدرة أركان الفضاء المحاصر، وعبثية توزيع الشظايا في خارطة الأحياء، حسب أهواء ذلك القاتل المتربع في التلال المطلة على تضاريسها.
بعيدا عن هموم الحصار، ومغالبة الجوع اليومي، وتسول الراتب الذي يأتي ولا يأتي، والوجع الذي لا ينتهي أنينه، والعجز في تفسير ما حدث وما يحدث، وتكالب قوى الشر من خارج المدينة، وصراع الفيلة في داخل المدينة، ومشاركة الأوبئة المتواطئة مع الفئة الباغية، صانعة الكوليرا، وأدوات القتل المدمرة، لتركيع صمودها، وإذلال كرامتها، ورفض حريتها... رغم كل هذا، حاولت المدينة أن تكيف حياتها، وتتجاوز أبجديات الحد الأدنى من العيش والإستمرارية حد الكفاف.
جاء رمضان، وفرح الناس، شهر يحمل في طياته الرحمة والبركة، تنقلب بوصوله الحياة، يصبح الليل صباحا، والنهار يغدو مرقدا للسهارى! ولكن الحرب لم تتوقف، والحصار لم يخف وطأته، بل بالعكس زادت وتيرة القذائف منذ اليوم الأول من رمضان، وزاد عدد الجرحى والقتلى، ورنين سيارات الإسعاف يرصد المشهد الخارجي ويرسم بأنينه الموجع خارطة أوجاعنا، ويخدش أسماع أطفالنا بناقوس الموت اليومي.
رغم كل هذا القبح المتزايد، والمشهد المأساوي - التراجيدي، إلا أن الناس تحاول أن تزيّن اللحظات، حتى لا تنكسر كلية، وتفقد طريقتها العفوية والأبدية في مقاومة الغزاة والطغاة والبغاة.
ولكن المدينة كانت بالأمس حزينة، شاردة، مقهورة، مهمومة حد الأنين الموجع. لم تصدق ما حدث. كانت تحلم بليلة القدر، والجميع يتبارى في ترديد الأدعية، وتوزيع الأحلام والأمنيات... إلى أن جاء من خدش هذه الليلة المباركة بساطور الدم، ونثر جثة امرأة القدر، في ليلة القدر، في قارعة المجاري، ومدرب السيل!
من أين يجيء هؤلاء الأشرار، كيف تتشكل آدميتهم؟ إنهم أسوأ من الوحوش، أسوأ من الجحيم الموجود داخل قلوبهم، إن كان لهم قلوب من حجر أو قصدير! كيف يتلذذون بتعذيب الجسد البشري، وفي ليلة القدر؟
يحاولون خلق الرعب، يقرعون ناقوس الدواعش، فزّاعة العالم، كي يثبتوا أن المدينة يحكمها الساطور والدم، حتى إن كانت الضحية إمرأة ضعيفة، لا حول لها ولا قوة.
الصمت هو السائد، والأمن هو المفقود، والناس نيام وما هم بنائمين.. والمدينة مصدومة من هول ما حدث.. ما العمل ؟
من كان منكم على بينة، فليبينها للناس، حتى لا تتكرر مثل هذه الجريمة البشعة في ليلة القدر، وبقية الليالي الضوئية.
حزين أنا.. فكيف امتص حزني؟
لا يجيء الصراخ إلا من العجز!
عاجز أنا حد القهر .
صمت في اللاصمت
وصوت في اللاصوت
صمت وصوت
صوت وصدى
فمن أين يتوالد الصراخ؟
خرجنا من دم امرأة حبلى،
فكيف نتطهر؟
هذه ليلتي..
ليلة الغدر، البدر، القهر،
وللمرأة المنسية ليلة القدر.
تعز - حزيران ٢٠١٧ م
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق